موسيقية الألحان القبطية (٢٩)


عزيزي القارئ، إنني اليوم سوف أستكمل معك في هذه السلسلة عن التدوين الموسيقي للألحان القبطية وتاريخه وماله وماعليه، وهذا هو المقال الثالث في موضوعالتدوين الموسيقي للألحان القبطية على النوتة الإعتيادية.

إنني أقول بكل أسف أن ما قام جميع هؤلاء بتدوينه لم يكن قادراً على أن يعكس طبيعة اللحن القطي المنفردة بأحاسيسه الروحية وعمقه التاريخي. فمن يقوم بتدوين مثل هذه الألحان الخالدة، يجب أولا أن يكون شخصا قد عايش عملية التقليد الشفاهي وحفظ من خلالها هذه الألحان منذ نعومة أظافره، كما يجب أن يكون دارساً للموسيقى وعلوم التأليف الموسيقى والنظريات، كذلك يجب ان يكون مصرياً عايش المقامات المصرية حتى تأصلت في وجدانه ليستطيع أن يعبر عنها كتابةً، وأن يكون أيضاً قد عايش عمق طقوس الكنيسة القبطية وبخورها وممارساتها الروحية، وعرف طباع المعلمين المرتلين المسلمين لهذه الألحان.لذا فإن المدونات التي قام بها أحد الشمامسة الدارسين لعلوم الموسيقى (له فريق متخصص في الألحان والمزامير) قد لاقت قبولا لدى جميع الموسيقين المتعاملين مع الموسيقى القبطية، وكذلك مع رجال الأكليروس عند سمعاعهم هذه الموسيقى معزوفة من الأوركسترا بالنوتة الموسيقية مطابقة لما يتم إنشاده من المـُـعلمين في الطقوس الكنسية، كما لاقى إستحساناً و قبولاً من المايسترو العالمي “يوسف السيسي” الذي كان قد إنتقد قبلاً وبشدة ما قامت بتدوينه المجرية العالمية ” مارجيت توت” من حليات وزخارف للألحان القبطية، الذي عند إطلاعه على تدويناتها إعترض وإعتبر أن د. مارجيت توت هي أكفأ من يكتب التراث الشعبي للمجر، ولكنها ربما لا تعرف أن تدون تراث الألحان القبطية لأن الذي يدونه يجب أن يكون شماساً دارساً للموسيقى حافظاً لتراث الألحان. وهكذا صار تدوين الأجانب للموسيقى القبطية موضوع نقد، وصار تدوين المصريين الشمامسة الحافظي عن ظهر قلب هذا التراث والدارسي الموسيقى هو الحل الوحيد لهذا اللغز الذي ظل طوالة قرون عديدة موضوع جدل.

إلا أنه هناك وجهتين نظر هامتين، الأولى : تعارض بشدة عملية تدوين التراث القبطي للألحان سواء أن يقوم بتدوينه مصرى أم أجنبى وهؤلاء يستندون إلى أن عملية تدوين تراث الألحان القبطية هى عملية تجميد وتكتيف وتقييد للتراث الموروث بالتقليد الشفاهى الحى فى فم رئيس الكهنة وأفواه المطارنة والأساقفة والقمامصة والقسوس والشمامسة والمرتلين والإكليروس وكل الشعب،ليصبح جامدا فى مداد وورق ثابتا، لا تتحرك ولا تلين نغماته، لا ينمو ولا يحمل ولا يقبل بين أطيافه مشاعر مرنميه التى قد تضيف إليه القليل مثلما يضيف هو إليهم الكثير.

كما يؤكدون هؤلاء على أن عملية التدوين الموسيقى هذه سوف تؤدى بما لا يدع مجالا للشك، إلى أن تصيب فى مقتل حصص الألحان التى فيها يلتف الشمامسة كبيرهم وصغيرهم حول المــُعَلــِـم، الذي يجلس بينهم يشدو بصوته العذب جملة فجملة يرددونها هم خلفه، ثم يكررها وهم يتفاعلون معه ويتقبلون مع اللحن أحاسيسه التى ينقلها إليهم من خلال إنفعالاته وإندماجه ومعايشته للحن الذي يتحور قليلا فى فمه ويتحول قليلا فى آذانهم ويتحاور فيما بينهم، إنه التقليد الشفاهى الذي لم تقوى عليه الحروب أو الإضطهادات وقتما كان يتم هذا التقليد الشفاهى ليس فى غرف مكيفة تطل على حدائق غناء كما هو الحال الآن، بل فى دهاليز مفطوسة تحت الأرض لا يدخل إليها هواء أو نور، ولا يتحرك داخلها سوى أنفاس الشمامسة الذين تكدسوا فى مكان ضيق لا يسعهم ولا يسع مشاعرهم التى توجهت نحو المسيح الحى الذي نقل إليهم هذه البذرة والنبتة الموسيقية الروحية عندما وضعها بذاته فى فم القديس مرقس الرسول فى عليته الكائنة بمدينة صهيون المقدسة التى أحب الرب أبوابها أكثر من جميع مساكن يعقوب. وهذه هى وجهة النظر الأولى ويتبناها مجموعة من المثقفين المؤمنين بقيمة التراث والتقليد الشفاهى، ومن بين هذه المجموعة الدكتور أحمد المغربى مدير المركز المصرى للثقافة والفنون (مكان) “ياسمينا ” سابقا.

أما المجموعة الثانية فتتبنى فكرة تدوين الألحان القبطية على يد شمامسة يجيدون حفظ الألحان القبطية عن ظهر قلب، دارسين للعلوم الموسيقية والتأليف، لهم ملكة التدوين الموسيقي التى تؤهلهم لتدوين مثل هذا التراث. وتتبنى التدوين شريطة أن يتم من التسجيلات التى جمعها الدكتور راغب مفتاح والتى سجلها من فم المرتل المتنيح ميخائيل جرجس البتانونى، والتى قام بتسجيل الكثير منها بخورس معهد الدراسات القبطية الذي كونه خصيصا لهذا الغرض. وهذه المجموعة تشعر بالخطر الشديد الذي يتربص بالألحان القبطية والقادم اليها بسبب: غياب أو ندرة المرتلين المتميزين ذوى الكفاءة العالية فى الأداء أمثال المعلم جاد وفرج عبد المسيح وصادق وتوفيق وفهيم وغيرهم من رموز التعليم والتسليم الدقيق للألحان فى الكنيسة القبطية، وبالتالى التدوين قد يؤدى الى توثيق المعالم الدقيقة لهذه الألحان والتى تتطلب فى تسليمها موهبة موسيقية شديدة وفهم وحكمة روحية طبقا لنص الدسقولية (تعاليم الرسل). وبسبب عدم وجود إختبارات كافية لتأهيل الشمامسة قبل سيامتهم للتأكد من قدرتهم على أداء هذه الألحان والمردات مما أفرخ أعداد هائلة من الشمامسة “الموسيميين” الذين يسمعون الألحان وكأنها غريبة عنهم، لأنه يكتظ بهم صحن الكنيسة فى مواسم الأعياد السيدية الرئيسية الكبرى (الميلاد والغطاس والقيامة) ، ثم يفرغ منهم مكان خورس الشمامسة والهيكل باقى السنة. وبسبب عدم وجود الوقت الكافى لتسليم الألحان والذي أدى الى تغيب الكثير من الشمامسة من حصص الألحان بسبب إنشغالات الحياة الذي أصبح الشباب في كل أنحاء العالم فى شبه دوامة بسببها. وبسبب ظهور بدع لحنية غير معروفة المصدر تطفو الى السطح فجأة بلا مقدمات وبلا مرجعية. وبسبب كثرة الشمامسة الذين يميلون الى الزخارف اللحنية والتى يُضيفونها من قريحتهم أو يضيفونها تمثُلا ببعض القيادات المشهورة فى الالحان.

عزيزي القاريء مازال للحديث عن موضوع التدوين الموسيقي للألحان على النوتة الإعتيادية، بقية في المقال القادم، وإلى أن نلتقي لك مني كل محبة وتقدير.

تاريخ الخبر: 2022-06-07 09:21:53
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 64%

آخر الأخبار حول العالم

هذه وضعية سوق الشغل خلال الفصل الأول من سنة 2024

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:24:54
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 68%

في سوق الأسهم .. هل عليك بيع أسهمك في مايو وإعادة الشراء في نوفمبر؟

المصدر: أرقام - الإمارات التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:24:00
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 36%

انهيار طريق سريع جنوب الصين: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 48 شخصا

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:25:00
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 63%

توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:24:52
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 70%

بين فيتنام وغزة – صحيفة التغيير السودانية , اخبار السودان

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:22:59
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية