لحن القيامة.. طون سينا


البعد الطقسي للحن:

إن دورة القيامة هي طقس قديم جداُ كتبت عنه جميع المخطوطات القديمة أمثال “دلال باريس” و “دلال لندن” و “دلال أنبا شنودة” و”دلال حارة زويلة” و “دلال المعلقة” ومخطوط “ترتيب البيعة” وكتاب “الجوهرة النفيسة” لأبن سباع، وكتاب “مصباح الظلمة” لأبن كبر.

وفكرة الدورة أو الزفة في الكنيسة القبطية، هي في حد ذاتها فكرة روحية عبقرية تحمل بين أطيافها الكثير من المعاني الروحية، كما أن لها تأثيرات عديدة على النفس والجسد والروح.

ففي دورة القيامة هذه التي تبدأ بلحن “خريستوس آنيستي” بلحن مبهج نشيط طويل يُستخدم فيه الناقوس والمثلث، ثم تُعاد نفس الكلمات بلحن آخر بطيء لكنه قصير وبدون ناقوس ومثلث. ثم من هنا يبدأ الترنيم بلحن “طون سينا”. وفي هذه الدورة يحمل الشمامسة الصلبان والشموع وأيقونة القيامة، ويحمل الكهنة المجامر يتصاعد منها البخور ويرتلون هذه الألحان التي تختتم بلحن “بخريستوس أفطونف” وهو لحن قبطيِّ كلماته هي بعينها كلمات “خريستوس آنيستي” ولكن باللغة القبطية وبلحن مختلف جميل طويل يُستخدم فيه الناقوس والمثلث.

إن دورة القيامة تُحدث بهجة غريبة في الكنيسة، قال عنها الموسيقار الراحل “محمد نوح” أنها تُحدث حالة تسمى ال “Stereophonic” والتي يحاول العلم والتكنولوجيا الحديثة الوصول إليها بأجهزة ال Stereo ومن خلال نقل الصوت من خلال سماعات كثيرة يتحرك من خلالها الصوت من سماعة لاخرى. (أشبه بال Home Theatre “. فالكنيسة القبطية هي التي ألهمت علماء الهندسة الصوتية بفكرة ال Stereophonic . فالشعب واقفُ ثابتُ في مكانه، والشمامشة يرتلون وهم يتحركون حوله من كل جهة. وبالرغم من أن لحن “طون سينا” لا يُستخدم فيه الناقوس والمثلث، إلا أن حالة البهجة التي تُحدثها نظرية ال Stereophonic هذه، تستعوض حالة البهجة المفقودة بغياب الناقوس والمثلث في هذا اللحن.

البعد التاريخي للحن:

كان قداسة البابا البطريرك “كيرلس الرابع (1854- 1861) والمُلقب بأبو الإصلاح، قد نفل عن الكنيسة اليونانية إثنى عشر لحناً، ومن بين هذه الألحان الإثنى عشر، أربعة ألحان تقال في القيامة في الكنيسة القبطية، من أشهرها هذا اللحن الخفيف الظل “طون سينا” الذي يقال في دورة عيد القيامة، وهو مأخوذ من طروبارية كانت تقال باللحن الخامس في الكنيسة اليونانية، وتم نقل نصها وفكرة لحنها، بحيث تم تقبيط وتمصير لحنها ليصبح له الطابع القبطي الأصيل، رغم تشابهه مع اللحن اليوناني الأصلي في أسلوب الصياغة وليس في الأبعاد المقامية ولا في طريقة الأداء.

ومما لا شك فيه أن كلمات اللحن اليونانية الأصل تاريخها يرجع الى ما قبل عهد البابا كيرلس الرابع بكثير، وإن كان اللحن اليوناني يرجع الى وقت مشابه إلا أن اللحن بالطريقة التي يرنم بها الآن فهو يرجع إلى عهد قداسة البابا كيرلس الرابع أي ما يقرب من قرنين من الزمان.

البعد الروحي للحن:

إن ترجمة كلمات اللحن بالعربية هي:

“نسبح نحن المؤمنين ونسجد للكلمة، المساوي للآب والروح القدس في الأزلية، المولود من العذراء لأجل خلاصنا. لأنه ُسر أن يصعد بالجسد على الصليب،

ويحتمل الموت. ويُقيم الموتى بقيامته المجيدة”.

فاللحن يجيب على سؤال مهم، لماذا نسبح ونسجد نحن المؤمنين؟ والإجابة في اللحن:

“لأنه سُرّ أن يصعد على الصليب، ويحتمل الموت. ويقيم الموتى بقيامته المجيدة”.

فالتسبيح مصحوباً بالسجود هنا تعبيراً عن الشكر العميق من قلب الإنسان الذي كان يفتقر الى الحياة، ثم بالتجسد بميلاد المسيح من العذراء لأجل خلاصنا وبصعوده على الصليب بالجسد وبإحتماله الموت، نالالإنسان المائت الحياة بالقيامة.

