دولة الرفاه والدولة التنموية: أيهما نريد؟ «2- 2»


دولة الرفاه والدولة التنموية: أيهما نريد؟ «2- 2»

قصي همرور

قصي همرور

«تم النشر مسبقاً، عبر الوسائط، في 19 و20 أبريل 2022م»

المقال الصغير الذي جاء بالأمس، بنفس العنوان أعلاه، أثار ردود فعل ونقاشات استدعت مقالاً ثانياً. وموجز النقاشات التي استحقت الاهتمام أن لجان المقاومة لولاية الخرطوم تداولت الخيارات بين تبني مصطلح “دولة الرعاية الاجتماعية” (دولة الرفاه) وبين تبني “الدولة التنموية”، ثم في ميثاقها وصل الخيار لاستعمال الاصطلاح الأول؛ بيد أن مسار النقاش كان متأثراً أكثر بميراث السلطة الانتقالية 2019- 2021، حيث أن مصطلح “الدولة التنموية الديمقراطية” تبنّته تلك السلطة، ثم كان أداؤها لا يشجع لجان المقاومة على استعادة نفس المصطلح، فاللجان تسعى لتمييز التغيير الذي تنشده من نمط “التغيير” الذي أخذ فرصته في الفترة الانتقالية 19- 21 (واتضح أنه لم يكن تغييراً ذا معنى أو أثر).

هذه نقطة مهمة، وتستحق العودة والتأمل. من ناحية، كنّا نعرف أن لجان المقاومة اهتمت بتدارس نموذج الدولة التنموية الديمقراطية، فقد كنا جزءاً من ذلك التدارس، والآن لعله حان الوقت للنقاش العام حول لماذا تم اختيار دولة الرعاية الاجتماعية في النهاية (ولا نقصد بالنهاية أن ليست هنالك فرصة للمراجعة، فقط نهاية جولة من التداولات، وهي جولة كبيرة بلا شك لكنها ليست نهائية).

بعد التعريف الذي قدّمناه للمصطلحين، في المقال الأول، والذي يوضّح، وفق أدبيات الاقتصاد السياسي ودراسات التنمية، أن دولة الرفاه ليست مختلفة في المقاصد عن الدولة التنموية فحسب (رغم أن هنالك مساحة تداخل مقدّرة بينهما) وإنما هي أيضا تحتاج لتوفر شروط ليست متوفرة اليوم في السودان، “وهي شروط توطّن وتقدّم علاقات الإنتاج الرأسمالية وتقدِّم مستويات الاقتصاد العام وفقاً لذلك”. لذلك فدولة الرفاه توصف بها عادة مجموعة من الدول المتقدمة تنموياً، أو ما يسمى بالبلدان المتقدمة صناعياً (industrialized countries)، خاصةً في أوروبا الغربية (كما هي حاضرة في دول مثل كندا واستراليا ونيوزيلندا واليابان، على تفاوت حضورها في كل دولة). أيضاً، بعد تعريف الدولة التنموية، ومعرفة أن معظم الدول التي تحوّلت من مستوى “العالم الثالث” إلى “العالم الأول” في العقود الأخيرة (أو من مستوى الاقتصاد متدني الدخل إلى الاقتصاد متوسط/ عالي الدخل) اتخذت نموذج الدولة التنموية، وأنه النموذج الذي يسجّل عودةً واهتماماً أكبر حاليا وسط البلدان النامية، وأن ذلك النموذج، لذلك، أقرب لوضعنا في السودان وأقرب لطموحاتنا (كما أنه نموذج ديناميكي يسمح بالخصائص المحلية أن تتشكّل وتتفرّد)؛ بعد ذلك، نحتاج لمراجعة الأسباب التي جعلت لجان المقاومة تنحاز لدولة الرعاية الاجتماعية.

في كتابات تعود إلى 2020 وما بعدها (منذ كتاب “حوكمة التنمية”، الباب الأول، الفصل الثالث، الصفحات 59- 60) وفي مداخلات ونقاشات أخرى (آخرها ندوة جرت في 16 أبريل الماضي)، تحدثنا عن أهمية التفكير في خط الدولة التنموية، كما تحدثنا عن أن السلطة الانتقالية 19- 21 في السودان فعلاً أعلنت أنها تبنّت نموذج الدولة التنموية الديمقراطية، ولكنها في الممارسة لم تتجاهله فحسب إنما طبّقت عكسه عملياً. قلنا إن هنالك علامتين واضحتين تتميّز بهما الدولة التنموية، وهما: (1) تنظيم آليات السوق عبر ضوابط وسياسات اقتصادية مدروسة وموجّهة، ومن أهمها السياسات الصناعية؛ و(2) العمل على تصميم وتنفيذ مشاريع تنموية كبرى (flagship projects)، تؤدي في المدى المتوسط والبعيد إلى زيادة مؤشرات التنمية العامة، وذلك مهم لأن قدرة الدولة على الاستثمار الكبير وطويل المدى- أي الذي لا ينتظر عوائد/ أرباح في المدى القصير- أكبر من قدرة القطاع الخاص (المحلي أو الأجنبي)، خاصة في البلدان النامية. (من نماذج ذلك ذكرنا أن إحدى دول آسيا- جمهورية الصين (تايوان)- ركّزت على 10 مشاريع بنية تحتية كبيرة، لجميع البلاد، في عقد السبعينات، وأن تلك المشاريع لوحدها آتت عائداً تنموياً كبيراً في الثمانينات والتسعينات). من تلكما العلامتين، يتضح أن السلطة الانتقالية في السودان لم يكن لها أي حظ من الدولة التنموية سوى كلمات خرجت من أفواه رئيس الوزراء وبعض ذوي المناصب الدستورية؛ مجرد كلمات لا أكثر.

(وهذه فرصة لنقول إن هنالك اصطلاحات ومفاهيم أخرى استعملتها السلطة الانتقالية، على لسان بعض منسوبيها، ثم لم يكن لها أي أثر في التنزيل على أرض الواقع، في أي مستوى يؤبه له: مثل الاقتصاد المؤسسي، ومثل التنمية الصناعية، وإصلاح الخدمة المدنية، والحوكمة والسلام، إلخ. كما يمكن أن نسترجع بعض المصطلحات والأدوات التي استعملتها قوى الحرية والتغيير حتى استنفدت صبر الشعب منها وكرهها أو كاد يكرهها كذلك، مثل “المصفوفة”…. ولا يمكن هنا تفويت فرصة الحديث عن البدلة الاشتراكية التي كرهها قطاع كبير من الشعب السوداني بسبب الكيزان الذين لم يخترعوها ولم يحسنوا لبسها حتى).

لذلك، ولأسباب عدة، ينبغي أن نهتم كثيراً بالتمييز بين ما يقوله البعض وبين ما يفعلونه، كما ينبغي أن نميّز بين المصطلحات والمفاهيم ذات التجربة التاريخية والعالمية وبين ما يجرى مجرى اللسان فقط عند بعض من لا نريد أن نشبههم. وهنا لا ينبغي أن نلوم العاطفة التي جذبتنا نحو أن نحاول تجنب التشبه بميراث التجارب الفاشلة في السودان (حديثاً وقديماً) فهذه في حد ذاتها عاطفة صحيحة، وهي توجّه الفكر وتشحذه نحو تجنّب تكرار الأخطاء، لكن علينا مزاوجة العاطفة الصحيحة بالفكر الجاد، حتى نخرج من دائرة الأماني (أو التفكير الرغبوي) إلى دائرة الدرس والتخطيط، والعمل المبني عليهما.

وللحديث شجون….

دولة الرفاه والدولة التنموية: أيهما نريد؟ «1- 2»

تاريخ الخبر: 2022-04-23 00:22:05
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

الجيش الملكي يطيح بنهضة بركان ويعبر إلى ثمن نهائي كأس العرش

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:08:57
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 70%

رسميا.. اكتمال مجموعة المنتخب المغربي في أولمبياد باريس 2024

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:08:48
مستوى الصحة: 71% الأهمية: 84%

انعطافة حاسمة في تنفيذ المشروع العملاق بين إسبانيا والمغرب

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:08:54
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 73%

تطورات جديدة ومثيرة في أزمة مباراة إتحاد الجزائر ونهضة بركان

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:08:50
مستوى الصحة: 70% الأهمية: 73%

ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار طريق سريع جنوب الصين إلى 48 شخصا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:07:21
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 86%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية