بعد انخفاض حدة التوتر بين أنقرة وأثينا في ما يتعلق بملفّ غاز شرق المتوسط، تَصدَّر ملف تسليح اليونان جزر إيجة واجهة الخلاف بين البلدين في الآونة الأخيرة، وهو ما دفع وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو نهاية الشهر المنصرم، إلى القول إن اليونان انتهكت الوضع القائم في جزر شرق بحر إيجة، مؤكّداً أن عليها نزع الأسلحة وإلا فسيبدأ بحث مسألة السيادة.

يُذكر أن ملف جزر بحر إيجة من أبرز ملفات الخلاف بين تركيا واليونان منذ قرابة قرن، بعدما استولت أثينا عليها بالإضافة إلى جزر شرق المتوسط القريبة من السواحل التركية بموجب معاهدتي لوزان (1923) وباريس للسلام (1947)، بشرط نزع سلاحها، وهو الشرط الذي بدأت أثينا انتهاكه منذ ستينيات القرن الماضي.

إلى جانب ملف تسليح الجزر، يوجد أيضاً ملف الانتهاكات المستمرة بحق الأقلية التركية المسلمة التي تسكن إقليم تراقيا الغربي، فضلاً عن الجزر موضوع الخلاف. فمنذ توقيع اتفاقية التبادل السكاني قبل ما يقرب من 98 عاماً، لا يزال أتراك اليونان يعانون مشكلات متنوعة وانتهاكات مستمرة وحرماناً من أقلّ الحقوق الإنسانية.

عسكرة الجزر

على الرغم من الاتفاقيات الدولية وعلى رأسها اتفاقيتا لوزن وباريس اللتان تنصّنان بوضوح وصراحة على عدم تسليح الجزر القريبة من تركيا، عمدت اليونان إلى تحويل جزر بحر إيجة إلى مخازن أسلحة من خلال تسليح عديد من الجزر، ولا سيما جزيرة ليمنوس-ساموثريس، منذ عام 1960، بحجة معاهدة مونترو لعام 1936 كأساس يعطيها الحقّ في ذلك.

في المقابل أكّدت تركيا أن تسليح اليونان جزر بحر إيجة يشكّل تهديداً للأمن القومي التركي، وهو الملف الذي يُعَدّ من أبرز ملفات الخلاف بين أنقرة وأثينا، الذي من شأنه أن يتسبّب في نشوب أزمات دبلوماسية حقيقية بين البلدين قد تتطور إلى حدّ المواجهة العسكرية المباشرة كما حدث في أزمة جزيرة قارداق عام 1995.

ورداً على تحويل الجزر إلى ثكنات عسكرية للقوات اليونانية في السنوات الأخيرة، قال رئيس جمعية أتراك جزر رودس وكوس ودوديكانيز (الاثنا عشرية) اليونانية في بحر إيجة مصطفى قايمقجي، إن "اليونان تنتهك جميع الاتفاقيات الدولية بتحويل معظم الجزر الـ23 في بحر إيجة إلى مخازن للأسلحة"، مشيراً إلى أن هذه الخطوات تشكّل انتهاكاً صريحاً لاتفاقيتَي لوزان وباريس اللتين اشترطتا أن تكون منزوعة السلاح بالكامل.

انتهاكات متواصلة بحق الأقلية التركية

حسب الإحصائيات، يسكن قرابة 150 ألف شخص من الأقلية التركية المسلمة المناطق الممتدة بين نهر مرج إيفروس الذي يفصل بين حدود البلدين، حتى مدينة قوله ونهر قره صو في إقليم تراقيا اليوناني، بالإضافة إلى نحو 6 آلاف آخرين يعيشون في جزيرتَي رودس وكوس، يجادلون جميعاً من أجل الحصول على حقوقهم الاجتماعية والحقوقية أسوةً باليونانيين.

وطوال الـ98 عاماً الماضية التي أعقبت توقيع اتفاقية التبادل السكاني بين تركيا واليونان، عانت الأقلية التركية المسلمة في اليونان من مشكلات متنوعة وانتهاكات مستمرة وحرماناً من أقلّ الحقوق الإنسانية، بدءاً باستثنائهم من اتفاقية التبادل السكاني، مروراً بالانتهاكات الشديدة للحقوق الأساسية إبان فترة حكم العسكر لليونان ابتداءً من عام 1967 حتى سقوطهم في أعقاب "عملية السلام" التركية في جزيرة قبرص عام 1974، وصولاً إلى الأزمة الحالية المتمثلة برفض الحكومة اليونانية الاعتراف بهويتهم العرقية، فضلاً عن التدخل في شؤونهم الدينية والتعليمية.

وعلى الرغم من أن حقوق أتراك اليونان مكفولة ومحميَّة بموجب معاهدة لوزان الموقعة عام 1923، فإن أوضاعهم تتدهور باطّراد منذ ذلك الحين، رغم مطالباتهم بالحصول على حقوقهم الاجتماعية والحقوقية أسوةً باليونانيين.

اليونان لا تبالي بالاتفاقيات والقانون الدولي

منذ ثمانينيات القرن الماضي تحظر اليونان جميع الجمعيات التركية التي تضمّ في أسمائها كلمة "تركية"، وترفض الامتثال لقرارات محكمة حقوق الإنسان الأوروبية التي صدرت ضد اليونان في هذا الخصوص عام 2008. كما ترفض اليونان السماح ببناء مساجد في المدن اليونانية الرئيسة، رغم عيش مئات آلاف المسلمين فيهما، ولا تمنح المسلمين مكاناً خاصّاً للدفن.

وفيما تضمْن معاهدةُ أثينا الموقَّعة بين اليونان والإمبراطورية العثمانية عام 1913، التي أدخلتها اليونان حيز التنفيذ منذ عام 1920، عدمَ التدخُّل في الشؤون الدينية للأقلية الترقية، بالإضافة إلى ضمان حرية اختيار الجالية المسلمة (ذات الأغلبية التركية) في اليونان للمفتين، فإنه منذ عام 1991 ألغت اليونان العمل بالاتفاقية منتهكةً القانون الدولي، وبدأت بنفسها بشكل غير قانوني تعيّن المفتين.

كما تُعَدّ أزمة التعليم من أبرز الأزمات التي تعاني منها الأقلية التركية في اليونان، فعلى الرغم من توقيع اتفاقية للتعليم بين تركيا واليونان عام 1951، فإن الأتراك في تراقيا الغربية وبعض الجزر الرئيسية يواجهون مشكلات مفتعَلة من الحكومة اليونانية، تجعل محاولاتهم لترميم المدارس الحالية وفتح مدارس وحضانات أطفال تُدَرَّس باللغتين التركية واليونانية أمراً صعباً للغاية، فضلاً عن إغلاق الحكومة اليونانية عديداً من المدارس التركية في السنوات الأخيرة بحجة انخفاض معدل التسجيل.

وإلى جانب سلب الحكومة اليونانية حقّ التمثيل الديمقراطي للأتراك اليونانيين، حُرم نحو 60 ألفاً من أتراك اليونان جنسيتهم اليونانية، بموجب المادة 19 من قانون المواطنة اليونانية الذي سُنَّ عام 1955، وهو الأمر الذي ينتهك بسفورٍ جميعَ الحقوق الإنسانية التي يضمنها القانون الدولي.

TRT عربي