أردوغان يراجع سياساته...


يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بات يعتقد بأن الظرف الراهن هو الأنسب له لإعادة تموضع تركيا في خريطة العلاقات الدولية، السياسية والأمنية والاقتصادية، محاولة منه لتعزيز مكانتها أو لتحصينها، مستغلاً عدداً من المعطيات التي أضحت توفرها الحرب الروسية في أوكرانيا، وحاجة العالم لمصادر بديلة للطاقة، والاستعصاء الحاصل في الملف السوري.

على الصعيد السياسي أعاد أردوغان تدوير سياسته الإقليمية، لجهة الانفتاح على الإمارات والعربية السعودية، بعد جمود أو قطيعة لسنوات، وهو ما يفترض أن يستكمل بتطبيع العلاقات مع مصر، الذي سيأتي في قادم الأيام.

بيد أن قصة الانفتاح على إسرائيل هي الأبرز على هذا الصعيد، إذ تخففت تركيا من ادعاءاتها الأيديولوجية، أو السياسية، وباتت تتحدث صراحة عن رغبتها بتعزيز علاقاتها مع تلك الدولة، من مختلف النواحي، وهذا ما ظهر جلياً في الاستقبال الحافل للرئيس الإسرائيلي في تركيا (قبل شهرين)، وفي زيارة وزير الخارجية التركي لإسرائيل قبل يومين، على الضد من كل الشعارات والادعاءات السابقة.

وقد يجدر التذكير هنا بأن العلاقات التركية ـ الإسرائيلية لم تنقطع طوال السنوات الماضية، رغم الجفاء المتبادل، بمعنى أن كل تلك الخطابات العدائية كانت للاستهلاك المحلي والإقليمي، وهذا هو التفسير الوحيد للحماسة التركية الظاهرة اليوم لتوطيد العلاقات مع إسرائيل. بل إن تركيا ترى في علاقاتها مع الدولة العبرية نافذة، أو مدخلاً، لتعزيز مكانتها لدى الولايات المتحدة الأميركية، كما لتحفيز إسرائيل على التعاون المشترك في استثمار حقول الغاز في البحر المتوسط، وكذلك لفرض ذاتها في الخريطة السورية، عبر سعيها الى سد الفراغ الناجم عن تخفف روسيا من وجودها العسكري فيها، ولسد الطريق على إيران، وهذا ما يناسب إسرائيل والولايات المتحدة في آن، بخاصة مع انسداد نافذة الفرص المتعلقة بإعادة الاتفاق على الملف النووي.

على الصعيد الاقتصادي، كان من الواضح أن أزمة الطاقة على الصعيد الدولي، والسعي الحثيث لدى الدول الأوروبية بحثا عن بدائل لوارداتها من الغاز الروسي، باتا يشكلان لها مدخلاً مناسباً لطرح مشاريع للاستثمار في حقول الغاز في البحر المتوسط، وتجاوز العقبات، أو الاعتراضات السابقة، الناجمة عن الخلافات بينها وبين عدد من الدول، وضمنها اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل.

وربما أن تركيا في هذا المجال تراهن على حاجة الأطراف الدولية لحل هذه الأزمة، وبالتالي التدخل، في هذا الظرف الملح، لحلحة تلك الخلافات وإيجاد أطر للتعاون المشترك، وتبادل المنافع، ما يفيد الاقتصاد التركي. لذا من البديهي أن تشتغل تركيا مع إسرائيل مراهنة منها على أن ذلك يمكن أن يسرع ويسهل قيام مشروع كهذا، بالنظر إلى مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية، وإمكاناتها الاقتصادية والتكنولوجية، والحاجة الدولية الماسة لمصادر غاز جديدة.

أما من الناحية الأمنية، فإن تركيا تتحرك وفق قناعة مفادها أن التداعيات الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا، بكل تشعباتها، أضحت بمثابة فرصة لها لإعادة طرح مشروعها بشأن إقامة منطقة آمنة، أي تخضع للسيطرة الأمنية التركية، على حدود تركيا الجنوبية مع سوريا، بعمق 30 كلم في الشمال السوري. وتتوخى أنقرة من وراء تلك الخطوة تحقيق أهداف عدة بضربة واحدة، إذ من شأن خطوة كهذه، أولاً، تقويض أي محاولة لإنشاء كيان كردي في تلك المنطقة. ثانياً، تعزيز ما تعتبره تركيا أمنها القومي، وضمن ذلك محاولتها خلق حاجز بشري يحول دون قيام كيان كردي مستقبلاً، من خلال بناء وحدات سكنية للاجئين السوريين في تلك المنطقة. وثالثاً، تعظيم مكانة تركيا في سوريا، في مقابل الطرفين الآخرين، أي إيران وروسيا.

في الإجمال، وفيما كانت تركيا، في الفترة السابقة، توظف الملف السوري، أو ملف اللاجئين السوريين، للضغط على أوروبا، أو لابتزازها، وللعب على كل الأطراف، فهي من جهة مع روسيا وإيران في ثلاثي آستانا، وهي من جهة أخرى مع "الدول الصديقة للشعب السوري"، إذا بها اليوم تضغط على أوروبا في محاولتها عرقلة، أو ممانعة، انضمام السويد وفنلندا إلى حلف "الناتو"!

بيد أنه، وبغض النظر عن جدية تلك الممانعة أو عدم جديتها، فمن الواضح أن تركيا تحاول من خلال تلك الممانعة، التي لن تستمر على الأرجح، استغلال نافذة الفرص في مجالات عدة، ضمنها تخفيف الاعتراض على انضمامها الى الاتحاد الاوروبي، ورفع القيود عن وارداتها من الأسلحة الحديثة، وأخذ ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، والقبول بإقامتها منطقة نفوذ آمنة في الشمال السوري، وإيجاد الفرص التي تمكنها من الخروج من أزمتها الاقتصادية.

على أي حال، وبغض النظر عن نجاح تركيا أو تعثرها في رهاناتها الجديدة، فإن السياسة التركية باتت مكشوفة، وعلى حقيقتها، من دون حمولات زائدة، في الأيديولوجيات، والتخيلات، والتوهمات، لا بتخيلها كدولة مقاومة وممانعة، ولا بتخيلها كدولة خلافة مفترضة (راجع مقالنا: "في ما يخصّ تحوّلات أردوغان وصوره المتخيّلة"، "النهار العربي"، 9/4/2022)، وهي كلها أوهام تحمّل تركيا أكثر مما تحتمل.

نقلا عن النهار

تاريخ الخبر: 2022-05-29 03:17:22
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 86%
الأهمية: 96%

آخر الأخبار حول العالم

مرسيدس تظهر قوة سيارتها الكهربائية VISION EQXX - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-14 03:24:04
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 50%

قافلة “GO سياحة” تحط الرحال بجهة العيون – الساقية الحمراء

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-14 03:24:58
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 51%

الفنان عاصي الحلاني يلتقي محبيه في لندن بهذا الموعد - Culturedumaroc

المصدر: Culturedumaroc - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-14 03:24:46
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

«التجارة»: بعض أصوات ناخبي غرفة الرياض «غير نظامية» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-14 03:24:03
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 66%

تداولات بـ 7 مليارات للأسهم.. المؤشر يقفز 43 نقطة - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-14 03:24:01
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية