الاحتيال المالي .. مسؤولية مشتركة ولكن


أثارت الإجراءات الاحترازية المحدثة من "ساما" في الأيام الفائتة الانتباه، وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع تفاصيل هذه الإجراءات إلا أن الاستجابة لأمر مثل هذا أفضل من عدم الاستجابة. قامت "ساما" وعديد من الجهات الأخرى بعدد من الجهود خلال الأعوام الماضية لمقاومة الاحتيال المالي، خصوصا النوع الذي يشتمل على انتحال الشخصيات وسرقة الهويات. لكن طرق الاحتيال تزايدت حتى في العالم أجمع، والضحايا في ازدياد أيضا.

يقود هذا الواقع إلى طرح السؤال: من المسؤول؟ والحقيقة أن المسؤولية مشتركة، فالجهات المنظمة والإشرافية لا تعفى من المسؤولية لكن جهودها وحيدة لن تحل المشكلة، هي بحاجة إلى تعاون الجهات الأخرى التي تتقاطع معها سواء كانت مقدمة للخدمات أو جهات تربوية أو إعلامية أو قضائية أو أمنية.

أما الطرف الآخر في المسؤولية فهو المؤتمن على المعلومة وغالبا ما يكون مقدم الخدمة مثل المصرف أو الموقع الإلكتروني أو شركة التقنية المالية، فهو المسؤول الأول عن التحقق من أن تعامله يحدث مع الطرف المخول بالتعامل وبالطريقة المتفق عليها، نظريا وتقنيا يجب ألا يخلي مسؤوليته عن إجراءات هو يصممها ويقوم بتنفيذها. أما الطرف الأخير والأهم فهو المستفيد المتضرر أو المتضرر المحتمل الذي يجب أن يمارس درجة محددة من الاهتمام والسلوك الاحترازي الحذر حتى يتفادى الوقوع في مصايد الاحتيال.

تكاد تكون مسؤولية المستفيد من الخدمة غير محدودة، في واقع التقنية المتغير نحن نفترض أن المستفيد يجب ألا يدخل في حالة "راحة البال" التامة، وأن يكون متيقظا ومنتبها بشكل مستمر. لماذا؟ لأن هناك متغيرين لا يمكن أن يتحكم بهما: التطور التقني وذكاء المحتالين، وهما في تغير مستمر. والمستفيد مسؤول كذلك لأنه لا يستطيع منح الثقة الكاملة للجهات الأخرى سواء كانوا مقدمي خدمات أو غير ذلك، احتمالات الخطأ واردة والجاهزية تتفاوت. صحيح هو لا يتعامل إلا مع جهات تكسب ثقته وفي بيئة تحفظ فيها الحقوق، لكنه يجب ألا يركن إلى ذلك.

مشكلة الاحتيال المالي بصوره الحديثة القائمة على التطورات التقنية مشكلة تزامن، بينما تحدث عملية الاحتيال في جزء من الدقيقة أو عدة دقائق، إلا أن تفاديها يتطلب أعواما من الإعداد، ومعالجة أثرها قد تتطلب أعواما كذلك. وهذه في نظري هي المعادلة الأصعب التي تتطلب تعاون الأطراف المشاركة في المسؤولية في معالجتها.

وفي كل مرحلة من هذه المراحل الزمنية هناك عدة أدوار على جميع الأطراف المشتركة في المسؤولية، مثلا عند المرحلة الأولى "مرحلة التفادي" لا بد من التوعية التي قد تبدأ من المدرسة والمنزل، ولكل مرحلة عمرية وفئة مجتمعية ما يخصها ويناسبها، ومن الطبيعي أن يقود عملية التوعية الطرف الأقوى والأكثر معرفة وتجهيزا، أي: الجهة المشرفة بتعاون مقدمي الخدمات وتفاعل المستفيد. و"مرحلة التفادي" تتطلب أيضا أعواما من الإعداد في البنية التحتية وتصميم الإجراءات والتعود على السلوكيات الإيجابية التي تعزز عملية مقاومة هذا الخطر، وهذه أيضا مسؤولية الجهات المشرفة ومقدمي الخدمات.

أما عند لحظة التنفيذ، فهناك أيضا مسؤوليات مشتركة، فالمستفيد ينبغي أن يكون بكامل تركيزه عند القيام بهذه العمليات الحساسة والمنطوية على مخاطر الخسارة المالية، بينما مقدم الخدمة مسؤول عن زرع الأدوات التي تمكنه من اكتشاف المحتال متلبسا أو على الأقل قبل إغلاق نافذة إصلاح الوضع "مثلا عكس العملية"، وهذا يتطلب استثمارا تقنيا يمكنه من رفع وكشف المؤشرات وقت التنفيذ، قد يكون أمرا مكلفا لكنه بالتأكيد أقل تكلفة من خسارة الاحتيال المالية والتبعات الإدارية والقانونية. وهنا في هذه المرحلة، قد لا تقتصر الإجراءات الاحترازية على منع الاحتيال أو كشفه وقت وقوعه، وإنما كذلك على القدرة الكاملة على تتبع الأموال traceability باستخدام كل ما يمكن استخدامه للتمسك بالخيط الذي يعيد الحقوق لأصحابها، وبالطبع هذا يتطلب عددا من حلول الدمج والتكامل والتتبع المركزية التي لن يتمكن من توجيهها وإدارتها إلا جهة إشرافية مركزية.

عندما نتحدث عن المعالجة "المرحلة الأخيرة" فنحن نتحدث عن إرجاع الحقوق لأصحابها، ومعاقبة المجرمين، وسد الخلل وإصلاح التعرض والتعلم من الدرس. وهنا نجد أن المسؤولية تشمل أولا الجهات المنظمة والإشرافية ثم مقدمي الخدمات ثم المستفيد المتضرر. المعالجة بعد الحدث تتطلب إجراءات سريعة وواضحة، وتكامل فعال بين عدد من الجهات الأمنية والقضائية والمالية، ومتضرر يعرف حقوقه وكيف يأخذها. عدم قيام أحد الأطراف بدوره يفسد عملية المعالجة بالكامل، على سبيل المثال، لن يعاقب المجرم بجرمه ولن يسد الخلل وستسقط ضحية أخرى إذا لم يشتك المتضرر ويرفع دعواه بالطريقة الملائمة.

وكما هو واضح فالمسؤولية مشتركة بين عدد من الأطراف، وهي قائمة بشكل مستمر: قبل الحدث، وأثناء تنفيذ الحدث، وبعد الحدث. أما حديث البعض حتى لو كانوا من المختصين وحصرهم للمشكلة في وعي المستفيد من الخدمات، وأن بعض الفئات مثل كبار السن أو ضعيفي الثقافة التقنية والمالية هم السبب فيما يتعرضون له، مجرد جهل وتجن. هناك من يختصر كل تحديات المنظمة في سذاجة وسلوك المستفيد. وعي المستفيد مكون رئيس للمعادلة لكن هناك مكونات مختلفة لن تعمل بشكل جيد إلا بوجودها معا بتزامن واتزان.

* نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية

تاريخ الخبر: 2022-04-16 12:18:34
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 82%
الأهمية: 99%

آخر الأخبار حول العالم

كتل ضبابية وحرارة مرتفعة ورياح قوية في طقس يوم الجمعة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:08:54
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 79%

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (٣)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:21:38
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 68%

السلطات الإسرائيلية تؤكد مقتل أحد الرهائن في غزة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:07:01
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 98%

الضغط على بايدن لمخاطبة الأمة إثراندلاع العنف في الجامعات

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:07:18
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 100%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية