يتركز الكاكوز، نحو 250 ألف نسمة، في "وحدة كاكوزيا الإقليمية المستقلة ATUG" في مولدوفا، ولغة الكاكوز هي لغتها الرسمية إلى جانب الروسية والمولدوفية.

وتسكن أعداد كبيرة من الكاكوز في أوكرانيا وروسيا وأوروبا أيضاً، كما انتقل عديد من الكاكوز إلى تركيا، التي أقام معها سكان كاكوزيا علاقات وثيقة.

تاريخ الكاكوز

الفرضية الأكثر انتشاراً وقبولاً عن أصول شعب الكاكوز أنهم من نسل شعوب تركية مثل البجناك والكومان والأوزيس، المعروفة في المصادر الروسية بـ"التوركس"، التي جاءت إلى البلقان عبر الساحل الشمالي للبحر الأسود.

وبناءً على هذه النظرية، فأقرب الشعوب إلى الكاكوز هم تتار القرم والنوغاي، وتتار ليتوانيا، وجميعهم ينحدرون من المجموعة "الشمالية" من الشعوب التركية التي كان أسلافها أساساً قبيلتَي الأوغوز والقبجاق البدويتين.

تنتمي لغة الكاكوز إلى مجموعة الأوغوز، وأقرب اللغات إليها التركية والأذربيجانية ولهجة ياليبويلو التي يتحدثها تتار القرم.

وهكذا، يُعَدّ الكاكوز، حتى بين الشعوب التركية، جسراً بين الأتراك "الجنوبيين" في الأناضول وجنوب القوقاز والأتراك "الشماليين" في شمال البحر الأسود وشمال القوقاز وأقاليم الفولغا السفلى.

الاستقرار في دبروجة

يعتبر كثيرون إقليم دبروجة، وهو اليوم المنطقة الواقعة بين شمال شرق بلغاريا وجنوب شرق رومانيا، الموطن الأصلي للكاكوز.

ورغم أن اسم "الكاكوز" العرقي الذي يُعرفون به لم يظهر إلا في القرن التاسع عشر، يُعتبر القرن الثالث عشر فترة تَشكُّل هؤلاء السكان المسيحيين الأتراك في دبروجة وتراقيا الشمالية.

وبعدها بقرن تَشكّلَت إمارة كارفونا البلغارية المستقلة، في الشمال الشرقي من بلغاريا الحالية، تحت قيادة باليك باي المسيحي الذي يتحدث اللغة التركية وتعود أصوله إلى القبجاق.

وفي القرن 14 بعد إدماج إقليم دبروجة في الدولة العثمانية، أصبح الكاكوز بدورهم رعايا للدولة العثمانية.

ووفقاً للإحصاءات العثمانية لعام 1597، كان هؤلاء "المسيحيون الأتراك" يشكلون غالبية السكان في الإقليم، الذي خلا من البلغار.

وهذا يعني أنه خلال تلك الفترة كانت مدينة فارنا، وسكانها عدة آلاف، مدينة للكاكوز.

وفي نهاية القرن 18 وبداية القرن 19 كان النمو التدريجي لتأثير الإمبراطورية الروسية في البلقان مصحوباً بتدهور الدولة العثمانية.

واقترنت الاضطرابات بين السكان المسيحيين والمسلمين بدعوات روسية إلى إعادة توطينهم في الأراضي المطلة على الساحل الشمالي للبحر الأسود، التي أصبحت مهجورة بعد إعادة توطين قبائل نوغاي.

وعرضت السلطات الروسية على البلغار والكاكوز، الذين اعتبرتهم بلغاراً "متترِّكين" في الإمبراطورية الروسية (من الأدق تسمية هذه الظاهرة "إعادة التتريك") العيش في مناطق قريبة من مليتوبول وفي بيسارابيا، التي هي أوروبا الشرقية في العصر الحديث.

ورغم أن إعادة توطين الكاكوز بدأت في القرن 18، فقد بلغت ذروتها بعد الحرب الروسية-التركية 1806-1812. وبعد الحرب حدث تبادل عجيب للسكان، فنُقل النوغاي في بودجاك إلى دبروجة وأخذ الكاكوز مكانهم.

ولم ينسَ الكاكوز هذه الحقيقة وحافظوا على تراث النوغاي في قراهم، وتجمعهم علاقات ودودة مع النوغاي حتى يومنا هذا. وهم ينشرون كتباً عن تراث النوغاي في بودجاك ويدعون ممثلين عن النوغاي إلى فاعليات تحتفي بتاريخ بيسارابيا.

والكاكوز الذين لم يهاجروا إلى بيسارابيا تفرقوا فيما بعد بين رومانيا وبلغاريا داخل حدود دبروجة التاريخية، وأُعيد توطين آخرين في الإمبراطورية الروسية بعد الحرب الروسية-التركية 1877-1878 وحتى عام 1917.

استقلال الكاكوز

استقر الكاكوز في جنوب مولدوفا حالياً، في منطقة بودجاك، التي أصبحت مركزاً لحراكهم الوطني.

فبعد الثورة الروسية الأولى عام 1905 شكّل الكاكوز لفترة قصيرة جمهورية كومرات المستقلة بعد ثورة فلاحين في يناير/كانون الثاني عام 1906.

وفي 10 يناير/كانون الثاني عام 1906، كتب مراسل صحيفة روسكوي سلوفو: "سيطر الثوار على كومرات التي يبلغ عدد سكانها 10 آلاف نسمة. وأُعلن الحكم الذاتي. وأُطيحَ برجال السلطة واعتُقلوا، وقوة الفرسان لا حول لها ولا قوة، ونائب الحاكم الذي رحل أمس يطلب إرسال فوج ثانٍ".

وكان من ضمن مطالب الثوار تدريس لغة الكاكوز في المؤسسات التعليمية.

شارك الكاكوز أيضاً في ثورة 1917 وحاولوا نيل استقلالهم مرة أخرى، وفي ديسمبر/كانون الأول 1917 ناقش مجلس نواب العمال والجنود والفلاحين في كيشيناو إنشاء جمهورية كاكوز-بودجاك، لكن المبادرة لم تُكلَّل بالنجاح.

وبعد الحرب العالمية الأولى صارت بيسارابيا جزءاً من رومانيا إلى أن أصبحت جزءاً من الاتحاد السوفييتي عام 1940.

لكن الكاكوز لم ينالوا استقلالهم داخل الاتحاد السوفييتي، وأصبحت قرى الكاكوز جزءاً من جمهورية مولدوفا الاشتراكية السوفييتية، وقُسّمَت بين أقاليم كونغاز وكومرات وشادير لونغا وجزء من فولانكيتشي في الجمهورية السوفييتية.

ورغم أن الكاكوز لم ينالوا الاستقلال خلال الحقبة السوفيتية، عملوا جاهدين على تطوير لغتهم وثقافتهم، وابتكروا أبجدية مستوحاة من الأبجدية الكريلية، ونشروا قواميس وكتباً مدرسية وكتباً عادية، وشكّلوا فرقاً موسيقية ومجموعات أداء.

عام 1988 أسس نشطاء كاكوز حركة "كاكوز هالكي" (شعب الكاكوز) وقرروا إقامة دولة مستقلة للكاكوز في مولدوفا، اتخذوا من كومرات عاصمة لها.

وفي أغسطس/آب 1990 أعلنت كاكوزيا استقلالها في كومرات، لكن الحكومة المولدوفية اعتبرت هذا الإعلان باطلاً، ونظمت مسيرة من القوميين المولدوف إلى مدن الكاكوز برفقة وحدات الشرطة، عُرفت باسم "مسيرة كاكوزيا"، ولاقت هذه الخطوة معارضة قوية من الكاكوز لسلطات مولودفا.

وبدأ سكان قرى الكاكوز التعبئة وتسليح أنفسهم بقضبان حديدية وموادّ أخرى لحماية قراهم.

كانت كاكوزيا مدعومة من ترانسنيستريا، التي أرسلت متطوعيها للمساعدة. وانتهت المشكلة في 29 و30 أكتوبر/تشرين الأول: ففي مقابل انسحاب المتطوعين من ترانسنيستريا سحبت كيشيناو القوميين المولدوف من كومرات.

وفي 31 أكتوبر 1990 انعقدت جلسة تنظيمية لمجلس السوفييت الأعلى لجمهورية الكاكوز، وكانت الخطوة التأسيسية لاستقلال الكاكوز حديثاً، واستمرت جمهورية كاكوزيا غير المعترَف بها من 1990 إلى 1994.

بعدها اعتمد البرلمان المولدوفي قانون الوضع القانوني الخاص لكاكوزيا عام 1994، وتأسست وحدة كاكوزيا الإقليمية المستقلة، كاكوز ييري، المكونة من ثلاث مدن و27 قرية.

واليوم يتمتع هؤلاء الأشخاص المتفردون بالقدرة على المساهمة بدور رئيسي في الدبلوماسية العامة بين هذه المجموعات خصوصاً وفي الحوار بين الطوائف والأديان في العالم عموماً.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.



TRT عربي