استذكر مؤخرا مهتمون بالشأن التاريخي الثوري محطة مهمة من تاريخ المنطقة و الوطن ، يمكن وصفها بالمعـركة الخالدة و هي معركة ” المرجة ” أو بإسم آخــر ” القـــدح ، وقعت بمنطقة المرجة في أعالي الجبال الفاصلة بين بلديات تلعصة و سيدي عبد الرحمان و أبو الحسن شمال ولاية الشلف ، عام 08 جوان 1958 ، و في رواية أخرى 10 جوان ، على الساعة الواحدة زوالا .
و تعود وقائع المعركة إلى لقاء كان قد تم برمجته من طرف كتيبتين ، الأولى تابعة للولاية الرابعة بقيادة علي برزالي المدعو ” سي عثمان ” ، و الثانية تابعة للولاية الخامسة بقيادة محمـد نجاري المدعو ” سي منور ” ، و هذا بعد خوضهما لمعارك متفرقة مع العدو شرق و غرب مدينة تنس .
حيث تم اللقاء بين مجاهدين الولايتين فعلا ، غير أن العدو الفرنسي اكتشف الأمر بعد وشاية من الداخل و تم تسريب مكان تواجد الكتيبتين ، و بدأ العــدو في إعداد العدة و العتاد انتقاما منهما ، و حاصر المنطقة سريعا لتشــهد تمشيطا واسعا للجــــبال التي تؤدي إلى المـرجة من تنـــس و سيدي عبد الرحمان و اغبــال بتلعصة ، استعان فيها العدو بـ أكثر من 30 طائرة حربية ، إضافة إلى مدافع كانت تضرب من اغبال و سيدي عبد الرحمان و قالول ، ناهيك عن أربع بواخر حربية قصفت المنطقة من البحر .
و أدى هذا التدخل المفاجيء للعدو إلى انقسام مجاهدي جيش التحرير إلى مجموعتين في محاولة لاستدراج العدو إلى موقع المعركة ، بينما تمركز بعض المجاهدين في قمم جبلية للضغط عليه و جعله نقطة للرمي ، و تم على إثرها عملية إطلاق نار كثيف من الطرفين ، و دامت المعركة 8 ساعات أي إلى غاية دخول الليل ، كانت فيها خسائر العدو كبيرة قدرت بـ 350 بين قتيل و جريح و خسائر في العتاد الحربي ، بينما استشهد فيها 25 شهيدا بين مجاهدين و مدنيين إضافة إلى بعض الجرحى من المدنيين …
و يروي الكثير ممن عايشوا الموقعة من مجاهدي تلعصة و سكان المنطقة آنذاك كيف كانت الطائرات تحلق لنقل جرحاهم و موتاهم ، و أن غرور أفراد العدو الفرنسي و ثقتهم المفرطة جعلهم يحضرون نساءهم لمشاهدة مسرحية تعبر عن مجزرة سهلة ، إلا أنهم اصطدموا بواقع مغاير تماما . و يذكر أن العدو اقتحم العديد من السكنات المجاورة للمرجة بعد القصف الجوي للطائرات في محاولة لتتبع المجاهدين ، و تم تعنيف السكان و تعمد إصابة الكثير منهم ، و يروى أن إحدى النساء قتلت جنديا فرنسيا بواسطة عمود خشبي .
للإشارة ، فقد بادرت جمعية الأمل للتوعية و الرقي الاجتماعي بتلعصة بجمع عديد المعلومات حول الموقعة من مصادر رسمية مكتوبة على النصب ، و شهادات حية لمجاهدين و أبناء شهداء و بعض من عايشوا تلك المرحلة التاريخية ، و هي مسجلة في أشرطة و صفحات مكتوبة جمعتها و أطّرتها الجمعية .
و حسب رئيس الجمعية ، فإن الهدف هو تسليط الضوء على تاريخ منسي لمنطقة منسية و معركة لم يحمها النصب التذكاري المهتريء من النسيان ، مؤكدا على ضرورة رد الاعتبار لتاريخ منطقة تلعصة و سيدي عبد الرحمان و ما جاورهما ، و التعريف بمعركة القدح التي تم تهميشها رغم هول أحداثها ، داعيا إلى عدم التركيز على تاريخ مناطق أخرى و تجاهل تاريخ منطقتهم .
يونس . ب