لكي تكتمل العملية الإبداعية لدى الكاتب، لا بد وأن يكون الجو النفسي حوله مهيأ بشكل ما، حسب رغبة كل منهم، فمهنم من يفضل الهدوء التام أو الانعزال عن المحيطين به، وآخرين يبدعون بشكل أفضل في أماكن معينة كالسرير والمقاهي، وهناك من يلجأ لطرق عجيبة كاستخدام الأوراق والأقلام الملونة أو الاستحمام والتأنق في ملابسهم.

لجأ الكثير من كبار الكتاب إلى عادات مختلفة للوصول إلى لحظات الإبداع لديهم؛ فالكاتب الراحل محمد حسنين هيكل اعتاد أن يكتب في مكتبه الخاص، تحديدا بالساعات المبكرة من الصباح، وكان يفضل الكتابة على الورق الخاص بالطباعة، وليست الأوراق المسطرة، ومن عاداته الغريبة أيضا أنه كان يقرأ همسا ما يكتبه.

الدكتورة الراحلة نوال السعداوي فكانت الكتابة لديها تأخذها إلى بئر عميقة في بطن الأرض إلى مكان يخلو من البشر إلى مساحة لا يشاركها فيها أحد، لا تسمع صوتا، لا شيء يتحرك، موضحة أنها حينما تجلس لتكتب، لا بد أن تكون في مكان مغلق حتى تستعيد الذكرى.

في حوار لها بمجلة "الحياة الثقافية" 2006 كشفت عن أن الإبداع يعتمد على الذاكرة وعلى تحويل اللاوعي إلى وعي، ويعتمد على التذكر وربط الأشياء بعضها ببعض وربط الماضي بالحاضر والمستقبل، وهذا لا يمكن أن يتأتى للإنسان وسط الضجة، مشيرة إلى أنها يمكنها تذكر أي مرحلة من مراحل حياتها طالما هناك هدوء، فهي تغلق على نفسها ولا تستطيع أن تكتب ومعها شخص في الغرفة حتى ولو كان زوجها، قائلة: "لا بد أن أكون وحدي في الغرفة".

"ليس عندي للكتابة مواعيد، الكتابة ساعة الصباح أفضل قبل أن أشعر بالتعب العضوي" هكذا كشفت الكاتبة سهير القلماوي عن طقوس الكتابة لديها في مقال لها بمجلة "الهلال" بعددها رقم 7 الصادر بتاريخ 1 يوليو 1990 والذي جاء بعنوان "الريادة في الأدب".

وأوضحت أنها تكتب دائما على مكتبها ولا تستطيع أن تستمر في الكتابة طويلا إلا وهي جالسة على هذا الكرسي، وأهم ما تحرص عليه بعد استجماع الأفكار وبلورة الإحساسات هي محاولة إيجاد نقطة "ارتكاز" كما تسميها يدور في فلكها كل شيء آخر، مستطردة: وماديا لا بد لي من ورق مصقول وقلم جيد أو ممتاز وثلاثة أو أربعة أقلام إلى جانبي حتى لا أترك الكتابة وأشغل بتعبئة القلم حبرا أو نحو ذلك.

أما الشاعر الراحل نزار قباني فكانت لحظة الإبداع الخاصة به يصل إليها وهو نائم على بطنه أثناء الكتابة، وفي أحد لقاءاته تحدث بنفسه قائلا: لا أحتاج إلى أكثر من سرير انفرادي، كتلك الأسرة المستعملة في المستشفيات والسجون لأكتب قصيدتي، ولو أنني نمت بالصدفة على سرير من طراز لويس الخامس عشر أو لويس السادس عشر لطار النوم من عيني وطارت القصيدة.

ومن العادات الغريبة الشائعة عنه أنه كان يتأنق ويستخدم العطر، كأنه ذاهبا للقاء امرأة، كما كان يستلقى على الأرض وأمامه عدد هائل من الأوراق الملونة لتضفى على القصيدته ألوانا عاطفية، وكان نزار قباني يكتب وأمامه مجموعة من الأوراق الملونة، إذ يفضل الكتابة على ورق ملون باللون الأصفر أو الزهري، ثم يعيد الكتابة بعد ذلك على الورقة الواحدة عدة مرات، وعندما يدخل غرفة مكتبه كان ينفصل تماما عن العالم ومهما حدث لا يتحرك عن كرسيه حتى ينتهي من قصيدته.

أما الأديب الراحل خيري شلبي فقد حكى عن طقوسه في الكتابة، وكيف اعتبر المقابر ملجًأ من زحمة وصخب القاهرة، في حوار له بجريدة "الأخبار" عام 1989، قائلا: لقد خلقني الله لكي أكتب الأدب ولا شيء غير ذلك، فإما أن أكتب أو أضيع في الزحام.

كان الأديب الراحل يعيش في شقة مزدحمة بالعديد من الكتب التي ورث بعضها، إضافة إلى زوجته وأولاده الأربعة، وعن هذا الأمر قال: لدي أربعة أبناء كبار، لكل منهم نزواته، ومن حقه أن يمارس حياته، ونحن نمشي في الشقة جنبا إلى جنب، حتى لا نصطدم بتلال الكتب المرصوصة في كل ركن وخطوة.

كان خيري شلبي يهرب من كل هذا إلى المقابر فكانت مصدرا للإلهام بالنسبة له، بعيدا عن الصخب والضجيج الذي يغتال القاهرة، رغم أن معظم المقابر كان قد تحول معظمها إلى مناطق سكنية ودخلتها أجهزة الفيديو، لكن أهدأ نسبيا له من المدينة، فكان ينهمك في القراءة والكتابة طوال الليل على أنغام أصوات ألعاب الدومينو والطاولة وورق الكوتشينة.