«العدّودة».. فن يقرأ تفاصيل طقوس حزن وجه مصر ويؤرّخ له

العدّودة فن يقرأ تفاصيل وجه مصر وانفعالاته، وطقوسه وعاداته وتقاليده في كل حالاته الاجتماعية هو بمثابة الغناء الشعبي الخاص والمشترك بين المصريين، ويتميز فن العدودة عن غيرها من الفنون الإبداعية التي توثق للحياة المصرية أنه فن يكاد يكون خاص بالنساء دون غيرهم".

يتم ممارسة فن العدودة في إطار جماعي، ثمة دوائر وحلقات للترنم بالعدّودة، قائدة وجوقة يرددون من خلفها. 

يرى الدكتور محمود فرغلي أن العديد يحيل إلى شكل من أشكال التواصل الاجتماعي لا التواصل الأدبي والفرق بينهما بعيد، كما أن جماليته ظلت كامنة فيه لفظا وأداء، لكن لم يلتفت إليها، ولم تتحول إلى فن بالمعنى التقليدي للفن، اللهم إلا بعد تدوينها وقراءتها في ضوء مفاهيم الأدب الرسمي والشّعري التقليدي".

تاريخ العدودة وهويتها 

يؤكد فرغلي أن "كان تحول العديد إلى طقس ثابت من طقوس تشييع الموتى كفل له البزوغ بوصفه نوعا شعبيا له بنيته المميزة ونماذجه التي انتقلت من بيئة لأخرى، ولأنه ذو طابع شعبي، فقد تميز بالثبات النسبي مع إضافات محسوبة تحكمها اللهجات حينا والترادفات حينا آخر في إطار بنية موسيقة وصيغية ثابتة، فجلّ ما وصلنا من نصوص العديد على كثرتها لا يحمل إشارات موغلة في القدم، إنما هي نتاج بيئة مصرية خالصة، وامتداداتها التاريخية تجعلنا نقول إن تشكله وازدهاره لم يزد عن قرنين أو قرن ونصف من الزمان، وهذا الازدهار يرتبط بطقسه، ووجود متشيعين له، فقد أصبح في هذه الفترة حرفة لها أدواتها- الطار مثلا- ولها طقوسها وقواعدها الفنية والأدائية والاجتماعية."

 صورة تعبيرية شعبية لحالات الحزن القصوى 

 يلفت الباحث أحمد محسن إلى أن فن العديد هو ممارسة هامة وشعبية يتم ممارسته في ربوع مصر، وهو من الصور التعبيرية الشعبية التي تصور أقسى وأشد اللحظات حزنا في دورة حياة أي إنسان، وهو ممارسة نسائية من نوع خاص ورغم ما ظهر من صعوبة في ايجاد تعريف تعريف خاص بالعديد فما هو إلا أغاني جنائزية.

والعديد فن شعبي يقال عند الموت وهو فن شعري يختص بالنساء دون الرجال يتم إلقاء هذا الفن في صحبة النادبات تقودهن نادبة أو نائحه وتعرف بالمعددة وهي امرأة حاملة لنصوص العديد وتذهب مقطوعة وفي بعض الأحيان تذهب مقابل أجر مادي.

ويؤكد الباحث أن العديد صورة كبيرة وحيّة تنقل حياة المجتمع وهذا ما يميزه أنه يسجل حياة شعب ما ناحية عقليته وفكرة ويسجل الحياة السياسية والاجتماعية لهذا الشعب، وذلك ما يساعدنا على دراسة شعب ما بعقليته وأسلوب ونظم حياته ولا يجوز أن نختار سوى أبد الشعب نفسه وبعد ذلك نستطيع أن نحكم على هذا الشعب بكل معايرة المختلفة وجماليات العديد كثيرة.

•• وقسّم الباحثون فن العديد إلى مراحل عمرية منها عديد الأطفال: عديد الكبار، عديد الشباب، وعديد الثأر ألخ.

وعديد الأطفال منها "نقول عليك يا عقد مرجان.. ياريت دلالك علينا يبان.. نقول عليك يا عقد ياقوت.. ياريت دلالك علينا يفوت" تجسيد لصورة الأم والحزن على الفقد والغياب والرحيل دون عوده.

ومن نصوص العديد على العروسة أو على الشابة فى سن الزواج حيث تقول المعدّدة:

• بجلالة خدوها ولاد الحور بجلالة     ما تيجـى يـا شابـة ويانـا

تسمعى رنين الطار وغنانا

وأولاد الحور فى الديانة المصرية القديمة هم أولاد حورس الأربعة وكان لهم دور كبير فى عملية التحنيط تحت إشراف الإله أنوبيس إله التحنيط وكانت الشابة التي تنتقل إلى رحمة الله وهى فى سن الزواج تنعم بالزفاف فى العالم الآخر إلى أولاد حورس الأربعة، أما الشاب الذي توافيه المنية وهو فى سن الزواج، فإنه يزف إلى بنات الحور في الجنة حيث تقول المعدّدة:

• بجلالة خدوه بنات الحور بجلالة  مـا تيجـى يـا شاب ويانـا

تسمع رنين الطار وغنانا 

ويري الباحث الجنوبي محمود أحمد فضل أن نصوص العديد تكون أكثر إيلامًا على الغريب الذى توافيه المنية بعيداً عن أهله، حيث تقول المعددة.

• قبـر ميـن اللّي البقـر داسه  قبـر الغريـب اللّى فاتوه ناسه

ومن العادات فى القرية أن تقوم إحدى النساء بالصراخ المدوى بصيغة "بوه.. بوه"، خاصة أثناء إعلان الوفاة أو خروج الجنازة من دار الفقيد، وتلقب المرأة التي تقوم بهذا الدور بلقب "محمية الجنازة" أى تجعل توديع الفقيد حاراً، وتردد كل النساء.

في النهاية، يبقى العديد كفن يحمل بين طياته تصوير عميق وعنيف وجارح للحظات الحزن والأسى التي يعيشها المصريين ويؤرخ بها تلك اللحظات، ويصور انفعالاتهم.

تاريخ الخبر: 2022-05-18 21:21:20
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 48%
الأهمية: 52%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية