“التشريعات” لا توقف الكراهية
“التشريعات” لا توقف الكراهية
لاتحدثني عن الكراهية, ولا عن قانون يمنعها, بل حدثني عن فن الحب, فحينما يكون للكراهية أنياب تنهش في أجساد المجتمعات, لن يوقفها قانون فقط, يوقفها فتح الأبواب للحب الذي يسري كالنور ليخترق الحب بينما يقوض سطوعه غل أيادي الحب, التي هي الفن والجمال, والحرية فمازال هناك من يقوض الإبداع ويحرض البعض ضد الشعراء والفنانين, وينتحل البعض صفة الذات الإلهية, وكأن الله يريد محامين علي الأرض, ومازالت المناهج الدراسية تمتليء بنصوص تعلي دينا فوق الآخر, ومازالت التشريعات تحتاج إعادة نظر لسد ثغرات التمييز ومازالت قوانين الأحوال الشخصية تمثل جدارا بين الأبناء بنصوص تنتزع الأطفال من حضن الأم لتسلمهم للأب لأنهخير الأبوين دينا, ولايحق للأبناء اختيار الدين الذي يكملون بقية حيواتهم عليه.
وسط كل ذلك, كان من اللافت جدا ما تم طرحه خلال مؤتمر حوار الأديان الذي انطلق الثلاثاء الماضي, من العاصمة القطرية الدوحة, تحت عنوانالأديان وخطاب الكراهية بين الممارسة والنصوص, حيث أطلق القرة داغي, الأمين العام لاتحاد العلماء المسلمين دعوة لوضع قانون دولي ينص علي منع ازدراء الأديان وتقديمه إلي الأمم المتحدة بهدف الإسهام في مواجهة العنصرية والكرهية! فهل يمكن أن يكون ذلك التشريع سبيلا موفقا؟
وبعيدا عن وجود تشريعات دولية قائمة بالفعل, فالمعاهدات الدولية والصكوك العالمية تجرم التحريض والتمييز وتنادي بالحقوق والحريات,فإن الدعوة لمواجهة الكراهية بالقانون لاتتسق مع فكرة المؤتمر كمنصة لحوار الأديان, لأن هناك أمورا في الحريات مختلف عليها طبقا للشرائع والثقافات, فهذه الدعوة تخلق شقاقا جديدا ولا تسد رأب الصدع, خاصة وأن المتحدثين في المؤتمر أشاروا إلي مسألة الاختلاف في وجهات النظر حول الحريات, وهو ما يعكس أن كل مجتمع يريد حرية علي مقاس ثقافته, وهذا ليس محله نصوصا دولية.
وعلي المستوي المحلي لدينا التجربة المصرية, المادة98 من قانون العقوبات المصري التي تحدد عقوبةالسجن مدة تراوح بين 6 أشهر و5 أعوام وغرامة تراوح بين70و140 دولارا لكلمن استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخري لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار هذه المادة تواجه خطاب الكراهية وليس الكراهية, فهل نجحت في ذلك أم عمقته علي الجانبين؟ هل نجحت في إيقاف دعوات التحريض ضد الآخر الديني علي مواقع التواصل الاجتماعي؟ أم أن الكارهين تفننوا في إيجاد سبل الإفلات والتغطية علي دعواتهم؟ فأي كراهية تلك التي نتحدث عن إيقافها بالقانون الكراهية تنبت في أحضان التشريعات المجحفة. الكراهية لها أرض لا تخطئها أرض شيطانية,لكن الحب الذي نبتغيه لن ينبت إلا في أرض ترويها موازين عادلة تستند للأنسانية أولا.
أن الدعوة لقانون ازدراء عام موحد عالمي,تزيد الطينة بلة كما يقولون إذ يصبخ الفارين من تشريعاتهم المحلية الظالمة ملاحقين في كل بقاع الأرض,لذلك لابد من فتح منافذ لتطهير ترسانة التشريعات المحلية من المواد التميزية, فالقانون لايمنع الكراهية لكنه يردع خطابها التحريضي,القانون لايخلق الحب, لكنه قد يخلق جوا زائفا من التعايش المؤقت, مثل القدور المكتومة التي تنفجر حين يسد البخار مسام الهواء فيها, إن الحب والكراهية محلهما القلب, لاتمنعهما نصوص قانونية, ولاتخلقهما عقوبات, وإنما ضمانات التطبيق العادلة المنصفة بين جميع طوائف الشعب علي مختلف عقائدهم.
[email protected]