وجوه خارج الكادر

أبرياء

تناثرت أشعة الشمس هاربة من سحابات سوداوات فى أواخر الخريف تدفئ وجوهًا بريئة تغدوا وتروح يلعبون، يلتفون حول المسجد يركبون عصيهم من حطب الذرة أحيانًا يتعاركون معها أو مع أنفسهم. يأتى صوت مؤذن المسجد فوق سطحه بتراتيله وأذنه على جهاز «الترانزستر» لسماع أذان الجمعة لكى يرفعه. صوت الأبرياء عاليًا، أحيانًا يرددون وراءه لمضايقته، آخرون يحاولون قذفه بالحصى، ولكنه لم يصل إليه، فيقطع تواشيحه، يصرخ يتوعدهم... ولكنهم يستمرون فى عنادهم، السكوت يعم المسجد إلا صوت الخطيب يعلو برخيم صوته، يفرش أرجاء جدرانه بهدوء ببراهين من الله، ليروى قلوبَّا ظمآنة. الأبرياء يتسللون عبر باب المسجد، منهم من يلاصق الطين بقدميه فيزداد الحصير اتساخًا. يزدحمون حول شيخ كبير جالس قرب عتبته فوق، وعيناه تفيض دموعًا وتسيل على لحيته كالأنهار تغسل جسده، يتهامسون، يوكزون، يتكلمون، وآخر يحاول أن يمسكه من معطفه السميك ويفر هاربًا نحو الشارع، عين المؤذن لا تتركهم، ينهض يخطو بين الجالسين ويطردهم.

مازال الشيخ لا يبالى، تسابقه تنهيدات متضرعًا إلى الله، الأبرياء يأتون.. يتهادون بخوف وحذر، واحدًا تلو الآخر أثناء وبعد الإقامة، وفى برهة يصطفون بجوار الشيخ، يتشاكسون مع أنفسهم، وآخرون يمسكون لحيته ويفرون. فيأتى المؤذن قاطعًا الصفوف متوعدًا لطردهم بينما الشيخ يهدئه:-

لا... لا…...... اتركهم بجوارى.

تعانق 

تركه الزمن ليحيا... يرى ما لم يره، فكان واحدًا منهم كان يجلس بجوار الشيخ فى سيرتهم الأولى، تغير كيان المسجد، يفوح منه عبقه الزمنى، تسارعه مكبرات الصوت، تزاحم أنفاسه المتقطعة، ترويها نسمة هواء طرية مفعمة بالزهور فتعطيه آمالًا، فينشرح صدره وهو ذاهب إليه، لم يسعفه مركوبه، أحيَّانًا يخونه، فينهض بعكازه قبل سقوطه أو يساعده حفيده، فاستقر به الحال فى الصف الأخير فوق سجاد مزخرف يشغله، لم ترحمه ذبذبات الصوت من خلفه، تقطع عليه أحبال نور الله، فأصبح عقله شاردًا والأطفال لم يتركوه يحاورونه، تحاوره دموعه فتقف جامدة. تسرح معه ذاكرة الطفولة مع عبق المكان كأنه يرى تجاعيد زمنية أمامه فى الشيخ الذى كان يجالسه، يعانقه، يقبض على يديه فترتاح نفسه مع سكينة، الخطيب يدعو بهدوء، مبتعدًا عن سماعة الصوت بعد انقطاع تيار الكهرباء، حفيده يسبقه بخطوة، يقلده يرفع معه يتضرع لله، إحساس ينتابه أن أرجله تهتز، الأرض تهوى به، تعلو كتجاعيد وجه، الزخارف تتلاشى، أحس أنه فى سباق معهما. تتسارع نبضات قلبه كأنها شلال يروى جسده. تسبح روحه فى فضاءات لا متناهية، تبحث تحاور نفسها، تعانق زهرات وجه حفيده، فيبتسمان. يحاروه حفيده أين أنت؟ 

عكاز

السكون والصمت يعمان المكان. تحرك، وقف الحفيد، تاه بين المصلين. يبحث..يشم عن رائحة أنفاس جده، وجد عكازه يتحرك أمامه يحاوره، زاده اغتباطًا. يحاصره صوته يعشش فى عقله: إنى أراك يا حفيدى.. يكرر الطفل.. يبحث عن الصوت، يرتد بين جدران المسجد، ينظر، يتأكد، السكون يعم المكان... الناس تكسوهم غشاوة. إلا حركة العكاز تأخذه خارج المسجد، يتحرك معها فى الشارع: 

– يا حفيدى؟ 

- أين أنت يا جدى؟ 

- ذاهب إلى الدار الكبيرة.

بجوار بيتهم العتيق، يركن عكازه عليه، تلفحه نسمة هواء ربيعية، يفوح منه عبقه، الطفل يخرج هاتفه النقال، يسحب بسبابته على الشاشة، يجد لعبة يعيش معها لحظات، رنين الهاتف مستمر..

- أين جدك يابنى؟

ينتبه: 

- فى الدار الكبيرة.

- أبحث عنه... لا تتركه. تشارك عقله أنامله، تبحث عنه على شاشة الهاتف، تحاوره.. تحدثه صورته بعمائمها البيضاء عن سيرتها الأولى، فرح فرحًا، صرخ: 

- يا جدى يا جدى. 

- خذ عكازك. وسبابته تذهب إلى لعبة أخرى.

تاريخ الخبر: 2022-05-21 21:21:20
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 48%
الأهمية: 51%

آخر الأخبار حول العالم

انهيار طريق سريع جنوب الصين: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 48 شخصا

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:25:00
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 63%

توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:24:52
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 70%

هذه وضعية سوق الشغل خلال الفصل الأول من سنة 2024

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:24:54
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 68%

في سوق الأسهم .. هل عليك بيع أسهمك في مايو وإعادة الشراء في نوفمبر؟

المصدر: أرقام - الإمارات التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:24:00
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 36%

بين فيتنام وغزة – صحيفة التغيير السودانية , اخبار السودان

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:22:59
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية