العولمةُ المتكررُ نعيُها


ليس معروفًا كم مرةٍ أُعلن موتُ العولمة المختلف على مفهومها، كما على معظم ما يتعلقُ بها. ليس فى الإمكان إحصاءُ عدد المرات التى شُيعت فيها العولمةُ ونُعيت، واحتُفى بإعلان موتها. لم تكد تستريحُ فى رقدتها، بعد أن نعاها النُعاةُ عندما فرضت الجائحةُ فى ذروتها اللجوء إلى إجراءاتٍ عُدت معاكسةً لها، حتى بُعثت ليُعلِن موتَها مجددًا من يرون أن العقوبات الغربية غير المسبوقة ضد روسيا تقضى عليها. فكأنها أسطورةُ هذه العولمة .. أسطورةُ تبزُ أساطير قديمةً عن الموت والحياة، وانبعاث الميت حيًا من رماده. لكن العولمة، التى لا يكفُ نعاتُها عن إعلان موتها المرة تلو الأخرى، مُختلف حتى على بدايتها. أكثرُ من ينعونها بشكلٍ دورىٍ يربطونها بانتهاء الحرب الباردة الدولية، وما تبعها من تفاعلاتٍ يعتبرها كثير منهم انتقالاً من نظامٍ عالمىٍ ثنائى القطبية إلى نظامٍ أحادى، بينما يرى آخرون أنها أقدمُ من ذلك بقرنٍ على الأقل، ولكنها مرت فى مراحل عدة شهد كل منها مزيدًا من أسوارٍ تُعبرُ وحواجز تُزاح، قبل أن يبلغ الوعىُ بهذه العملية التاريخية الطويلة ما بلغه فى العقود الأخيرة مع ثورة الاتصالات وتجلياتها على كل صعيد. ويجادلُ من يقولون بقدم العولمة بأن تجلياتها الأولى تعودُ إلى تشكيل روابطٍ ومنظماتٍ عابرةٍ للحدود أخذ عددُ الدول المنضمة إليها يزدادُ منذ أواخر القرن الـ 19. هما، إذن، نظرتان مختلفتان تمامًا على العولمة على نحو يتطلبُ تفكيرًا هادئًا فى مسألتين تتعلقان بكيفية فهم الظاهرة المختلف عليها.الأولى عن طبيعة العولمة، وهل هى عملية تاريخية ترتبطُ بتطوراتٍ موضوعية، أم سياسة فُرضت على العالم؟ أما المسألةُ الثانية، والمتصلةُ بسابقتها، فهى كيفية تفسير حماس الصين للعولمة إذا صح أن خصومها هم من فرضوها. فإذا كانت العولمةُ سياسةً مفروضةً، فهل من الطبيعى أن تكون الصين هى أكبر المتحمسين لها فى وقتنا الراهن، وأن يسميها الرئيس شى جين بينج تيار العصر؟. ويبقى سؤالُ الساعة عما إذا كان سعىُ الغرب إلى عزل الاقتصاد الروسى المحدودة قدراته كافيًا لتصدع العولمة وفق ما يتصورهُ نعاتُها هذه المرة؟.

نقلا عن الأهرام

تاريخ الخبر: 2022-05-17 21:17:24
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 91%
الأهمية: 90%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية