غالباً ما ترتبك أسواق المال حينما يكون هنالك مزيد من الإدراجات والاكتتابات الضخمة، بل إن بعض أسواق المال حول العالم شهدت هزات قوية فور إدراج شركة كبيرة الأمر الذي جعل تلك الأسواق تعيش ضغوطاً كبرى على مستوى السيولة والتداول ونحوه.
هذا الارتباك الذي تواجهه بعض أسواق المال العالمية فور إدراج شركات كبيرة، نجحت السوق المالية السعودية في الثبات أمامه؛ بل إنها تكاد تكون السوق المالية الأولى في العالم، التي شهدت اكتتابات وإدراجات ضخمة خلال 30 شهراً مضت، وفي ذات الوقت شهدت تحسنا قويا على مستوى السيولة النقدية المتداولة، وصعودا قويا على مستوى مؤشر السوق العام.
في مارس 2020، كان مؤشر السوق يحوم حول مستويات 6 آلاف نقطة تقريباً، وفي مايو 2022 سجل مستويات قريبة من 14 ألف نقطة، بزيادة أكثر من 130 %، وهو الأداء الإيجابي الذي تزامن مع مزيد من الإدراجات الجديدة، والاكتتابات النوعية، التي أضافت للسوق المالية عمقاً قوياً، وعززت من جاذبيتها، ورفعت من قيمتها الاستثمارية.
شهدت السوق المالية السعودية زخما في عدد الإدراجات لتصل حجم السيولة الداخلة في السوق المالية السعودية أكثر من 15 مليار ريال خلال العامين الماضيين، فيما اتضح التركيز على اكتتابات الأفراد، التي بلغت حصتها 30 % للشركات التابعة لصندوق الاستثمارات العامة؛ الأمر الذي يبرهن الرغبة الجادة في مشاركة الأفراد بهذه الشركات النوعية والقوية والحيوية.
لائحة سجل الأوامر، التي تعمل عليها هيئة السوق المالية أوضحت حجم الجودة في وضع معايير دقيقة في تسعير قيمة الاكتتابات، مع العلم بأن المستشار المالي هو مَن يحدد نسبة اكتتاب الأفراد، التي لا تتجاوز 30 % ولا تقل عن 10 %.
الأسواق العالمية بشكل عام تشهد ارتفاع عدد وقيمة الطروحات الأولية، فيما تُعَدّ المستويات الحالية للطرح المحلي في منحنى مماثل لما هي عليه عالمياً؛ وأتحدث هنا عن الأسواق العالمية الكبرى، التي تقف السوق المالية السعودية في مصافها ولله الحمد.
يلاحظ المتخصصون استقرار مؤشر القوة النسبية للسوق المالية السعودية خلال الفترة بين الطرح والإدراج للاكتتابات الخمسة الأكبر تاريخياً، وهو الأمر الذي يشير إلى توافر سيولة كافية لتغطية الاكتتابات دون التأثير على التداول في السوق المالية.
يعزى الارتفاع في حجم وعدد الطروحات حول العالم بشكل أساسي إلى رغبة الشركات في الاستفادة من مستويات السيولة المرتفعة في الاقتصاد والزخم في الأسواق المالية الناتج عن ارتفاع معنويات المتداولين.
أكبر اكتتاب في تاريخ السوق السعودي هو طرح شركة أرامكو السعودية بحجم طرح بلغ 96 مليار ريال، يتبعه اكتتاب البنك الأهلي التجاري بحجم اكتتاب بلغ 22.5 مليار ريال.
بمراجعة البيانات التاريخية لمستويات عرض النقود في المملكة للفترة 2008م حتى نهاية الربع الثالث 2021م، يتبين أنها في اتجاه صاعد؛ إذ بلغ معدل النمو السنوي المركب لكل من ن1 ون2 ون3؛ 9.6 % و6.8 و6.6 % على التوالي، وتشير السيولة المرتفعة في الاقتصاد إلى وجود نقد متاح للاستثمار في الاكتتابات؛ خصوصاً أن ارتفاع مستويات عرض النقود، وسيولة السوق بشكل عام، يعزز السيولة المتاحة للاستثمار.
تقدَّر القوة الشرائية في المحافظ الاستثمارية وصناديق الأسهم المحلية بقرابة 75 مليار ريال أي 5 أضعاف الطروحات الأولية والثانوية المتوقعة للعام 2022م، وتُعَدّ هذه القوة الشرائية نقداً متاحاً ومتوافراً يمكن استخدامه في الاكتتابات المتوقعة دون التأثير على سيولة السوق، هذا بالإضافة إلى النقد المتاح في المحافظ الاستثمارية والقدرة الإقراضية الممكنة.
