الباحث مهدي العش: "رفض الاتحاد التونسي للشغل المشاركة في الحوار... من شأنه نزع الشرعية التي يريد سعيّد إلباسها للمسار"


إعلان

أربك مسار الرئيس قيس سعيّد الساعي عندما أعلن الاثنين رفضه المشاركة في هذا الحوار، معتبرا إياه "شكليا" ويقصي القوى المدنية والسياسية في البلاد.

والاتحاد العام التونسي للشغل هو المركزية النقابية وأكبر المنظمات في تونس وأهمها، ويعتبر من بين أكبر الجهات السياسية الفاعلة في تونس حيث ساهم في إنجاح الحوار الوطني الذي تم إقراره في العام 2013 في ظل رئاسة الراحل باجي قايد السبسي حين تأزم الوضع في البلاد إثر اغتيالات سياسية وأفضى إلى إقرار حكومة تكنوقراط.

ويذكر أن سعيّد أعلن في 2 مايو/أيار الجاري إحداث لجنة للإعداد لمشروع تنقيح دستور "جمهورية جديدة" عبر "حوار وطني" يشمل "المنظمات الأربع الوطنية" وهي الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والرابطة التونسية لحقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين وأقصى منه الأحزاب السياسية في البلاد.

وصدر في الجريدة الرسمية مرسوم رئاسي لإحداث هيئة وطنية مستقلة تُسمى "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة" تتولى "تقديم اقتراح يتعلق بإعداد مشروع دستور لجمهورية جديدة، ويُقدم هذا المشروع إلى رئيس الجمهورية".

فما هي التحديات التي سيواجهها قيس سعيّد بعد رفض الاتحاد العام التونسي للشغل المشاركة في الحوار وما هي الحلول الممكنة لديه؟ للإجابة عن هذه الأسئلة حاورت فرانس24 مهدي العش وهو باحث وناشط مدني تونسي.

1- ماهي مقومات حوار وطني مثمر؟

قبل البحث في مقومات الحوار، يجب أن نتساءل حول الهدف من الحوار. هل هو وسيلة لدى الفرقاء للبحث عن مخرج من الأزمة، أم هو أداة لدى السلطة للبحث عن شرعية مفقودة؟ إذا كان الحوار الوطني سنة 2013، الذي قاده رباعي المنظمات الوطنية، وجمع الفرقاء السياسيين المتخاصمين، وأثمر توافقات دستورية وحكومة جديدة وهيئة انتخابية وخارطة طريق للخروج من الأزمة، من النوع الأول، فإن الحوار الذي يدعو له سعيّد ليس سوى أداة لشرعنة مسار فرض دستور جديد بإرادة فوقية. هذا المسار بدأ بإعلان حالة الاستثناء يوم 25 يوليو/تموز (تجميد أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام مشيشي وتولي السلطات في البلاد)، لا بهدف العودة إلى سير عادي لدواليب الدولة، وإنما لتغيير النظام الدستوري بإرادة منفردة، وهو ما تأكد في 22 سبتمبر/أيلول عبر الأمر المنظم للتدابير الاستثنائيّة، ثمّ في خطاب 13 ديسمبر/كانون الأول الذي أعلن عن خارطة الطريق. الخيارات الكبرى جاهزة لدى قيس سعيّد، وهي نواة مشروعه الدستوري، المعروف باسم البناء القاعدي، وقد مررها بوضوح عبر أسئلة موجهة في الاستشارة الوطنية التي يصر على نجاحها على الرغم من ضعف المشاركة فيها. هذه النواة تتكون من أضلع ثلاثة، هي النظام الرئاسي، والاقتراع على الأفراد، وسحب الوكالة من النواب، بالإضافة إلى فكرة الطابع المحلي للحلول الاقتصادية والاجتماعية. فالإصرار على أن الحوار يكون على قاعدة نتائج الاستشارة، والتنصيص في المرسوم على إلزام "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة" باحترام نتائج هذه الاستشارة، فضلا عن التشديد على الطابع الاستشاري للهيئة والحفاظ على القرار النهائي بين يدي الرئيس، كلها أدلة تؤكد أن المطلوب ليس سوى شرعنة مسار مقرر سلفا، أي أن الاستشارة والحوار وبعدهما الاستفتاء، ليست سوى "مكياج" ديمقراطي لمشروع فردي. موقف الاتحاد العام التونسي للشغل يعكس وعيا بالطابع الشكلي للحوار، الذي تراد منه "تزكية نتائج معدة سلفا"، وكذلك بخطورة المشروع الدستوري للرئيس، الذي من شأنه، حسب البيان، "تفكيك أوصال الدولة وإلغاء ما راكمته أجيال متعاقبة".

2- ماهي التحديات أمام قيس سعيّد بعد رفض الاتحاد المشاركة في الحوار؟

من بين المنظمات التي نص المرسوم على تمثيلها في الحوار، اتحاد الشغل يبقى الفاعل الأهم تاريخيا وسياسيا وميدانيا. وقد كان موقف الاتحاد المساند لإعلان الحالة الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021 مؤثرا، واستفاد منه قيس سعيّد. رفض الاتحاد المشاركة في الحوار له دلالة كبرى، ومن شأنه أن ينزع الشرعية التي يريد سعيّد إلباسها للمسار، ويؤثر على مواقف بقية المنظمات وكذلك عمداء كليات العلوم القانونية الذين يؤلفون حسب المرسوم عدد 30 لسنة 2022 "اللجنة القانونية" التي ستتولى صياغة الدستور الجديد وفق نتائج الاستشارة. سعيّد الذي تبنى بوضوح مشروع البناء القاعدي منذ السنوات الأولى للانتقال الديمقراطي وصولا إلى حملته الانتخابية سنة 2019، ينتهج منذ 25 جويلية أسلوب المخاتلة، ويسعى لإلباس مشروعه رداء شعبيا، ويتفادى تبنيه مباشرة وعرضه على التداول العام. لكن النوايا التي لم تكن واضحة للكثيرين في الأشهر الماضية تتأكد شيئا فشيئا بمرور الوقت. كما أن التركيز على المسألة الدستورية، في سياق اقتصادي صعب جدا، والعجز عن إيجاد حلول وإجابات للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بالرغم من احتكار كل السلطة طيلة 10 أشهر، من شأنه المساهمة في تآكل شعبية سعيّد تدريجيا. فشعبية سعيّد متأتية بالأساس من موجة كره الأحزاب، وبالأخص حركة النهضة التي شاركت في جل الحكومات المتعاقبة. لكن هذا الرصيد يأخذ شكل مساندة سلبية، فلم يترجم ماديا لا في المظاهرات المساندة لسعيّد في الشارع، ولا في الاستشارة الوطنية على الرغم من استنفار كل أجهزة الدولة للترويج لها، ولن ينعكس على الأرجح في مشاركة كبيرة في استفتاء 25 يوليو/تموز.

وبغض النظر عن نسبة المشاركة، لا يمكن القفز على سؤال شرعية الاستفتاء من الأصل. فالانقلاب على دستور ديمقراطي، نتج عن مجلس تأسيسي منتخب، ومخاض عسير شاركت فيه مختلف القوى الحية ولعب الشارع دورا حاسما فيه، وتعويضه بدستور جديد يعبر عن إرادة منفردة، بعد التحكم في مختلف قواعد اللعبة، لا يمكن أن يؤسس جمهورية جديدة لديها الحد الأدنى من الديمومة والاستقرار، وإنما لسابقة لن يتردد من سيأتي بعد سعيّد في تكرارها. فالتأسيس يحتاج دائما أوسع توافق ممكن، لا مرورا بقوة لفرض إرادة منفردة.

3- ماهي الحلول الممكنة أمام قيس سعيّد؟

الإجابة مرتبطة بما يريده سعيّد. هو لا يبحث عن مخرج من الأزمة، وإنما يسعى إلى فرض مشروعه، وهو ماض فيه مهما كانت التكاليف. قد يحاول التفاوض مع الاتحاد العام التونسي للشغل في اتجاه تعديل موقفه، عبر تنازلات تقدمها له الحكومة في الاستحقاقات الاجتماعية. لكن هذا السيناريو سيصطدم بمسار المشاورات مع صندوق النقد الدولي، الذي إذا لم يثمر اتفاقا، لن تستطيع الحكومة طرق أبواب الاقتراض الخارجي، ولن تقدر على الإيفاء بتعهداتها المالية هذه السنة داخليا وخارجيا. فتذليل عقبة الاتحاد أمام أولويات الرئيس الدستورية، قد يصطدم بأولويات الحكومة وإكراهات المالية العمومية.

يبقى أن السيناريو الوحيد الذي يضمن البقاء داخل إطار ديمقراطي، هو إجراء انتخابات سابقة لأوانها، وفق قواعد لعبة لا يقع فرضها بإرادة منفردة، ليتنافس فيها المتنافسون، ويكون للشعب كلمة الفصل. فعلى من يطرح تغييرا دستوريا أن يخوض غمار الانتخابات التشريعية ببرنامج واضح، ويطلب ثقة الناخبين على هذا الأساس، وإذا نالها بالشكل الكافي، يعدل الدستور بعد احترام شروط التداول الديمقراطي ومختلف الضمانات أمام عدم الانحراف بالإرادة الشعبية. فلا المشروعية النابعة عن الانتخابات الرئاسية، ولا المساندة السلبية لشرائح واسعة من الرأي العام لمسار 25 يوليو/تموز، ولا الخطاب المهيمن الذي ينسب دستور 2014 لحركة النهضة وحدها ويحمله مسؤولية كل الأزمات والشرور، ولا الاستشارات والحوارات معلومة النتائج، ولا الاستفتاء الذي سيكون على الشخص لا على المشروع (plébiscite)، يمكنها أن تصحح مسار الاستفراد بالسلطة والتلاعب بالإرادة الشعبية لفرض مشروع فردي عليها.

 

صبرا المنصر

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24

Download_on_the_App_Store_Badge_AR_RGB_blk_102417
تاريخ الخبر: 2022-05-25 18:16:07
المصدر: فرانس 24 - فرنسا
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 80%
الأهمية: 94%

آخر الأخبار حول العالم

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (٤)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 06:21:31
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

عاجل.. لحظة خروج الدكتور التازي من سجن عكاش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 06:25:45
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 70%

عاجل.. لحظة خروج الدكتور التازي من سجن عكاش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 06:25:38
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية