تتزايد الجرائم العنصرية المسلحة في أمريكا عنفاً وتأخذ أشكالاً أكثر تطرفاً وسط استخفاف من بعض المسؤولين بخاصة من الحزب الجمهوري، واستمرار لسياسات بيع الأسلحة التي يكفلها الدستور الأمريكي لجميع الأفراد.

أمس السبت ارتكب شاب أبيض (18 عاماً) مجزرة في حي بوفالو شمال نيويورك، حينما فتح النار عشوائياً في أحد المتاجر، ما أسفر عن مقتل 10 أشخاص على الأقل، معظمهم أمريكيون من أصول إفريقية.

لم يكن مرتكب الجريمة متردداً، لقد استعد جيداً بارتداء زي عسكري وسترة واقية من الرصاص، وبثّ جريمته بفخر عبر الإنترنت.

عام 2017 بلغ عدد البنادق في الولايات المتحدة نحو 393 مليون بندقية، أي أكثر من عدد السكان وفق بيانات برنامج "مراقبة الأسلحة".

وقد تسببت الأسلحة النارية في مقتل نحو 45 ألف شخص في الولايات المتحدة عام 2021، من بينها نحو 24 ألف حالة انتحار، حسب منظمة "غان فايولنس أركايف".

كيف يدعم مسؤولون أمريكيون حيازة الأسلحة؟

رغم خطورة الأمر المتزايدة يدعم بعض المسؤولين الأمريكيين بخاصة من الحزب الجمهوري قوانين تسليح الأفراد، وأحياناً يكتسب ذلك الدعم أشكالاً فجة.

ففي ديسمبر/كانون الأول العام الماضي نشر عضو الكونغرس الأمريكي الجمهوري توماس ماسي صورة مثيرة للجدل على صفحته الخاصة بتويتر، يظهر فيها مع عائلته بجانب شجرة عيد الميلاد وهم يحملون بنادق رشاشة أوتوماتيكية. مرفقاً إياها بعبارة: "عيد ميلاد سعيد!، نطلب من سانتا (بابا نويل) إحضار الذخيرة".

لاحقاً حينما أثارت الصورة انتقادات حادة برّرها السيناتور الجمهوري بأنه وجدها "صورة مرحة يمكن نشرها في عيد الميلاد".

ودافع عن حيازة السلاح قائلاً: "إنه مجرد تقليد متوارث لحيازة الأسلحة واستخدامها في جميع المناسبات، لا يقتصر ذلك فقط على الصيد مثلاً، بل تصلح لكل الأوقات"، وفق صحيفة "بيزنس إنسايدر".

هذا ودعماً لزميلها الذي لقي انتقادات بخصوص الصورة المذكورة نشرت عضوة الكونغرس الجمهورية لورين بوبارت صورة مشابهة لها برفقة أبنائها الأربعة وهم مدججون بالسلاح بجانب شجرة عيد الميلاد. وقالت: "عائلة بوبارت تحمي ظهرك يا توماس ماسي! لكن لن نترك لك أي ذخيرة!".


فيما لاقت الصورتان ردود فعل منتقدة، على رأسها فريد جوتنبرج، أبو المراهقة خايمي جوتنبرج التي راحت ضحية إطلاق نار في ثانوية في باركلاند بولاية فلوريدا سنة 2018، الذي قال في تغريدة: "بما أننا نشارك الصور العائلية، ها هي صوري: إحداها هي آخر صورة التقطتها لخايمي، والأخرى هي مكان دفنها بسبب حادث إطلاق النار في مدرسة باركلاند". ووصف مغردون آخرون الصورة بـ"الإرهاب المحلي".


وغرَّدت الصحفية الفلسطينية المقيمة بأمريكا سمر جراح بدورها قائلة: "‏هذه عضوة الكونغرس الجاهلة التي نكتت نكتاً عنصرية نمطية عن ارتباط حجاب زميلتها إلهان عمر بالقنابل والإرهاب. هذه صورتها بمناسبة عيد السيد المسيح عليه السلام. أشك أنها تعرف أي شيء عنه. ذكرتني ببعض تلاميذي في الجامعة. معظمهم ظن أنه مولود في إيطاليا".


وعلقت عضوة الكونغرس الديموقراطية ألكسندريا أوكاسيو كورتيس عن الأمر مستنكرة: "لا أذكر متى أوصى المسيح بأن يكون تخليد ذكرى ميلاده عبر التباهي بالأسلحة!". وأضافت: "إنه لمن المثير للسخرية أن يمضي الجمهوريون سنوات في هستيريا خطر محو قيم أعياد الميلاد وها هم يفعلون ذلك بأنفسهم".

اللافت أنه قبل أيام قليلة من نشر الصورتين وقع إطلاق نار داخل مدرسة ثانوية في ريف أكسفورد بولاية ميشيغن راح ضحيته أربعة قتلى وأصيب ثمانية أشخاص من بينهم مدرِّس بجروح متفاوتة الخطورة.

ما يعيد طرح قضية شرعنة تجارة السلاح وتملكّه في الولايات المتحدة، التي يعارض استمرارها التقدميون لكن اليمين المحافظ يتشبث بها بقوة.

من يتشبث بتجارة السلاح؟

يشرع دستور الولايات المتحدة تملُّك السلاح للمواطنين البالغين، بينما في السنوات الأخيرة ومع تزايد حوادث إطلاق النار العشوائية، بخاصة بالمدارس، تنامت رغبة داخل قطاع كبير من الأمريكيين بضرورة وضع حد لتهديد السلاح المنتشر من دون أي رقابة.

هذا وحمل الحزب الديمقراطي وتياره التقدمي على وجه الخصوص على عاتقه الترافع حول هذه القضية والدفع بإقرار سياسات تقنين تجارة السلاح. وكان الرئيس جو بايدن وعد خلال حملته الانتخابية بإصدار تشريع حازم لتشديد إجراءات بيع السلاح، وحظر جميع مبيعاته عبر الإنترنت كما حظر تصنيع الأسلحة الهجومية وبيعها.

هذا وأمر البيت الأبيض شهر مارس/آذار عام 2021 مجلس الشيوخ بتشريع قانون يشدد إجراءات تجارة السلاح.

هذا القانون الذي يصطدم بعقبة سياسية حقيقية، إذ يحتاج أي إجراء لتقنين الأسلحة إلى 10 أصوات من الجمهوريين في مجلس الشيوخ لتمريره. هذا ما يظل ممتنعاً لتشبث اليمين المحافظ بتلك التجارة.

ويعارض الجمهوريون مشاريع القوانين الهادفة إلى تشديد إجراءات بيع السلاح لأنهم يرون أنها "تحد من حرية الأمريكيين في امتلاك الأسلحة". كذلك لعلاقاتهم الوثيقة بجماعات الضغط التي تعمل لصالح شركات السلاح، وبالخصوص الأموال الطائلة التي تمنحها هذه الجماعات لأعضاء الحزب المحافظ.

على رأسها "الجمعية الوطنية للأسلحة النارية" التي تلعب دوراً كبيراً في عرقلة أي قانون لتشديد إجراءات تجارة الأسلحة، وترى في مشروع القانون الأخير "إجراء غير دستوري لا يليق بالولايات المتحدة الأمريكية وتعارضه بشراسة".

مخاطر انتشار السلاح بالولايات المتحدة

يمثل انتشار الأسلحة بالولايات المتحدة تهديداً كبيراً للسلامة العامة، إذ تتزايد سنة تلو الأخرى حوادث إطلاق النار العشوائي واستهداف المدنيين.

سجَّلت البلاد أكثر من 600 إطلاق نار خلال سنة 2020 وحدها، مقارنة بـ419 خلال سنة 2019.

25 من هذه الحوادث أدت إلى قتل جماعي، وحسب إحصائيات مؤسسة "إفري تاون للأبحاث"، فخلال 12 سنة الماضية راح أكثر من 1280 أمريكياً ضحية لحوادث إطلاق نار عشوائي وربعهم كانوا أطفالاً مقابل 973 جريحاً.

وتعد المدارس أحد الأماكن الأبرز لحدوث عمليات إطلاق النار العشوائي، ففي سنة 2021 جرى رصد 29 إطلاق نار داخل المدارس راح ضحيتها على الأقل 11 شخصاً وجرح 48. وبشكل عام سجل حتى الآن في الولايات المتحدة 138 حادث إطلاق نار في الأوساط المدرسية من بينها 26 أدت إلى قتيل أو قتيلين في كل مرة.

وعموماً تشهد الولايات المتحدة بشكل شبه يومي عمليات إطلاق نار وقتل في أماكن عامة، بينما سجلت عدد من المدن الكبرى مثل نيويورك وشيكاغو وميامي وسان فرانسيسكو زيادة في الجرائم المسلحة، خصوصاً منذ بدء جائحة كورونا، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.

TRT عربي