نعت حسابات موالية للنظام السوري، على منصات التواصل الاجتماعي صباح الأحد، زهير شاليش، الشهير باسم "ذو الهمة شاليش"، ضابط المخابرات البارز ابن عمّة رئيس النظام بشار الأسد، عن عمر ناهز 70 عاماً.

وذكرت الحسابات ذاتها أن شاليش توُفّي مساء السبت في مشفى الرازي بدمشق، وشُيّع الأحد، في مسقط رأسه ببلدة القرداحة بريف اللاذقية على الساحل السوري.

وشاليش من مواليد عام 1956، تولّى سلسلة من المناصب الرفيعة حتى عام 2019، بالتزامن مع أنباء عن إعفائه من جميع مهامه بسبب قضايا اختلاس، كما استهدف شاليش بالعقوبات الأوروبية والأمريكية التي فُرضت على النظام السوري.

بدأ شاليش مسيرته بالعمل مع رفعت الأسد، شقيق رئيس النظام السابق، قبل أن يتحول لصالح شقيقه حافظ، إثر الخلاف بين الشقيقين في ثمانينيات القرن الماضي، إذ منحه حافظ الأسد ميزات مالية لا يمكن منحها بقوانين الدولة، فسمح له استثناءً بأن يكون أهمّ متعهد طرق وغيرها في سوريا، ليكون مصدر الصرف على موكب حماية رئيس النظام.

ووفق المعلومات المتداولة عن زهير شاليش، كان مسؤول المخابرات الخارجية السورية، ويُتهم بتأدية دور بارز في قمع الاحتجاجات المناهضة لرئيس النظام بشار الأسد خلال المراحل الأولى من الثورة، ولأنه كان ممولاً رئيسياً ومنظّماً لمليشيات النظام.

ويمتلك ذو الهمة شركة SES International، التي تنشط في قطاعي البناء واستيراد السيارات، وهو أيضاً شقيق رياض شاليش مدير شركة الإنشاءات الحكومية "مؤسسة الإسكان العسكري"، التي حولها في تسعينيات القرن الماضي إلى شركته الخاصة.

أدى "ذو الهمة شاليش"، دوراً بارزاً في قمع الاحتجاجات المناهضة لرئيس النظام بشار الأسد، ما دفع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى إدراج اسمه، مع عدد من مسؤولي حكومة النظام لدورهم في القمع العنيف للمتظاهرين خلال المراحل الأولى من الثورة، ولكونه كان ممولاً رئيسياً ومنظماً لمليشيات النظام.

وفاة عادية أم تصفية؟

يحيى العريضي، عضو هيئة التفاوض السورية، أكّد لـTRT عربي أن "ما يحكم عمل عصابة الأسد، هو قانون خاص لا علاقة له بالقانون الطبيعي للبشرية، إذ لا شيء محرم، لا رادع ولا ضوابط ولا أعراف، إذ إن العصابة تحتكم إلى ضوابطها وأعرافها وما يكفل استمرارها مهما كان الثمن".

ولا يستبعد العريضي كل الفرضيات والاحتمالات في ضوء تصفية شاليش، مضيفاً أن "ذو الهمة شاليش كان جزءاً عضوياً من المنظومة والنهج الذي اتبعه إجرامياً كان أو بدافع الجشع، ساعده على جمع أموال وممتلكات طائلة من خلال الاستفادة من علاقاته بالنظام".

ويرى العريضي أن النظام قد يستفيد من موت شاليش لسببين اثنين: الأول لكي يبدو كأنه ينفّذ إصلاحات أمام المجتمع الدولي ومن أجل ترويج محاربة الفساد في إطار الخطوات الساعية لإعادة تأهيله، والثاني أنه قد يكون محاولة من النظام للتخلص من رجالاته الذين ارتكبوا جرائم حتى لا يكونوا شهوداً عليه.

وشدّد العريضي على أن "في المنظومة الاستبدادية الحاكمة خللاً، إذ بدأت تصفي بعضها مؤخراً"، إلا أنه أبقى فرضية تصفيته في إطار "التفكير الرغبوي".

من جهته أكّد رجل الأعمال السوري المعارض فراس طلاس (نجل وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس) لـTRT عربي أن وفاة شاليش طبيعية وأن الأخير كان مريضاً منذ فترة.

مؤشرات على التخلص منه

بدوره، رأى الكاتب والباحث السياسي أحمد الحمادي مؤشرات على تَخلُّص النظام من شاليش، من بينها "إسقاط اسم بشار الأسد وشقيقه ماهر من النعوة، إذ إنه من المعروف في النعوات التي ينشرها المقربون من العائلة ذكر الأصول والفروع ودرجة القرابة من عائلة الأسد، بخاصة مع الشخصيات ذات الثقل والمركز السياسي والعسكري لإظهار مكانة المتوفى، وهو ما لم يُذكَر في نعوة شاليش".

وتساءل الحمادي في حديث مع TRT عربي: "في حال كانت وفاته طبيعية، لماذا كل هذا الاستنفار الأمني الكبير وإغلاق الطرق في القرداحة واللاذقية وطرطوس حتى امتداد الريف الحمصي؟!"، مضيفاً أنه "لم يقتصر الاستنفار على القوى الأمنية و العسكرية السورية بل طال القوات الروسية التي نصبت حواجزها في محيط القاعدة الروسية في حميميم والقرى المجاورة لها مثل جنيح وعين شقاق وحميميم مع تحليق للطيران المروحي والمسيَّر الروسي للمتابعة والمراقبة".

كما نوّه الحمادي بوقوع اشتباكات في اللاذقية عقب إعلان وفاة ذو الهمة شاليش، وكان من بين أطرافها أفراد من عائلة شاليش، "بما يؤكد أن الوفاة ليست طبيعية، مرجحاً اغتياله نتيجة عجز النظام مالياً للتغطية على نفقاته كما فعل مع رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد".

أموال شاليش على خطى مخلوف

وعن أموال وممتلكات شاليش قال المحامي والناشط الحقوقي في الثورة السورية عبد الناصر حوشان، إن من يحكم سوريا هم المجرمون واللصوص من عائلة الأسد وأقربائهم وأصهارهم سواء من آل شاليش أو من آل مخلوف، مشيراً إلى أن أولئك مقسَّمون إلى طبقات "أصول وفروع"، وآل شاليش يأتون في المرتبة الثالثة بعد عائلتَي الأسد ومخلوف.

وأضاف حوشان في تصريح لـTRT عربي: "لو ربطنا عملية الاستيلاء على ثروة رامي مخلوف، وموت ذو الهمة شاليش، لوجدنا أن الثروة هي الدافع وراء موته، لا سيما و أن من يقود هذه العملية هي أسماء الأسد عبر رجالها وعصابتها الذين وزّعتهم على مراكز القوة والنفوذ، حيث هي التي تديرها من خلال واجهة "الأمانة السورية للتنمية" التي ترأس مجلس حكمائها والتي سيطرت على حركة أي مال أو دعم يدخل أو يخرج من سوريا، إغاثياً كان أو إنسانياً أو تجارياً".

وتابع حوشان: "لذلك لا يُستبعد أن يكون قد صفّته هذه العصابة التي يشهد لها العالم بالخبرة والتفوّق في هذا المجال، إذ إنه بعد وفاته ستسقط العقوبات الدولية عنه لأنها عقوبات شخصية، وبالتالي ستنتقل ثروته إلى بشار الأسد من خلال ورثته".

من جهته قال الكاتب السياسي والباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان، إنه "لا تتوافر معلومات دقيقة حول أسباب موت شاليش، إلا أن ذلك لا ينفي كون النظام تَحوَّل إلى عصابات مافيا، والأخيرة تدور فيما بينها صراعات حول النفوذ والسلطة والمال، وقد يكون موته جزءاً من تلك العملية، لكن ذلك ليس بالضرورة".

وأضاف علوان في تصريح لـTRT عربي: "يمتلك شاليش حجماً كبيراً من المعلومات، وهو جزء من منظومة فساد كبيرة يُعاد الآن تشكيلها في إطار إعادة توزيع المال والسلطة بناءً على الواقع الجديد".

شاليش والعقوبات الغربية

سيطر شاليش على مناقصات مشاريع النفط والطرق الأعلى قيمة في سوريا، وكان شقيقه رياض شاليش مديراً لمؤسسة الإنشاءات العسكرية، المسؤولة عن أكبر المشاريع في سوريا لأكثر من 30 عاماً، المتهمة بالفساد، بعد أن حولها إلى شركته الخاصة.

ولشاليش سجل طويل مع برنامج العقوبات الأمريكية يرجع تاريخه إلى عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، إذ فرضت حكومة الولايات المتحدة عقوبات على ذو الهمة وابن أخيه آصف عيسى شاليش وشركتهما "SES" الدولية، في يونيو/حزيران 2005، لصلتهما بانتهاك العقوبات السابقة المفروضة على العراق.

ووفق وزارة الخزانة الأمريكية فقد ساعدت شركة شاليش نظام صدام حسين على الوصول إلى أنظمة الأسلحة، من خلال تزوير شهادات الاستخدام النهائي وشحن الأسلحة إلى العراق بدلاً من سوريا.

كذلك شملته العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على مسؤولين في النظام السوري بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011.

TRT عربي