تشتهر القرى التركية بالمنازل المميزة ذات النوافذ الصغيرة والمداخل الكبيرة والبلاط الأحمر الجذاب، والتي بُنيَت بالحجارة والطين، مواد البناء التي يمكن العثور عليها بسهولة في المنطقة ويمكن معالجتها بسهولة.

وعلى الرغم من صغر حجمها إذا قورنت بالمباني الحديثة، لكنها تخفي الكثير من الخبايا والأسرار خلف أبوابها الموصدة، مما يجعلها منازل فريدة تعكس روح وجوهر الثقافة التركية الممتدة منذ قرون طويلة. فجميع أنحاء الأناضول مليئة بالمنازل الحجرية التقليدية التي سكنتها أجيال. قد تبدو صغيرة من الخارج، لكن وظائفها كبيرة، خصوصاً إذا فُهمت الأسباب الكامنة وراء بعض الخصائص الغريبة لهذه المنازل.

لذلك، نستعرض في هذا التقرير أبرز سمات بيوت القرى التركية ونفكك أسرارها معاً، ونحاول تتبع الأسباب الحقيقة وراء بنائها بحجم صغير نسبياً

منازل صغيرة

أبرز ما يميز منازل القرى التقليدية المبنية من الحجارة والطين في تركيا حجمها الصغير نسبياً، لكن ما يجعل هذا مفاجئاً للغاية هو حقيقة أنه على الرغم من حجمها الصغير، إلا أن كل منزل صغير يميل إلى استضافة عائلة صغيرة كاملة على الأقل وربما عائلة ممتدة أيضاً.

لكن ما يميز نمط الحياة في القرى التركية هو كرم الضيافة، فمعظم منازل القرى في تركيا تمتاز بالضيافة التي تمتد فيما بينها، كما لو كان لها باب مشترك مع الجيران والأصدقاء والعائلة الذين يكونون فيها بانتظام دون سابق إنذار لتناول الشاي أو الدردشة أو أكثر. وبالتالي، في حين أن المنازل الحجرية نفسها صغيرة، فإن معظمها يحتوي على مناطق جلوس واسعة في الهواء الطلق وأحياناً منصات مبطنة بالوسائد لاستضافة الزوار.

ومن أسباب صغر حجمها ربما يعود إلى التراث البدوي الذي جلبه الأتراك معهم إلى المنطقة. وأيضاً لكون المنازل التقليدية في تركيا صغيرة أسباب أخرى تتمثل في التطبيق العملي لعدم لفت انتباه القراصنة في المناطق القريبة من سواحل إيجة والبحر الأبيض، كما سنشرح لاحقاً.

شيء مهم آخر يميز هذه البيوت، هو أن غالبية منازل القرية قد بُنيت على طريقة "Imece"، وهو مفهوم في تركيا يعني أن أفراد المجتمع يتطوعون بجهودهم ومهاراتهم لبناء شيء ما معاً.

حلقة وصل بين الحضارات القديمة

منازل القرى التقليدية في تركيا مصنوعة من الحجر والطين الذي استعمل لربط الأحجار ببعضها البعض. في كثير من الأحيان. نمط البناء الذي دُرِس يعود إلى زمن الحيثيين، فليس من المستغرب أن تكون مناسبات جرى فيها استخدام أحجار ذات أهمية تاريخية في المنطقة المجاورة لبناء هياكل لاحقة.

في حين أن من المسلم به أن التصميم لم يُفكّر فيه كثيراً، لأن الأعمال الحجرية في هذه المنازل تميل إلى أن تكون بسيطة، فإن طريقة البناء نفسها توفر عزلاً هائلاً في كل من الطقس البارد والحار. يمكن أن يصل سمك الأحجار المستخدمة إلى نصف متر، مما يعني أن هذه المنازل من الداخل أصغر حتى مما تظهر في الخارج.

فيما النوافذ في المنزل التقليدي لا ترقى إلى مستوى المنازل في مبنى حديث من نواح كثيرة، فتميل إلى أن تكون صغيرة وفي واجهة لا تطل على البحر في أغلب الأحيان خوفاً من هجوم القراصنة. ففي القرنين الرابع عشر والسادس عشر، أُنشئت القرى في أعالي الجبال في المناطق الساحلية، فيما بُنيَت نوافذها في زوايا مظلمة بطريقة لا يمكن رؤيتها من البحر عندما يسطع الضوء منها.

سمات مشتركة

سمات مشتركة تمتاز بها بيوت القرى في تركيا (Others)

تحتوي معظم المنازل التركية التقليدية على موقد ضخم (نحو متر مربع) في الهواء الطلق، وتُستخدم هذه المواقد لغرض الطهي وليس لتوفير الحرارة في الداخل. وتُحوَّل هذه المواقد على الفور إلى أفران تعمل بالحطب لخَبْز الخُبز وتحضير الأطباق المنزلية الرائعة المطهية على نار مفتوحة.

وفي تطور تركي آخر، في حين أن الموقد يُستخدم للطهي وهو في الهواء الطلق، فإن المدفأة التي يشار إليها باللغة التركية باسم "سوبا" تُستخدم لتدفئة المنزل. وفي بعض الأحيان، قد تحتوي على فرن خاص لتحضير الطعام، ولكن من المؤكد أن الجزء العلوي منها يستخدم دائماً لغليان الماء وللحفاظ على إبريق الشاي ساخناً على الدوام.

كما تحتوي منازل القرى في تركيا على "الديوان"، الذي يتكون من مقاعد ممتدة من الجدار إلى الجدار تكون عادةً قواعد تشبه السرير مغطاة بالحصائر والوسائد. يسمح هذا النوع من المقاعد للكثير من الناس بالجلوس والنوم بشكل مريح إذا لزم الأمر. وهناك ميل إلى أن تكون مساحة مفتوحة في وسط الغرف، والتي جميعها مغطى بالسجاد.

لكن أهم ما يميز غرف المعيشة في المنازل التقليدية في تركيا مساحات مفتوحة في وسطها صينية نحاسية ضخمة موضوعة على حامل في وسط الغرفة لمشاركة الوجبات. كما تحتوي معظم المنازل التقليدية على مخازن مُعدة بعناية لحفظ الأجبان والمخللات والدبس والمربيات.

TRT عربي