فالتجسد هو اتحاد الحياة التي في المسيح بالانسان الذي يفتقر الي هذه الحياه من بعد سقوطه.

من أجل ذلك يرنم الكاهن في القداس قائلاً:

“والموت الذي دخل الي العالم بحسد ابليس،

هدمته بالظهورالمحيي الذي لابنك الوحيد ..

هذا الذي عساكر الملائكه تمجده ”

لذلك فلحن “طون سينا” هو لحن يربط مابين التجسد والانتصار علي الموت والتسبيح والتمجيد بجملموسيقية بسيطة لكنها جميلة، توضحها احدي عبارات قسمة القيامه التي تقول:

“الذي انعم علينا بنور قيامته من قبل تجسده الطاهر”

وهو ما وضحه أيضاً القديس بولس في رسالته إلى العبرانيين 12 آية 2 إذ كتب يقول:

“نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ، احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ”.

فإذا كان السرور كان سبباً من أجله إحتمل المسيح الصليب، فالكنيسة في لحن “طون سينا” تقول أنهبالأحرى لنا أن:

“نسبح نحن المؤمنين ونسجد للكلمة، المساوي للآب والروح القدس في الأزلية، المولود من العذراء لأجل خلاصنا. لأنه سر أن يصعد بالجسد على الصليب،

ويحتمل الموت. ويُقيم الموتى بقيامتهالمجيدة”.

فالتسبيح هو تعبير عن السرور”أَمَسْرُورٌ أَحَدٌ؟ فَلْيُرَتِّلْ.”(رسالة يعقوب 5 آية 13)

أيضاً التعبير “يحتمل الموت” تعبير قوي مهم في هذا اللحن. فالسيد المسيح قد إجتاز الموت ليميته. لذلك نقول في لحن “خريستوس آنيستي” “بالموت داس الموت” “ثاناتو ثاناتون باتيساس”.

إن “داود الصغير” قتل جليات بسيف جليات. ومن أجل هذا حرصت الكنيسة في بداية ليلة الأبو غالمسيس أن ترنم مزمور “صغيراً كنت في أخوتي” لأنه رمزاً لمن غلب الموت بالموت. لقد غلب الاسد الخارج من سبط يهوذا. لقد إنتصر الرب يسوع علي الصليب و اعلن انتصاره بالقيامة. لذلك في قطع صلاة الساعة التاسعة تقول الكنيسة:

“ابطلت الموت بموتك و اظهرت القيامة بقيامتك
و احييت الميت الذي هو الانسان الذي خلقته بيديك الذي مات بالخطية”

لذلك تطلب منا الكنيسة الحكيمة أن:

“نسبح نحن المؤمنين ونسجد للكلمة، المساوي للآب والروح القدس في الأزلية، المولود من العذراء لأجل خلاصنا. لأنه سر أن يصعد بالجسد على الصليب،

ويحتمل الموت. ويُقيم الموتى بقيامته المجيدة”.

نسبح نحن المؤمنين، لأن القيامة هي النهضة في حياتنا الشخصية. إذ يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل أفسس 5 آية 14:

“اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ”

القيامة هي القوة الدافعة المحركة للتوبة. فالقيامة باليونانية هي “ستاسيس” معناها “يقف ثانية” وهذا ما تنبأ به ميخا النبي:

“لاَ تَشْمَتِي بِي يَا عَدُوَّتِي، إِذَا سَقَطْتُ أَقُومُ. إِذَا جَلَسْتُ فِي الظُّلْمَةِ فَالرَّبُّ نُورٌ لِي”.

فلنتعلم يا إخوتي أن القيامة هي علامة سرور نتغنى بها ونرتل ونسبح نحن المؤمنين للقائم من بين الأموات الذي أقامنا معه. وأنها دعوة مستمرة للتوبة وللقيام من موت الخطية حتى أنني لو جلست في الظلمة فالرب يكون هو نوري وخلاصي، وإذا سقطت اقوم بقوة القيامة وبقوة القائم من الأموات الذي بالموت داس الموت:

“لأَنَّ الصِّدِّيقَ يَسْقُطُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيَقُومُ” (أمثال 24 آية 16)

استمتع مع رابط لحن طون سينا:

تاريخ الخبر: 2022-05-14 12:21:36
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 59%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

بتهم ارتكــاب جرائم إبادة جماعية

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:40
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 60%

السعودية تنشئ مركزاً عالمياً متخصصاً في الفضاء - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:33
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 58%

الجلاجل: إجراءات استباقية لمواجهة تحديات المستقبل - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:34
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 58%

75.3 مليار ريال نموا بإيرادات السعودية للكهرباء السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:42
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 51%

هضبة تكنوبول قسنطينة: نحو استحداث ركن خاص بتمويل المؤسسات الناشئة

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:34
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 52%

400 فرصة لتطوير القطاع اللوجستي بالشرقية السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:44
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 65%

أزيلال.. فاعلون إسبان وإيطاليون يكتشفون الإمكانيات السياحية للجهة

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:25:30
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية