مقدمات لها تاريخ 3

يقولون إن مقدمة الكتاب المدخل الأول لقلب القارئ وعقله.. وأى كاتب، بالطبع، لا يولّى وجهه إلا شطر القارئ.. وقلبه وعقله.. غير أن «السرعة»، التى سرقت «حلاوة» كل شىء، سرقت معها حلاوة الكتب أيضًا، فصارت المقدمات لا تُقرأ.. هذا إن كانت الكتب تُقرأ بالأساس.

لكن «كبارنا» كانوا يهتمون على نحو خاص بالمقدمة، على الرغم من بساطتها وقلة كلماتها، وكانت تحمل معها معانى مهمة وأفكارًا طازجة.

هنا بعض من هذه المقدمات على مدار أيام عيد الفطر المبارك، أعاده الله علينا جميعًا بكل الخير.

أمين الخولى: الخطاب الإسلامى فى حاجة ملحة للتجديد حتى لا يتعرض للخطر

تقرأ على طُرَّة هذا الكتاب أنه كتب على أساس كتابى: «التنبئة بمن يبعثه الله على رأس كل مائة» لجلال الدين السيوطى، و«بغية المقتدين، ومنحة المجدين على تحفة المهتدين» للمراغى الجرجاوى من أهل القرن الحالى، وهما كتابان متكاملان، عرفتهما مما وصل إلينا من كتب عن فكرة التجديد للدين.

وقد بلغت فكرة التجديد للدين إلى حد أن نظمت، كما نظمت متون العلوم. فنظم السيوطى فى ذلك ما سماه تحفة المهتدين فى بيان أسماء المجددين. وقد وضع مع ذلك كتابًا منثورًا هو أول ما أشير إليه هنا واسمه كتاب: «التنبئة بمن يبعثه الله على رأس كل مائة» وهو كتاب مخطوط، منه نسخة فى دار الكتب المصرية.

والسيوطى مات فى أوائل القرن العاشر، بعدما بيَّن المجتهدين إلى عصره، ولكن الفكرة فى تجديد الدين وبعث مجدد على رأس كل مائة ظلت موجودة متناقلة، فجاء من أراد تكملة هذا البيان إلى القرن الرابع عشر الهجرى الحالى، فأكمل منظومة السيوطى السابقة نظمًا بأسماء المجددين، مما بعد عصر السيوطى وشرح منظومة السيوطى، كما شرح منظومته المكملة إلى الآن، وسمى هذين الكتابين «بغية المقتدين ومنحة المجدين على تحفة المهتدين»، وهو مخطوط بخط مؤلفه فى دار الكتب المصرية أيضًا.

فكانت الخطة أن أقدم مخطوط السيوطى المسمى التنبئة، ثم أكمل فيما بعد زمن السيوطى من كتاب المراغى «بغية المقتدين» فأدون بذلك قول القدماء، بعبارتهم، فى فكرة تجديد الدين على رأس كل مائة، ثم أكمل هذه الصورة التاريخية بترجمة من سموهم من المجددين ترجمة تقصد إلى بيان أعمالهم وأفكارهم فى التجديد.

تلك هى خطة كتاب «المجددون فى الإسلام» قصدت إلى إقامة الكتاب عليها لسببين:

أولهما: أن أدع أصحاب هذا التراث المؤمن بالتجديد يتحدثون، هم أنفسهم، عن التجديد الدينى: يصفونه، ويسلسلون روايته، ويعينون أصحاب التجديد على رءوس المئات، خلال الأربعة عشر قرنًا، التى عاشها الإسلام حتى اليوم.

فإذا حدث أصحاب القديم عن التجديد حديثهم الذى ترى نصوصه، وبدأ حديثهم هذا مبكرًا منذ حوالى القرن الثالث الهجرى، لم يبق بعد ذلك مقال لقائل ولا اعتراض لمعترض، ولم تعد فكرة التجديد بدعًا من الأمر يختلف الناس حوله، فتخسر الحياة ضحايا من الأشخاص والأعراض والأوقات، مما ينبغى أن تدخره هذه الحياة، لتفيد منه فى ميادين نشاطها.. ولا تضيع الوقت والجهد فى تلك المهاترات، التى تكثر وتسخف حول كل محاولة جادة لدفع الحياة الدينية أو الحياة الاجتماعية إلى ما لا بد لها منه من سير، وتقدم، وتطور ووفاء بما يجد دائمًا من حاجات الأفراد والجماعات.

وأما السبب الثانى فإحياء نص من هذا التراث، وفاء له وبرًا به، وعرضًا للون من تفكير أصحابه وتناولهم القضايا الحيوية، وتعبيرهم عنها فى تلك العصور على ما ترى فى كتاب السيوطى فى القرن العاشر الهجرى وكتاب المراغى فى القرن الحالى. فذلك كله مادة للتاريخ العام، والتاريخ الحضارى والاجتماعى.

وإذا ما أسس السلف لفكرة التجديد، وسموا رجاله، حق لنا أن نكمل الفكرة فى التجديد ومداه بالنظر فى حياة من سموهم هم مجددى المئات، فنلتمس من عمل الحاكمين منهم، ومن تفكير فيهم ما نرى فيه أضواء يبعثها الماضى، فيضىء بها طريق المستقبل، واتجاه التطور، فتكون الإفادة من هذه الأعمال والأفكار قائمة على أساس متين من اختيار القدماء، وواقع من عمل الذين اعترفوا لهم قديمًا بحق التجديد.

وأهمية هذه التراجم، التى أخذ هذا الكتاب منها اسمه «المجددون فى الإسلام» تقتضى الإشارة إلى خطة هذه التراجم.

فهى ليست الترجمات العادية التى ترسم شخصيات المترجم لهم رسمًا كاملًا، أو رسمًا عامًا تخطيطيًا؛ لأن هذا الصنف من الترجمة تستقل به الفصول الطوال، أو الكتب المفردة. يجمع فيها كل ما تصل بحياة المترجم، وينقد، ويحلل ويستنتج منه.. إلى آخر خطوات المنهج الدقيق فى الترجمة، الذى يجد القارئ بيانه فى كتاب «مالك بن أنس: ترجمة محررة».

أما ترجمة هؤلاء المجددين هنا فيمكن وصفها بأنها ترجمة «تجديدية» فحسب إن كفت هذه الصفحة فى الإشارة إلى ما تعمد إليه الترجمة هنا من تتبع خاص لأعمالهم فى التجديد. فإذا كان المجدد حاكمًا كعمر بن عبدالعزيز، مثلًا، كانت العناية فى ترجمته بالأعمال التى فهم بها الإسلام وفسره، وهى اليوم مما يصحح فهمنا للدين، ويسدد خطانا فى العمل، وإذا كان المجدد عالمًا كالشافعى والغزالى، مثلًا، كانت العناية فى ترجمته بالأفكار والآراء التى أبداها فى فهم الإسلام وتفسيره، وهى اليوم مما يصحح فهمنا للدين. ويسدد خطانا فى التطور الحيوى. وأحسب أننا واجدون فى تصرفات المجددين وتفكيرهم ما لم تصل إليه الحياة اليوم، أو كل ما لم تجرؤ عليه، لأن المقلدين قد ألقوا بجمودهم فى الفهم والتصرف ضبابًا أو ظلامًا أخفى حقيقته، وحجبه عن الأنظار فلم يعرف، ولم يشتهر، إذا عرفه اليوم عارف بدا قوله به غريبًا منا اليوم. ولكنه فى عمل الحاكم المجدد، وفى فكر العالم المجدد لا يمكن أن يلقاه أحد بشىء من هذا الاستغراب أو ما يشبهه.

وعلى هذه الخطة فى الترجمة التجديدية أو الاقتصار على عرض الهام من تجديد المجددين الذين سموهم، عرضت صور جميع من سموهم مجددين، على اتفاق فيهم على رأس كل مائة، أو على اختلاف فى هذه التسمية، فإذا ذكروا غير واحد، على رأس مائة من المئات ترجمت جميع من سموهم، لأن الغاية ليست تعيين المجددين والاتفاق عليهم، بل الهدف من هذا- كما سبق- هو الاطمئنان إلى سلامة فكرة التجديد، والاستفادة من تجديد الذين عرف لهم ذلك. شهروا به، والخير فى أن يكونوا أكثر من واحد.

وعلى ذلك ترجم فى هذا الكتاب، تلك الترجمة الخاصة، كل من عد من المجددين، ولو كانوا أكثر من واحد على رأس مائة من المئات، فبلغ عددهم بذلك بضعة عشر رجلًا، لا أربعة عشر فقط بعدد القرون.

تلك هى الفكرة العامة فى خطة كتاب «المجددون فى الإسلام» من حيث إقامته على أساس من التراث، ومن حيث منهج ترجمة من سموا بالمجددين تلك الترجمة الخاصة، من زاوية بعينها تحقيقًا لغاية معينة.

وإذا استبانت تلك الخطة أمكنت الإشارة إلى الهدف من الكتاب وخطته:

فهذا الهدف هو: تدعيم فكرة التجديد ثم تحديدها وبيانها...

فقد ملك النفس شعور الحياة بالحاجة الماسة الملحة إلى تجديد تطورى يفهم به الإسلام، الذى يقرر لنفسه الخلود والبقاء، فهمًا حيًا، يتخلص من كل ما يعرض هذا البقاء للخطر، ويعوق الخلود إذا ما صح العزم على هذا الفهم الجديد، الذى مضت سنوات فى تقرير أصوله وأسسه درسًا، وتعليمًا، وتدوينًا.

ومن حق الحياة، أن نحرص على سلامة هذا الفهم، وبقائه، ونجاته كذلك من تلك المهاترات التى أشرت سابقًا إلى ما تحدثه من خسائر، تكبدتها الحياة فى كثير من خطوات سيرها، التى لا مفر لها منه ما دامت حياة.

ولا تكون تلك النجاة من المهاترات والسلامة من الخسارات إلا بسكوت من لا يعرف ليرتفع الخلاف، وبتذكير من نسى ممن يستطيع أن يعرف فتنفعه الذكرى.

ومع هاتين الخلتين لا يبقى مكان للمهاترات المتلفة للجهد المبددة للقوى، المعوقة لسير التقدم- والوقت لا ينتظر.

وفى ذلك التدبير لسلامة الفهم الجديد للدين ونجاته هو تقديم قول القدماء أنفسهم بعباراتهم فى التجديد، بين محاولة الفهم الجديد.

وبذلك يكون كتاب «المجددون فى الإسلام» طليعة لكتاب آخر هو «تجديد الدين» فهو يطرق بين يديه، ويمهد، ويعد النفوس، ويذلل العقبات إن شاء الله.

ذلك هو الهدف من هذا الكتاب. والله الموفق. والسلام على من اتبع الهدى.

حسين أحمد أمين: علماء الإسلام مطالبون بتنقية التراث الدينى من الشوائب

فى قديم الزمان، كان البحارة متى أحدقت بسفينتهم المتاعب، وأسقط فى يد الربان إذ يرى اضطراب البحر وصخب الأمواج والريح، هتفوا صائحين: «لا بد أن ثمة جثة قد أخفيت فى أحد صناديق البضائع المشحونة على ظهر السفينة»! ثم إذا بهم يشرعون فى البحث عنها للتخلص منها، مؤمنين بأنها سبب محنتهم، وبأن التخلص منها بإلقائها فى البحر كفيل بأن يرفع عنهم ما حل بهم من بلاء ولعنة.

وقد بدا لى منذ سنوات أن أحذو حذو هؤلاء، وقد عصفت بأقطار العالم الإسلامى الرياح، واضطربت الأمور واختلت الأوضاع، فأبحث عن الجثة المسئولة فى حمولة السفينة. وبالرغم من أن البحث كشف عن عدة جثث لا جثة واحدة، فإن إحداها كانت قد بلغت من الضخامة والتعفن درجة لم تدع عندى مجالًا للشك فى أنها المسئولة الأولى عمَّا أصاب سفينة العالم الإسلامى من نقمة، ألا وهى استعداد أبناء الأمة لتمكين يد الماضى الميتة من أن تقبض على أعناقهم، حاضرهم ومستقبلهم.

كذلك بدا لى أنه على ضوء اتساع المعارف وتقدم العلوم، وتزايد الصلات بين أقطار الدنيا وأتباع الديانات والمذاهب المختلفة، قد أضحى الواجب الأول على علماء المسلمين فى عصرنا هذا، كما على علماء الأديان الأخرى، أن يتصدوا لمهمة بيان الأساسيات والجوهرى من تراثهم الدينى، وتخليصها من كل الشوائب، وما علق بها عبر القرون من إضافات غير أساسية، وغير جوهرية.

إننا نجابه الآن من التحديات الجسيمة التى تهدد كياننا ذاته، والتى تثير التساؤل حول حقنا فى البقاء، ما يجعل من مهمة فصل الجوهرى الخالد الصالح لكل زمان ومكان، عن العرضى الزائل الذى يثقل كاهلنا، ويقيد خطواتنا، ويعمينا عن الطريق، مهمة حيوية، ما لم ننهض بها نكون قد خنا الأمانة، وتنكرنا لواجبنا تجاه ديننا.

أدركت وقتها أن الكثير مما نخاله من الدين هو من نتاج اعتبارات تاريخية واجتماعية معينة، ومن إضافات بشر من حقب متعاقبة، وأنه قد كان من شأن هذه الاعتبارات والإضافات أن أسدلت حجابًا كثيفًا على جوهر الدين وحقائقه الأساسية الخالدة. كما أدركت أن الدين لا ينشأ فى فراغ، وإنما يظهر فى مجتمع معين وزمن معين، فتتلون تعاليمه بالضرورة بظروف ذلك المجتمع ومقتضيات ذلك الزمان وتراعيها، فالدين حقيقة مطلقة وردت فى إطار تاريخى، وظهرت فى بيئة اجتماعية انعكست معالمها عليه، وذلك من أجل أن يلقى القبول. ويحظى بفهم الغالبية، ويضمن الانتشار، ليس هذا فحسب، وإنما يمر الدين بعد ذلك بحقب تاريخية متتالية وينتشر فى مجتمعات متباينة، فيتراكم عليه المزيد مما هو محلى محض، وعارض مؤقت، ناهيك عمَّا يخضع له من تأثيرات أجنبية، حضارية كانت أم دينية، هى غريبة عليه.

وبوسع العالم المؤرخ أن يرد كل هذه التراكمات إلى مصادرها وزمنها، وأن يفرق بين الأصلى والدخيل، بل أن يبين ما كان فى الأصلى نفسه من تعاليم راعت ظروف المجتمع الذى ظهر فيه الدين أول ما ظهر، وظروف العصر، والمستوى الذهنى والروحى والخلقى عند أهله. كما بوسعه أن يثبت أن هذا الدخيل وهذه التراكمات والتعاليم المحلية العارضة، هى من صنع التطور التاريخى، وليست من صميم الدين، ولا صلة له بجوهره. إنه كما يستحيل على المرء أن يحمل الماء إلا فى إناء، أو يحتفظ بعنصر كيميائى غازى إلا أن خلطه بعنصر غريب يحوله إلى أقراص صلبة، فإن الرسالة الدينية بحقائقها العالمية والخالدة لا يمكن إلا أن تبلغ لمجتمع معين فى حقبة تاريخية محددة. وهو ما يجعل من المحتم أن تدفع الرسالة ثمن ذلك فى صورة الدخيل المؤقت، العارض المحلى، غير الجوهرى وغير الأساسى. فلو أن الرسالة الخالدة لم تراع جهاز الاستقبال لدى من تسعى إلى مخاطبته والوصول إليه لضاعت فى الأثير واستحال التقاطها. أما ضمان التقاطها واستقبالها فيقتضى تغليف الرسالة بما ليس من صلبها، وترجمة المحتوى العالمى الخالد إلى لهجة محلية، ومراعاة غلظ الأذهان، وضعف المستوى الثقافى والحضارى والتشبث العنيد بالمفاهيم الموروثة والتقاليد. فإن أصرت الرسالة على أن تحتفظ بنقائها فلا تتلون بالظروف المحلية والتاريخية. ضاعت هدرًا ولم يقبلها أحد. ولو أن الرسالة تلونت عند تبليغها بالمحلى التاريخى.

ثم أصرت بعد ذلك على البقاء على ما هى عليه رغم انتشارها إلى بيئات اجتماعية جديدة، ومرور الحقب التاريخية عليها، وأبت أن تتشكل بظروف تلك البيئات الجديدة، ومقتضيات العصر تلو العصر، لاستحال عليها أن تلبى الاحتياجات الروحية لأهل المجتمعات والعصور الجديدة بنفس الفاعلية، التى لبت بها احتياجات أهل المجتمع والعصر اللذين جاءت الرسالة فيهما. 

ذاك ما توصلت إلى استيعابه وقت الشروع فى كتابة «دليل المسلم الحزين»، وذاك ما واصلت الحديث فيه فى كتاباتى الإسلامية اللاحقة، لا فارق بين هذا وتلك غير بعض الحدة والعنف فى الحديث عن جماعات تتعزز قوتها بمرور الأيام، لم يرضها مدى تمكن الماضى من أنفسنا، وأصرت على أن تكون لهذا الماضى الهيمنة الكاملة على سلوكنا ومعتقداتنا ومقدراتنا، قاصرة حق التفكير على الأموات، وآبية على نفسها وعلى الغير حق التجديد والابتداع.

وقد لامنى البعض على هذا الموقف «بالغ القسوة» من هذه الجماعات، «دون أدنى محاولة لفهم البواعث الكامنة وراء فكرها وسلوكها»، واستشهد بقولة مدام دوستال الشهيرة: «إن فهم كل شىء يؤدى إلى العفو عن كل شىء».

وكنت أجيبه بقولى إننى وإن كنت راغبًا فى فهم البواعث، فلا أنا بالراغب فى العفو، ولا بالمؤمن بضرورته، ولا بالقادر عليه، فكيف يسعنى أن أصفح وأغتفر إذ أرى فريقًا قويًا من متخلفى العقول، يقودهم أفراد من المرتزقة الخبثاء أو من المجانين، يسعى فى نجاح إلى الرجوع بالأمة الإسلامية مئات السنين إلى الوراء، وإلى وأد كل فكر حر، وكل بحث مخلص عن الحقيقة. وكل محاولة جادة لربط أقطارنا المتخلفة بواقع العصر الذى نعيش فيه، ومقتضيات الحياة والسلوك فى القرن العشرين؟ وهل كان من المغتفر يا ترى أن يغفر الناس جرائم النازية أو جرائم التتر، أو جرائم الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان، أو جرائم الولايات المتحدة فى أمريكا اللاتينية وفيتنام، نتيجة «فهم البواعث الكامنة وراء ذلك الفكر أو هذا السلوك»؟.

الاغتفار هنا- فى رأيى- حماقة ترقى إلى مستوى الجريمة، وكذا سكوت مثقفينا وإحجامهم عن التصدى لخطر هذه الجماعات المتطرفة وهم يرونها تعبث بمقدرات أمتنا، وتدفعها إلى الهاوية، وإلى بغض صور الفاشية وأظلمها.

خالد محمد خالد: برهان الإيمان أن تهبوا جميعًا لحماية الإنسان وحماية الحياة

هذا ما أريده تمامًا..

أن أقول للذين يؤمنون بالمسيح، وللذين يؤمنون بمحمد:

برهان إيمانكم إن كنتم صادقين، أن تهبوا اليوم جميعًا لحماية الإنسان.. وحماية الحياة!!

وليس هذا الكتاب تأريخًا للمسيح، ولا تأريخًا للرسول.. فتاريخهما قد بسط بسطًا لا يشجع على التكرار..

وإنما هو تبيان لموقفهما من الإنسان، ومن الحياة أو بتعبير أكثر سدادًا.. موقفهما «مع» الإنسان.. و«مع» الحياة.

لقد أخذنى حنين واعٍ إلى الكتابة عن الرسول، وعن المسيح.. وفى ذات الوقت. كان ينادينى الواجب الذى كرست له، أو أريد- دومًا- أن أكرس له حياتى.. وهو الإسهام فى حماية الإنسان، والحياة، من الكذب.. ومن العجز.. ومن الخوف.

وفى اللحظة التى يعطى فيها وجدان الكاتب إشارة البدء، وجدتنى أكتب هذا الموضوع، تحت هذا العنوان..!

ولم أسأل نفسى، كيف تم هذا اللقاء السعيد بين رغبتى فى أن أكتب عن محمد، وأخيه، ورغبتى فى الكتابة عن الإنسان، والحياة...!

فأنا أكاد أعرف- تمامًا- لماذا جاء محمد.. ولماذا جاء المسيح. 

وأنه فوق أرض فلسطين، شهد التاريخ يومًا، إنسانًا شامخ النفس، مستقيم الضمير، بلغ الإنسان فى تقديره، الغاية التى جعلته ينعت نفسه بـ«ابن الإنسان».. وابن الإنسان هذا، ذو العبير الإلهى.. تتركنا كلماته، ويتركنا سلوكه.. ندرك إدراكًا وثيقًا، الغرض العظيم الذى كابد تحقيقه، ألا وهو: إنهاض الإنسان، وإزهار الحياة.

ومن بعده بستمائة عام.. تأخذ الأرض زينتها لتستقبل إنسانًا آخر. ما يكاد يسأل عن أفضل الأعمال وأبقاها، حتى يجيب، بذل السلام للعالم.. وأن تعيشوا- عباد الله- إخوانًا!

ويغار على الإنسان.. حتى إن فؤاده الذكى، ليكاد يتفطر أسى على موبقاته.. ويتفجر أملًا فى مستقبله، وثقة فى قدراته.

أيها الإنسان..

لماذا تسجد للأصنام..؟ ولو كان ثمة من يسجد له غير الله.. لكنت وحدك ذلك المعبود...!

ولماذا تذل للسادة والأعلين.. وأنت هنا، وفى هذه الأرض، خليفة الله..! ويا أيها الناس.. لماذا تعيشون طبقات.. وقد خلقكم الله سواسية كأسنان المشط، ولم يجعل لابن البيضاء على ابن السوداء فضلًا إلا بالعمل والتقوى. 

ويحب الحياة حب عاشق عظيم.. فيستقبلها عند صبح النهار، وممساه.. وفى ناشئة الليل وأخراه.. ويعانقها فى الزرع الطالع وفى المطر الهاطل.

وبعد، فعلى الصفحات المقبلة، سنلتقى بفيض من اللفتات الذكية، والتوجيهات السديدة التى نحت عن الإنسان كثيرًا من مثبطاته. وسنبصر فى ضياء اللمسات الرفيعة الهادية، جميع الجلال الذى أراده للإنسان وللحياة، محمد، والمسيح.

ومن سلوكهما هذا، وتوجيهاتهما تلك، سيأخذ ولاء المؤمنين بالإنسان وبالحياة، زادًا باقيًا.

وحسبنا هذا، حين نذكرهما فى مقام التأريخ والتمجيد.. وفى مقام القدوة والتأسى.

تاريخ الخبر: 2022-05-05 00:21:15
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 68%

آخر الأخبار حول العالم

لطيفة رأفت أمام قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-13 21:26:04
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 61%

العثور على باندا عملاقة نادرة في شمال غرب الصين

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-13 21:25:55
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 57%

لطيفة رأفت أمام قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-13 21:26:10
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 61%

العثور على باندا عملاقة نادرة في شمال غرب الصين

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-13 21:25:50
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية