ما إن أعلنت حكومة المملكة العربية السعودية رفع الإجراءات الاحترازية المتعلقة بجائحة كورونا في ٢ شعبان ١٤٤٣هـ، حتى انهالت طلبات التأشيرات للعمرة من جميع أنحاء العالم الإسلامي لزيارة أقدس بقعة على وجه الأرض؛ فالمملكة حققت مكتسبات صحية عالية منها: التحصين بثلاث جرعات لمعظم أفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين، فتحققت المناعة العامة، هذا فضلاً عن زيادة في أعداد المستشفيات والمراكز الصحية، وغرف العناية المركزة، خاصة في مكة، مما يجعلنا نقف في خط دفاع قوي ضد المرض.
وتهللت قلوب المسلمين في شتى أصقاع الدنيا لتحقيق أمنياتهم في زيارة البيت العتيق، وهي من تعظيم شعائر الله، والتي حُرموا منها لأكثر من عامين، كما قال تعالى: (..وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ). كما استبشر أهالي مكة بشرف خدمة ضيوف الرحمن إيماناً بقوله تعالى: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ..)، وفعلاً بحمد الله انتعش الاقتصاد في مكة خلال شهر رمضان المبارك في البيع والشراء، وتحقيق زيادة 40% نسبة التشغيل للفنادق وللإسكان.
وأصبحت هناك استعدادات كبيرة لمختلف الجهات الحكومية، ومنها وزارة الحج والعمرة، حيث أتاحت تقديم طلبات المعتمرين واعتماد التأشيرات والخدمات جميعها إلكترونيا بما فيها السكن والنقل لشركات العمرة السعودية، مما جعلها تُصدر أكثر من (٢٧٠٠٠) تأشيرة يوميا.
وفي مقابل هذا الانفراج، قدمت الرئاسة العامة لشؤون الحرمين أكبر خطة تشغيلية في تاريخها لموسم رمضان 1443هـ؛ حيث شهد الحرمان الشريفان كثافة عددية كبيرة، فخلال العشرة الأوائل من رمضان شهد المسجد الحرام دخول مليون معتمر، وفي النصف الثاني أكثر من مليونين ونصف، ويتوقع أن يصل إلى 4 ملايين معتمر في العشر الأواخر.
وكان ذلك تحدياً كبيراً قابلته الرئاسة العامة بجنودٍ مجندة من الخدمات من كافة الوكالات، سواء وكالة الخدمات والمشاريع، أو وكالة الشؤون النسائية، أو وكالة التعليم النظامي او غيرها.
بل اللافت، النظافة على مدار 24 ساعة، واستخدام التقنية والذكاء الاصطناعي في تنظيف مئات الأمتار وفي دقائق معدودة، وتنظيف سطح الكعبة المشرفة بمكانس ذاتية الدفع تعظيما لها.
فضلاً عن أجهزة التكييف والسلالم الكهربائية والمصاعد التي تنقلك من دور إلى آخر بسهولة، وكذلك توفير العربات العادية والكهربائية لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، هذا فضلاً عن تقديم ملايين من عبوات مياه زمزم المعبأة، وعبر الترامس والبرادات في مختلف أنحاء المسجد الحرام.
وتضافرت تلك الجهود مع جهود إمارة منطقة مكة المكرمة برعاية صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، وبتنظيم من لجنة السقاية والرفادة في تقديم سُفر الإفطار من أهل الخير من أهالي مكة والجمعيات الخيرية، بل ترى القهوة السعودية والتمور التي تُوزَّع من شباب مكة الذين يسري في دمائهم حب الخير لضيوف الرحمن، وقِيَم التكافل التي تتجلَّى في أبهى صورها لهذا الدين العظيم لتحقيق الألفة والمحبة بين المسلمين، وتشرف على كل ذلك وكالة العلاقات العامة والتواصل المؤسسي.
كما أن تنظيم المصليات الرجالية والنسائية وإدارة الحشود شكَّلت منظومة دقيقة تضمن سلامة المعتمرين وتمنع التكدس منذ الدخول للحرم المكي وحتى الخروج منه ومن كافة البوابات. وإن كانت لي ملاحظة بسيطة، وهي حجز مساحات كبيرة من صحن المطاف - دون طواف أو صلاة -، وكذلك في بعض المصليات النسائية أمام المسعى دون وجود أي مصلين، مما يحرم البعض من التمتع بالصلاة في مواجهة الكعبة.
وحقيقة كان دور المتطوعين في الكشافة وغيرها من إدارة التعليم في مكة والطائف رائداً في تنظيم دخول الحشود، وفي مواقف السيارات، وكذلك المتطوعين من جمعية مراكز الأحياء في مكة، والمتطوعين من وزارة الصحة والهلال الأحمر، مما جعل موسم رمضان لعام ١٤٤٣ من أنجح المواسم.
فإذا أضفنا إلى ذلك خدمات الترجمة لعشرة لغات.. وخدمات السلامة من المخاطر وتوفير الأمن الصحي والبيئي لعلمنا بالجهود الجبارة التي تقوم بها القيادة السعودية ومنذ تأسيسها على يد القائد الباني وإلى يومنا هذا، والتي وضعت جل اهتمامها بالحرمين الشريفين وتقديم كافة التسهيلات لضيوف الرحمن حتى يؤدون شعائرهم براحة وطمأنينة وسلام.
نقلاً عن "المدينة"
