كيف تعيش الأسرة داخل الجدران المثقوبة
كيف تعيش الأسرة داخل الجدران المثقوبة
الجدران السميكة العالية تحجب الرؤية, وتمنع وصول الصوت, والأبواب المغلقة التي نحرص دائما علي التأكد من أنها مغلقة, تمنع الآخرين من أن يعرفوا ما يدور خلفها.
وتحرص كل أسرة علي أن تجد منزلا مستقلا تعيش فيه وحدها, تمارس حريتها وتجد راحتها واكتفاءها بعيدا عن عيون الناس.
وتتمني كل عروس أن تستقل بعش هادئ سعيد, لا يشاركها فيه أحد, ولا تترصدها العيون, تحصي عليها حركاتها وسكناتها وكل ما تفعل.. إنها تريد أن تنطلق, لا تتلصص عليها عيون حماة أو أحد من الأقارب.. والرجل.. كل رجل يحب أن يكون رجل البيت, يعيش متحررا من القيود, ولا يطيق عيون الغرباء والأقارب تشاركه سكنه وتقيد من حريته.
حتي الطفل الصغير الذي لا يفهم معاني الحياة, ولا حقائق ما يدور حوله نعلمه منذ الصغر أن يمتنع عن ذكر ما يحدث في البيت بين أفراد الأسرة, أمام أحد مهما كانت درجة قرابته أو صداقته, لأن كل ما يحدث في البيت سر مقدس لا يجوز إفشاؤه.
والحياة والمنازل والأسر مليئة بالأسرار العديدة التي نحرص علي إخفائها عن عيون الآخرين. ونكره عيون الفضوليين الذين يحبون أن يدسوا أنوفهم ليعرفوا أسرار الناس ويتحدثوا بها ويتباهوا بما عرفوا من أسرار.
ولكن هذه القواعد المعروفة والراسخة ننساها أو نتناساها تماما حينما نندمج في الأحاديث والثرثرة مع الأصدقاء. وتبدأ المتاعب والمشكلات, وتتوالي وهي كثير من الأحيان ينتهي الأمر بانهيار صرح أسرة كانت تعيش سعيدة آمنة.
فقد اضطر أحد الأزواج الي أن يخرج من وعيه في يوم من الأيام ويطرد زوجته من بيته في ساعة متأخرة من الليل بعد سهرة مع مجموعة من صديقاتها لم يستطع أن يهدأ أو يناقش الأمر مع زوجته أو يتحمل ما حدث.
يقول الزوج.. فوجئت وأنا أجلس مع صديقاتها بواحدة تسألني لماذا أصر علي أن أستحم الساعة الثانية عشرة ظهرا يوم الجمعة فأذا تأخر موعد الحمام ثرت وقلبت الأمور في البيت رأسا علي عقب. ولم أستطع أن أرد.. لقد فوجئت تماما من أين تدري هذه الصديقة بأنني أفعل ذلك. وأسرع زوجها بعد أن شعر بالإحراج الذي تسببت فيه زوجته, يقول.. لكل رجل طباعه يا سميحة, وكل رجل يحرص علي أن يفعل أشياء في أوقات معينة, دون أن يدري لذلك سببا.
وأسرعت زوجتي تقول, ولكنك أنت مثلا لا تفعل مثل زوجي, ونظرت إليها مستنكرا ما لها هي وما يفعله زوجي, ونظرت إليها مستنكرا ما لها هي وما يفعله زوج سميحة؟ وابتسمت سميحة وهي تقول علي كل حال أنت تعرفين تماما ما يضايقني في زوجي, ولا يغرك أنه في هذه الناحية بالذات متهاون لا يتمسك بالمواعيد ودارت رأسي وأنا لا أستطيع أن أتابع ما يجري حولي تماما. امتدت الجلسة أكثر من ساعتين كل زوجة تضيف أسرارا جديدة إلي الأسرار التي سبق أن همست بها في آذان صديقاتها عن زوجها. ويعلو الضحك والابتسام والغمز واللمز, وانبري الأزواج هم أيضا يتحدثون عن أدق الأسرارالتي تدور بينهم وبين زوجاتهم, وأنا صامت خجلا مما أسمع.
شعرت بأنني أصبحت عاريا تماما لا يغطيني شيء أمام عيون تتفحص عيوب جسمي كلها ونواحي ضعفي ونواحي قوتي, شعرت بأنني يجب أن أهرب.. أهرب بعيدا لأختبئ عن العيون المفتوحة الكثيرة التي تلتهمني دون رحمة أو هوادة.
وانتهت الجلسة السخيفة بعد أن فاض بي الكيل ولم أعد أحتمل, وشعر الجميع بأني غاضب فانصرف كل واحد إلي سبيله.
ولم أستطع أن أصبر أكثر من ذلك, انطلقت كالقذيفة أسب زوجتي بأقذع الألفاظ وأشير إلي باب البيت أطلب منها أن تغادره إلي غير رجعة. كانت تنظر إلي في بلاهة, تستغرب ثورتي التي لا حد لها ولا سبب معقول لحدوثها.
وخرجت الزوجة, خرجت بعد أن أصر الزوج علي ذلك. وهي تعتقد أن من حقها أن يكون لها صديقات, وأن يتحدث وتثرثر معن, ومن حقها أيضا أن تجد من تفتح له صدرها, لتبوح بمتاعبها ومشكلاتها وما يضايقها في حياتها مع زوجها وداخل أسرتها, إنها إن كتمت كل ما يؤلمها, فلابد أن تصاب بمرض قد يدعوها إلي أن تنفجر في يوم من الأيام. إن التحدث عن المتاعب نوع من التخفيف والعلاج النفسي بلطف ويخفف من المشكلات.
أما الزوج, فقد شعر بأنه أصبح يعيش في العراء.. في الشارع.. مكشوفا لكل العيون تنهش فيه, لم تترك له فرصة لتكون له أبعاد داخلية تحدد معالم شخصيته, وفقدت حياته خصائصها الحيوية.
ولا يمكن أن نتهم الزوجة وحدها بأنها هي التي تثرثر بأسرار بيتها ونقائص زوجها.
فهناك كثير من الرحال يفعلون نفس الشيء ويجدون لذة في إحساس الآخرين بمدي الظلم أو الشقاء أو المتاعب التي يعانونها من الزوجة والحياة الزوجية.
إنه عيب مشترك.. عيب قبيح ويتسبب في كثير من الأحيان في هدم منازل وأسر سعيدة. إن كل أسرة يجب أن تكون وحدة متكاملة, لا مكان عندها لغريب يتطفل علي حياتها, يجب أن تكون لها أسرارها وحياتها الخاصة ومتاعبها أيضا, التي تحرص علي إخفائها عن عيون الآخرين.
أما الصداقة الحقة فهي التي تربط بين الأصدقاء, بين ما يحبون وما يكرهون, بين طموحهم وأمانيهم, وتبتعد تماما عن أسرار الحياة الخاصة.