فى معنى الضبط الاجتماع


أثارت واقعة سيدة المترو التى تعدت على فتيات بزعم أنهن يرتدين ملابس خادشة للحياء! استياء البعض وليس الكل. وقد يرى رافضو مثل هذه الممارسات هذه الواقعة كنوع من الخروقات أو السلوكيات المنحرفة السائدة، ولكن إذا فكرنا فيها قد نكتشف أن سلوك هذه السيدة يعكس منظومة ثقافية واجتماعية تعطى الحق لانتهاك الحق فى الخصوصية والتعدى على الغير باسم الأخلاق، وكأن لكل شخص الحق، إذا ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فى أن ينصب نفسهحاميا للأخلاق ومسئولا عن ضبط سلوكيات الآخرين!!

 

وقد يكون من المناسب فى هذا السياق تناول مصطلح أساسى وهومصطلح الضبط الاجتماعي Social Control، ليس فقط لأنه وثيق الصلة بواقعة المترو، بل بمنطق عام سائد ثقافيا واجتماعيا. وكما هو واضح فإن كلمة الضبط، والمشتق منها كلمة الانضباط، تعنى كل ما يضع الأمور فى مسارها “الصحيح” كضبط الوقت، أو ضبط النص، أى تدقيقه وتصحيحه، أو ضبط مرتكبى الجرائم، بمعنى توقيفهم والقبض عليهم. وبهذا فإن معنى الضبط الاجتماعى يحيل إلى العلاقة بين الفرد والنظام الاجتماعى وخضوعه للمعايير التى يفرضها المجتمع لتحديد الصحيح والخاطئ والمشروع والممنوع. وما يتم ضبته هو سلوكيات الأفراد من أجل الامتثال لهذه المعايير، سواء بالموافقة والرضا أو من خلال أدوات وآليات الإجبار والقسر التى يتم فرضها من قبل النظام الاجتماعى.

 

وتتمثل مصادر الضبط الاجتماعى فى الأعراف Mores والقانون Law والقيم Values والثقافة Culture والرأى العام Opinionوالأسرة Family والتعليم Instruction والتربية Education وما يسمى بآداب التعامل Etiquette. فكل هذه الوسائل يجرى استخدامها بطرق وأوزان تختلف من مجتمع لآخر ومن طبقة اجتماعية لأخرى. ففى مجتمعات تعلى قيمة المواطنة تكون الوسائل المؤسسية، كالقانون ومؤسسات التنشئة، هى الأكثر فعالية، على عكس المجتمعات التقليدية التى يكون للأعراف والتقاليد والأحكام الأخلاقية دور أكبر فى عمليات الضبط الاجتماعى ربما يفوق قوة القانون ذاته. ومن  حيث  طبيعته يعتبر الدين مصدرا أساسيا منمصادر الضبط الاجتماعى فى معظم الثقافات، ليس فقط لأنه الإطار الرئيس لثنائية الحلال والحرام ولكن لأن الدين، فى بعض المجتمعات، يبرز كعامل مشترك فى جميع مصادر الضبط الاجتماعى الأخرى، فنجده حاضرا فى التشريع القانونى، والأعراف، ونظم التربية والتنشئة.

 

وكما تختلف عمليات الضبط الاجتماعى من حيث المقومات والأساليب من مجتمع لآخر، فإنها تختلف أيضا من منظور النوع الاجتماعى، أى بين الرجال والنساء، فمعايير الحرام والحلالبالمعنى الدينى، والعيب بالمعنى الثقافى تختلف فى تطبيقاتها على الرجال والنساء. وعادة ما يحدث امتزاج بين العيب والحرام فى الوعي العام خاصة فى المجتمعات التقليدية، بحيث يصعب التفرقة بينهما. ومن المعروف أن الرجال تاريخيا أكثر حظوة وحرية من النساء فيما يتعلق بالخضوع لقيود ونواهى الضبط الاجتماعى، ومع ذلك فإن النساء لم يكن فقط الأكثر استهدافها بوسائل الضبط الاجتماعى، بل هن كذلك فاعلات فى تطبيق أساليب الضبط الاجتماعى حتى تلك التى تستهدفهن.

 

فمن ناحية أولى، وعلى سبيل القاعدة، كلما كان المجتمع قائم على مبدأ المواطنة واحترام القانون بوصفه الآلية الرئيسية المستخدمة لضمان امتثال الأفراد للمعايير الاجتماعية، والتى يتم تنظيمهاقانونيا، كلما قلت فجوة التمييز بين الرجال والنساء على مستوى التطبيق، وبالمقابل كلما تراجع القانون وأفسح المجال للدين والأعراف والتقاليد لتكون هى الوسائل الأكثر فعالية فى الضبط الاجتماعى، كلما زاد التمييز بين الرجال والنساء، وعادة يكون الأمر لصالح الرجال بفعل الشائع والراسخ فى الأذهان بشأن “قوامة الرجل” و”عورة المرأة”. فعلى المرأة أن تراعى حيز كبير من العيب والحرام بداية من جسدها ولبسها وحتى طريقة تعاملها فى الحيزين الخاص والعام.

 

ومن ناحية أخرى، فإن النساء أنفسهن لسن مجرد موضوعات للضبط الاجتماعى، بل يلعبن أدوارا نشطة فى تعزيز آليات الضبط القائمة والحفاظ عليها، سواء تعلق الأمر بمسئوليات النساء فى عمليات التنشئة، أو حتى فى بعض المهام الموكلة إليهن فى مجالات محددة مثل التعليم والرعاية الاجتماعية والتمريض، وكلها مهام تتضمن سلطة تقييم ورقابة. كما أن مراقبة النساء للنساء معلومة ومعروفة، لأنهن الأكثر دراية بعالمهن الخاص، عالم الأنوثة والجسد. وحتى لو كان للرجال الكلمة العليا فى أحكام الضبط الاجتماعى، فإن الأدوار الرقابية والانضباطية التى تتولاها النساء لا يمكن تجاهلها.

 

وفى الواقع أنه فى غياب معايير قانونية واضحة وعادلة تصبح عمليات “الضبط” الاجتماعى ذاتها غير منضبطة، وذلك عندما يكون منطق ضبط السلوكيات عبارة عن خليط عشوائى من العيب والحلال والحرام والمشروع والممنوع. والمشكلة أن أنظمة كهذه تؤثر بالسلب على المعايير القانونية والمقومات الدينية فى الوقت ذاته. فعادة ما تتسم أنظمة الضبط الاجتماعى العشوائية بجفاف روحانى وتصحر أخلاقى، وتبقى على أقنعة التدين العقابية لإضفاء مشروعية على التدخل فى حياة الآخرين باسم الضبط الاجتماعىوالأخلاقى. إن واقعة المترو ليست مجرد حدث عارض أو استثنائى ولكنه تعبير عن ثقافة سائدة للضبط الاجتماعى، هى فى جوهرها عشوائية وعنيفة وغير منضبطة.

.

تاريخ الخبر: 2022-04-25 12:21:43
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 51%

آخر الأخبار حول العالم

جماعة البيضاء ترفع تسعيرة الترامواي من 8 إلى 9 دراهم

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 15:26:32
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 64%

جماعة البيضاء ترفع تسعيرة الترامواي من 8 إلى 9 دراهم

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 15:26:34
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 70%

إسبانيا لمواطنيها: "تندوف منطقة خطيرة وجب تجنبها"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 15:26:29
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية