محمد الباز يكتب يوميات (الاختيار 19): «عملية غسيل مخ».. منهج الإخوان لهدم الإنسان

الجماعة تعمل على هدم الإنسان لصالح بناء مسوخ يتحركون بإرادة المرشد

كان ما حدث غريبًا بالنسبة لمن لا يعرف جماعة الإخوان جيدًا. 

قبل ظهور ياسر على، المتحدث الرسمى باسم الرئاسة الإخوانية، على الشاشة ليعلن بنود الإعلان الدستورى فى نهايات نوفمبر ٢٠١٢، كانت الأوامر قد صدرت إلى شباب الجماعة فى القاهرة والجيزة والمحافظات القريبة منها بأن يتوجهوا إلى منطقة وسط البلد، والتجمع عند دار القضاء العالى، ويستعدوا للهتاف تأييدًا للقرارات التى ستصدر عن الرئيس. 

لا يوجد خطأ فيما قرأته، ولا يوجد أى افتراء عليهم فيما ذكرته. 

عرفنا جميعًا ما حدث، كان مراسل أحد البرامج التليفزيونية يتحدث من أمام دار القضاء العالى إلى المذيع فى الاستديو، يصف له عملية الحشد الإخوانى الهائلة، والهتافات التى يسمعها على القرب من الشباب المتحمس، طلب المذيع من المراسل أن يأتى إليه بأحد شباب الإخوان ليتحدث معه، وهو ما حدث. 

سأل المذيع الشاب: لماذا تتظاهر أمام دار القضاء العالى؟ 

رد الشاب الإخوانى: أنا هنا لتأييد قرارات الرئيس. 

سأل المذيع: وهل قرأت هذه القرارات.. وما رأيك فيها؟

رد الشاب: لا لم أقرأ القرارات ولا أعرف ما فيها.. لكنى أؤيدها. 

سأل المذيع: وكيف تؤيد قرارات لا تعرف عنها شيئًا؟ 

رد الشاب: الجماعة كلمونا وقالوا لنا إن الرئيس سيصدر قرارات مهمة جدًا، ومحتاجين تأييد كبير لها، فجئنا لنؤيد القرارات. 

سأل المذيع مرة أخرى مندهشًا وربما يأكله الغيظ: وهل من الطبيعى أن يؤيد الإنسان شيئًا لا يعرف عنه أى شىء؟ 

رد الشاب الصاعق: طالما أن الجماعة ترى أن القرارات مهمة فهى مهمة.. وطالما أنها طلبت منَّا تأييدها فلا بد أن نؤيدها على الفور. 

يمكنك أن ترى فيما جرى تطبيقًا حرفيًا لمبدأ «السمع والطاعة» الذى تعمل به الجماعة، وهو مبدأ يتم من خلاله صياغة الفرد الإخوانى كتابع ذليل لا عقل له ولا رأى، فهو لا يرى إلا ما تريد الجماعة له أن يراه، ولا يسمع إلا ما تريد الجماعة له أن يسمعه، ولا يفهم إلا ما تريد الجماعة له أن يفهمه، وفى النهاية لا يؤمن إلا بما تؤمن بها الجماعة، فكل ما عداها كفر وضلال. 

لكننى أعتقد أن المسألة تتجاوز الأمر بكثير، لتخرج من مساحة تطبيق مبدأ السمع والطاعة، إلى عملية غسيل مخ كاملة. 

تجسد الأمر أمامى مرة ثانية وأنا أتابع معالجة مسلسل «الاختيار ٣» لأحداث مكتب الإرشاد فى الحلقة ١٩. 

لن أتوقف عند رد فعل قيادات الجماعة، وعلى رأسهم مرشدهم، وهم يخططون لمواجهة الشباب الذين قرروا التظاهر أمام مكتب الإرشاد بالمقطم ردًا لكرامتهم، أطلقوا على المظاهرة «مليونية رد الكرامة»، حيث إنهم ما ذهبوا إلى هناك إلا من أجل رد الإهانة التى تعرضت لها سيدة مصرية، عندما صفعها إخوانى فظ وهى تهتف أمام مكتب الإرشاد. 

تجسد رد فعل الإخوانى فى جملة قالها صفوت حجازى للشباب الذين كانوا يقفون أمام مكتب الإرشاد، فمن يقترب من المكتب اكسروا رجله، وحتى يؤكدوا أنه لم يقصد المعنى المجازى لمسألة كسر الرجل، يعيد الأمر عليهم مرة ثانية، أن يكسروا فعليًا رجل كل من يقترب من مكتب الإرشاد. 

أين تظهر لى عمليات غسيل المخ فيما جرى أمام مكتب الإرشاد؟ 

تظهر فى الحالة التى كان شباب الإخوان يتحدثون بها أمام المكتب وهم يستعدون لحمايته من الشباب القادمين للاعتداء عليه. 

لم يتعامل شباب الإخوان مع مبنى مكتب الإرشاد فى المقطم على أنه مجرد مبنى إدارى تدير منه الجماعة شئونها، لكنهم كانوا ينظرون إليه على أنه مبنى مقدس، أن يموتوا فى سبيل حمايته فهذا أمر يرضى الله ورسوله، بل يجعل منهم شهداء. 

هذا الاعتقاد لم يأت صدفة، بل كانت وراءه عمليات غسيل مخ منظمة للشباب حتى يصلوا إلى هذه الدرجة التى يعتبرون الجماعة فيها فوق الإسلام، والدفاع عن حسن البنا أولى عندهم من الدفاع عن النبى، صلى الله عليه وسلم. 

عمليات غسيل المخ بدأت مبكرًا جدًا، بل يمكن أن نقول إن حسن البنا عندما فكر فى تأسيس الجماعة، كان همه الأساسى هو كيف يقوم بتجنيد أكبر عدد من الشباب ليكونوا سيوفه التى يحارب بها. 

من يعرفون تاريخ حسن البنا جيدًا، يعرفون أنه لم يترك خلفه كتبًا لها قيمة، وكل ما نجده له هو تفريغ لأحاديث كان يلقيها فى مقر الجماعة، أو ما يكتبه من مقالات كان يكتبها فى صحف الجماعة، أو خطب ورسائل كان يلقيها فى مؤتمرات الجماعة السنوية، لكنه لم يتوفر لتأليف كتاب مستقل، لأنه كان كما يقول لأصحابه يهتم أكثر بتأليف الرجال. 

كانت الفكرة واضحة لدى البنا، ولذلك لن يكون غريبًا عندما تسمعه وهو يقول: إن تأليف الكتب سهل.. لكنه لا يؤثر كتأليف الرجال. 

كانت الخطة التى زرعها البنا فى رجاله، الذين كانت مهمتهم بعد ذلك تجنيد الشباب، وهو ما جرى طوال تاريخ الجماعة ولا يزال وأعتقد أنه سيظل، وكان الهدف الأول والأساسى هو تغيير اتجاهات الشباب النفسية والفكرية، وإعادة صياغتها بما يتناسب مع الرغبة فى تكوين شاب لا رأى له ولا يجيد سوى السمع والطاعة. 

كانت الخطوة الأولى فى غسيل دماغ شباب الإخوان طبقًا لمنهج حسن البنا هى إقناع الشباب أن ما هم عليه خطأ، يتناقض تمامًا مع الإسلام الصحيح، وأن المجتمع الذى يعيشون فيه لا يقدم وجهًا صحيحًا للإسلام، وعليه أن يخاصموا هذا المجتمع ويعزلوا أنفسهم عنه. 

الخطوة الثانية أن الإسلام الصحيح الذى لا مكان له فى المجتمع موجود لدى جماعة الإخوان، فهى التى تناصر الإسلام وتنصره، وهو ما جعل الجماعة حريصة فى صياغة شعاراتها، وكان طبيعيًا أن ينبهر الشباب بمن يقول لهم إن «الله غايتنا والقرآن دستورنا والرسول زعيمنا والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا». 

الخطوة الثالثة أن وجودك داخل مجتمعك وموافقتك على كل ما يدور فيه، رغم أنه ينافى الإسلام سيكون خطرًا عليك، فأنت بذلك من أهل الضلال، ومصيرك فى الآخرة إلى النار، لكن عندما تكون مع الجماعة فأنت على الطريق الصحيح، والجنة مثواك، تهتم الجماعة فى هذه الخطوة بتشكيك العضو المنضم إليها فى إمكاناته، وإشعاره بأنه لا يمكن أن يكون قادرًا وحده على تحمل المسئولية، ولذلك لا بد أن يكون منقادًا تمامًا لكل ما تطلبه منه الجماعة. 

الخطوة الرابعة أن كل ما تقوله الجماعة وما تقوم به لا هدف له إلا الانتصار للدين، لذلك تتعجب من إصرار قيادات الإخوان وشبابهم الذين يتم صهرهم فى بوتقتها أنهم الأقرب إلى الله، بل لا يعرف الله سواهم، وأن ما سواهم لا ينتمون إلى الدين بصلة، بل الجميع فى وجهة نظر الإخوان كفار، حتى لو لم يعلنوا عن ذلك صراحة. 

الخطوة الرابعة هى الاستحلال.. فبعد أن يصل الشاب الإخوانى إلى أن الحق المطلق معه وأن الآخرين على الضلال المطلق، يكون من حقه أن يتقدم لتغيير هذا المجتمع، فيستحل تكفير من يعارضه وقتل من يقف فى طريقه، وإذا ما تعرض هو إلى القتل فهو شهيد تنتظره الحور العين على أول طريق الآخرة. 

لم تتوقف الجماعة فى أى وقت عن ممارسة منهجها فى غسيل دماغ أعضائها، وهى لا تكتفى بتنفيذ ذلك بآليات فكرية ونفسية فقط، بل كانت تبذل من أموالها الكثير، لتشعر العضو المنتمى إليها أو الذى تخطط لضمه إليها أنها ستكون سندًا له فى أى وقت، حتى يصل إلى الأمر الذى يرى فيه الجماعة أهم لديه من الدنيا وما فيها، ولذلك لا تتعجب عندما ترى أن الإخوانى يقدس الجماعة أكثر من تقديسه عائلته، ويطيع قائده فى الجماعة أكثر من طاعته أبيه. 

تعرفون جيدًا ما يقوله الإخوان عن أن «العضو بين يدى مرشده كالميت بين يدى مغسله».

العبارة براقة، حلا لشباب الإخوان ترديدها على مسامعهم، تدليلًا على قمة طاعتهم لمن يدينون لهم بالولاء، لكنها فى الوقت نفسه تأكيد على أن الجماعة كانت تعمل على هدم الإنسان، على تشويهه، لصالح بناء مسوخ، يتحركون بإرادة الجماعة لا بإرادتهم، ويفكرون بعقل الجماعة لا بعقولهم. 

لقد رأينا ذلك بوضوح فى سلوك الإخوان الذين كانوا يطيعون أوامر الجماعة دون نقاش، وكانوا يؤيدون قراراتها قبل حتى أن يعرفوا ما فيها، وتأكدنا منه عندما رأيناه مجسدًا أمامنا فى «الاختيار ٣»، ولهذا كان من الطبيعى أن تكره الجماعة هذا المسلسل وتعمل على تشويهه.. لأنه دانة مدفع وجهها صناعه إلى جبهة الجماعة مباشرة. 

تاريخ الخبر: 2022-04-22 21:20:54
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 56%

آخر الأخبار حول العالم

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:45
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 67%

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:39
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية