الحب هو ذكاء المسافة


لكي تعرف شخصا ما على حقيقته فلا بد أن تتفهم علاته وتتغاضى عن بعض هفواته، وإلا فسيظل متنكرا أمامك ولن يكشف لك عن خباياه، وستظل علاقتكما سطحية، وربما ستفقده بعدها للأبد، لأن وضع الذات دائما تحت المجهر للتأكد من عقلانيتها، وكمالها والتأمل في سلامة تفكيرها يقوض أساس موثوقية الفرد، وبالتالي فهو يقوض الأسس التي تقوم عليها العلاقات الحقيقية مع الآخرين، فالتلقائية غير المتشددة في المثالية تشكل بيئة رحبة تتواصل فيها النفوس بعفويتها، لأن العلاقات الحميمة الحقيقية تتطلب قبول كل من الطرفين لتمايز الآخر، بل وتعزيز هذا التمايز، فالقبول هنا لا يعتبر شكلا من أشكال التسامح، بل إنه احتفاء بالآخر، دون تعليل للنفس بالأمل في أن يصل هذا الشخص يوما ما لمرحلة النضوج ليصبح مثلنا. لأننا أحيانا عندما نصف شخصا بالكمال، فربما نقصد في ذلك أنه يشبهنا، رغم أنه من العسير أن نجد شخصا كاملا لأننا جميعا متفردون، وكل مَن حولنا مختلفون عنا على درجات متفاوتة، فالتنوع هو الكمال الوحيد في الكون، ولهذا تجد مليارات الوجوه ذات الملامح المختلفة والشخصيات الإنسانية المتباينة، مما يجعل الأنا الذاتية للفرد تصاب بالحيرة والارتباك إذا تصرف الآخر بشكل مختلف عنها، لأنها تتوقع دوما أن يتواءم التركيب النفسي للشخص الآخر تلقائيا بتركيبها النفسي، وفي اللحظة التي تدرك فيها وجود الاختلاف مهما كان ضئيلا يميل الفرد منا حينها للتوقف برهة، أو الابتعاد بمسافة تفصله نسبيا عن الآخر، أو تجده مضطرا لإلغاء فرديته ومحاكاة هذا الآخر خوفا من فقده، وكلتا المحاولتين تعترضان سبيل تطور العلاقات الصادقة. لأن الروابط الصحيحة تتطلب وجود مسافة صحيحة تتحقق بالسماح للطرف الآخر بالحفاظ على تمايزه والتأكد من صون هذا التمايز، ولهذا ينصح خبراء العلاقات دوما بأن يحرص الشريكان على حماية عزلة الآخر، وعزلته الخاصة بالطبع ابتداء، فلا يمكن للطرفين أن يلتقيا معا دون انفصال، وهذا ما تصفه أحلام مستغانمي بقولها إن «الحبّ هو ذكاء المسافة»، فالحميمية لا تتطلب معرفة مطلقة بالذات أو بالآخر، لأن هنالك دوما شيئا ما يجعلنا نقاوم الإفراط في سبر الذات، فالناس لا يريدون أن يُعرفوا، أو أن يسمحوا لأحد بهتك الأسرار التي تقبع في قرارة نفوسهم، فإذا بالغت في محاولة سبر أغوار شخص آخر تجد أنك تجبره على اتخاذ موقف دفاعي يحاول تجنبه، وإن أفضل مدخل لمعرفة الآخر ليس محاولة السبر، بل في احتوائه بعبارة بسيطة «أنت رائع كما أنت»، فتجريد الآخر من عمقه ومن خفاياه السيكولوجية لا يؤدي لمعرفة الآخر، وإن الحفاظ على سحر العلاقة يتحقق جزئيا بكبح جماح فضولنا لكشف غوامض الآخر، وعدم تسليط الضوء الكاشف لأعماقه، فهناك أكذوبة داخل كل نفس، وإذا سلبت شخصا ما أكذوبة حياته، فإنما تسلبه سعادته أيضا.

@LamaAlghalayini
تاريخ الخبر: 2022-05-23 00:24:21
المصدر: اليوم - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 53%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

هجوم إسرائيلي على الضفة الغربية.. واستشهاد 5 فلسطينيين

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-05 06:22:19
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 67%

دعمًا لفلطسين.. فصائل عراقية تستهدف ميناء حيفا في إسرائيل

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-05 06:22:15
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 58%

الرئيس الفرنسي: الحوار مع روسيا يجب أن يستمر

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-05 06:22:09
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 53%

أمطار مصحوبة برياح مثيرة للأتربة والغبار على 7 مناطق السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-05 06:23:35
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية