كتب السيناريو والحوار والقصص لأفلامه، كما أنتج وأخرج بالإضافة إلي التمثيل في البعض الآخر منها، عمل في بداية حياته العملية مندوبا للإعلانات في إحدى الجرائد المصرية. إنه الفنان أنور وجدي والذي تحل اليوم الذكري الـــ 67 لغيابه عن دنيانا، بأحد مستشفيات العاصمة السويدية استوكهولم، ولم يكمل عامه الواحد والخمسين من عمره.

يعد الفنان أنور وجدي أحد رواد السينما المصرية ومن كبار صناعها منذ بداية أربعينيات القرن العشرين وحتى رحيله في منتصف الخمسينيات. شارك في العديد من الأفلام التي سجلت انطلاقة السينما المصرية، كما اشتهر بأدوار الفتى الأول حتى أطلق عليه لقب "فتى السينما الأول". 

ولم تقتصر أدواره على هذا فحسب، فهو واحد ممن ساهموا في صناعة وتطوير السينما المصرية، وقدم لها العشرات من الأفلام الشهيرة والناجحة، فقد كان الفنان أنور وجدي فنانا شاملا، ممثل ومخرج ومؤلف ومنتج ومكتشف للنجوم ومن بينها الطفلة المعجزة “فيروز”، واشترك في ستة أفلام من قائمة أفضل مائة فيلم مصري خلال القرن المنصرم. وهي أفلام: “العزيمة” سنة 1932، فيلم “غزل البنات” سنة 1949 ، فيلم “ريا وسكينة” سنة 1953 ، فيلم “أمير الإنتقام” سنة 1950، فيلم “الوحش” سنة 1954، فيلم “غرام وانتقام” سنة 1944. وكان بطلا لأربعة أفلام منها وتعامل مع مجموعة من أهم مخرجين تلك الفترة، ومن بينهم، أحمد جلال، أحمد سالم، توجو مزراحي، وأحمد بدرخان.

كيف استغل أنور وجدي زفافه على ليلى مراد؟

يذكر الكاتب الروائي مكاوي سعيد، في كتابه “القاهرة وما فيها”، أن الكاتب “عبد الله الطوخي” كان قد زار الفنان أنور وجدي: استهواه التمثيل وعوالمه السحرية. وكانت له محاولات بسيطة وأحلام كثيرة في طفولته، لذا عندما ترك مسقط رأسه المنصورة إلى القاهرة ليلتحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، انطلقت موهبته ونمت أحلامه، بدأ محاولاته في الكتابة، وانخرط في المجال السياسي.

 وكان أنور وجدي قد قرر تحقيق حلمه الأثير بأن يصير ممثلا، قبل أن يصبح كاتبا كبيرا وشهيرا. وكان الوقت آنذاك منتصف عام ١٩٤٧، وكان النجم الذي يأخذ الألباب والقادر علي مساعدته في العبور إلي حلمه هو الممثل والمخرج والمنتج الشهير “أنور وجدي”، الذي كان قد تزوج مؤخرا بنجمة الغناء والسينما “ليلي مراد”، أثناء مشاركتها في فيلم “ليلي بنت الفقراء” عام ١٩٤٥، وكعادة أنور وجدي في إطلاق الصيحات والدعايات التي تروج تجاريا للأعمال التي ينتجها، فاتحها في الزواج، وصرح بذلك في كل وسائل الإعلام، وبذكائه التجاري قرر أن يكون مشهد الزفاف في الفيلم هو نفسه مشهد الزفاف الحقيقي بينهما، وأعلن ذلك للجماهير ليصبح هذا المشهد أعلي نسبة مشاهدة في السينما العربية ساعتها.    

قرر الكاتب “عبد الله الطوخي” زيارة أنور وجدي في بيته دون سابق معرفة بينهما، أو وساطة، أو موعد سابق. ويصف عبد الله الطوخي في مذكراته أجواء زيارته للفنان أنور وجدي قائلا: "وجدت أن أنسب اللحظات لذهابي إليه هي فترة ما بعد انقضاء القيلولة، يكون قد صحا من تعسيلة ما بعد الغداء، ومزاجه طاب.

ارتديت أحسن ما عندي، ولم تكن بدولابي مرآة طويلة أري فيها منظري بالكامل، وكنت أعرف نفسي جيدا. اه لو كانت قامتي أطول شبرا، شبرا واحدا لا أكثر، تلك نقطة الضعف الوحيدة. ولكن تذكر يا أستاذ أنور وجدي أن ممثلا عظيما مثل “ميكي روني” ليس  أطول مني قامة، أنت سيد العارفين، المهم هي الموهبة، ليس شرطا أن يكون الممثل ساحرا للنساء، بل من الممكن أن يكون غاية في القبح ومع ذلك يسيطر ويهيمن علي الشاشة. ثم خرجت إلي المهمة التاريخية، ووصلت بسرعة أمام عمارة الإيموبيليا بشارع شريف.

ويتابع الكاتب “عبد الله الطوخي” عن زيارته المفاجئة للفنان أنور وجدي: كان الهدوء الشامل يشمل المدخل، سألت البواب فأخبرني بالطابق ورقم الشقة. ثم أشار لي علي المصعد الكهربائي، لم أنتظر طويلا بعد أن ضغطت علي جرس الباب، ثوان وفتح الباب، وأطل منه نجم النجوم. كان يرتدي بيجامة حريرية لامعة وقانية الحمرة، وفي قدميه شبشب خفيف أسود، وخصلة أو خصلتان من شعره السائح ملقاة علي جبينه.

فتح الباب نصف فتحة، وتفرسني جيدا قائلا: “إنت مين؟”، لم يقلها بلسانه بل بعينيه. سلمت عليه فرد بحيادية “عليكم السلام”، ثم خفت صوته “أهلا وسهلا”، أسرعت بالقول: “أنا آسف جدا إني جيت من غير ميعاد، لكن مش هاخد من وقت حضرتك كتير”، وتوقعت أن يشير لي بالدخول وهو يقول: “اتفضل”، إلا أنه ظل ثابتا علي وقفته بالباب الموارب، تذكرت أني لم أقدم له نفسي فقدمتها وأضفت: “إمبارح شفت حضرتك قدام سينما كايرو عشان افتتاح الفيلم الجديد، وكان نفسي أسلم عليك بس ده كان مستحيل من شدة الزحام، قلت آجي لحضرتك البيت”.

فوجئت بعينيه تتسعان دهشة، ورأسه يروح ويجىء بنفس طريقته في الأفلام قائلا بدهشة: “يا سلام بقي كده !” اعتقدت أنه مبسوط فزادت حماستي، وقلت من أعماقي مخرجا حلم حياتي: أصلي بحب التمثيل جدا وياريت …" ولم أكمل فقد لمحت من خلال فتحة الباب الصغيرة طيف امرأة تتهادي في ظلال الصالة مقبلة علينا. وسرعان ما تبينت أنها ليلي مراد، مطربة صباي وشبابي، ما أروع هذا يا إلهي، كانت مرتدية روبا من القطيقة سماوي اللون، محبوكا علي جسمها، ولمحتها وهي تربط الحزام بسرعة حول وسطها، مما خمنت معه أنها لم ترتد هذا الروب إلا الآن.      

ويختتم “عبد الله الطوخي”: امتلأت خجلا وارتباكا، أدركت أني أخطأت تقدير اللحظة، وأضعت حلمي بحماقتي وإذا بأنور وجدي وقد أدرك تعاستي يخاطبني بحماس: وقد عاودته ابتسامته الساحرة: شوف يا عزيزي، ما دمت بتحب التمثيل للدرجة دي، أنا حاقولك تعمل إيه، عارف قاسم وجدي الريجيسير؟ قلت بحماس: طبعا عارفه، أكمل بمحبة: "عظيم تروحله مكتبه في شارع جلال، خمسة مساء كل يوم بيبقي موجود، تقابله وتقوله إنك جاي من طرفي، وهو حيشوف المناسب ليك إيه وحيعمله، حلو كده؟. مددت له يدي شاكرا وقلت له وأنا أهز كفه بمحبة: أنا شاكر جدا، وآسف علي الإزعاج .. سلام عليكم.