تأمل بمناسبة عيد الثالوث الأقدس
تأمل بمناسبة عيد الثالوث الأقدس
تحتفل الكنيسة الكاثوليكية اليوم بعيد الثالوث الأقدس :
وعيد الثالوث الأقدس هو السرّ المحوري للإيمان المسيحي والحياة المسيحية. وهو المصدر والينبوع لكلّ اسرار الإيمان ، والنور الذي يضيء جوهرها وكلّ جوانبها (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم ٢٣٤) :
الآب الذي خلقنا،
والإبن الذي افتدانا وخلّصنا،
والروح القدس الذي يُحيينا ويقدّسنا.
باسم الثالوث القدّوس تبدأ الكنيسة ومؤمنيها كلّ عمل وقول ومبادرة، ولمجده تُنهي ما بدأت به . ويمارس الأساقفة ومعاونوهم الكهنة خدمتهم المثلّثة التي تسلّموها من الرسل، أساقفة العهد الجديد، جرياً على التقليد الرسولي .
وتقوم هذه الخدمة المثلّثة في الكنيسة على :
١ – الكرازة والتعليم : ” إذهبوا، فتلمذوا كلَّ الأمم” (متى٢٨ : ١٩)
٢ – التّقديس بنعمة الأسرار : ” عمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس ”
٣ – الرعاية برباط المحبة : ” علِّموهم أن يحفظوا كلَّ ما أوصيتكم به ” (متى ٢٨ : ٢٠)
يمارس رعاة الكنيسة هذه الخدمة المثلّثة بسلطان إلهي، هو سلطان المسيح الربّ، وقد منحهم إيّاه، مؤكّداً أنّه هو الفاعل من خلالهم بوعده : ” ها أنا معكم إلى نهاية العالم ” ( متى ٢٨ : ٢٠)
حدّد المجمع المسكوني الأوّل عقيدة الثالوث الأقدس باستعمال ثلاث صفات :
الأولى : ” الجوهر ” أو ” الطبيعة ” للدلالة على الكائن الإلهي في وحدانيّته. فنقول الثالوث الواحد .
نحن لا نؤمن بثلاثة آلهة بل بإله واحد في ثلاثة أقانيم ، الثالوث المتساوي في الجوهر . الأشخاص الإلهيّة لا يتقاسمون الطبيعة الإلهية ، بل كلّ شخص له كلّ الجوهر والطبيعة .
الثانية : ” الشخص ” أو ” الأقنوم ” للدلالة على الآب والابن والروح القدس في تميزهم الحقيقيّ الواحد عن الآخر ، من جهة علاقاتهم الأصليّة :
الآب هو المصدر الذي يَلد، الابن هو المولود، الروح القدس هو الذي ينبثق . فنقول الوحدانيّة الإلهية ثالوث .
الثالثة : ” العلاقة ” للدلالة على أنّ واقع التميز بينهم قائم في الارتباط بين الأشخاص :
الآب مرتبط بالإبن، والابن بالآب، والروح بالاثنين، والجوهر واحد . وكلّ واحد منهم هو كلّه للآخر .
نُعبّر عن إيماننا بالثالوث في إشارة الصليب :
نبدأ بها يومنا وصلاتنا وعملنا قائلين : “باسم الآب والابن والروح القدس” ، إستلهاماً وإستنجاداً وإتّكالاً على الثالوث الأقدس. وننهي يومنا واعمالنا قائلين : ” المجد للآب والابن والروح القدس ” تمجيداً وتسبيحاً وشكراً أيضاً للثالوث القدّوس .
في عيد الثالوث الأقدس، نجدّد إيماننا بالله الواحد والمثلّث الأقانيم :
بالآب الذي أحبّنا وخلقنا ويعتني بنا،
وبإلابن يسوع المسيح ، الذي افتدانا وخلّصنا بموته وقيامته ،
وبالروح القدس الذي يتمّم فينا ثمار الفداء والخلاص، ويحيينا ويقدّسنا.
ونجدّد إيماننا بالكنيسة ، الأم والمعلّمة، التي تلدنا بالمعمودية والميرون المُقدّس لحياة جديدة ، وتغذّي نفوسنا بطعام الكلمة الإلهية ” كلام الله “، وبالإفخارستيا ، القربان المُقدّس ” جسد الربّ ودمه ” ، وتقدّسها بنعمة الأسرار الكنسية السبعة ، والتي من خلال رعاتها، الأساقفة والكهنة، تمارس سلطانها الإلهي المثلّث : التعليم والتقديس والتدبير، باسم المسيح وبشخصه.
فلنصلِّ من أجل أباء ورعاة الكنيسة المقدسة لكي بالغيرة الرسولية والأمانة للمسيح يسوع يمارسوا خدمتهم المثلّثة من أجل أبناء الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسوليّة ، لكي يتلقوا، بروح الطاعة والمحبة للكنيسة، هذه الخدمة، لخلاص نفوسهم وإنعاش مجتمعاتهم بالقيم الروحية والأخلاقية والإنسانية .
ومعاً نرفع المجد والتسبيح والشكر للآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين .