“حظ الأنثى”تقرير للمبادرة المصرية يرصد اشكاليات إرث المسيحيات


تطبيق الشريعة المسيحية فيما يتعلق بقضايا المواريث فيما يتعلق بالتساوي بين الإناث والذكور في الميراث وكذلك بتحديد من هم الورثة المستحقين للميراث… من القضايا المهمة بالنسبة للأسر المسيحية، ونجد الكثير منهم كلما صدر حكما جديدا بتطبيق الشريعة المسيحية في قضايا الإرث يمضوا قدما لاكتساب حقوقهم في هذا الشأن، ويقوموا برفع قضايا للمطالبة بتطبيق الشريعة المسيحية في المواريث. المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اهتمت بهذا الملف على مدار السنوات الماضية، ودعمت بعض الأسر وتبنت بعض الدعاوى القضائية التي تطالب بتطبيق الشريعة المسيحية في الإرث، ومؤخرا قامت المبادرة بإصدار تقرير يرصد ملخصًا لتاريخ النصوص القانونية المنظمة لمسائل الأحوال الشخصية للمسيحيين في مصر.

“حظ الأنثى” هو عنوان التقرير الذي أصدرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وقامت بإعداده هدى نصر الله المحامية بالمبادرة، ويقدم “حظ الأنثى” ملخصًا لتاريخ النصوص القانونية المنظمة لمسائل الأحوال الشخصية للمسيحيين في مصر الحديثة. كما يستعرض أنماط تعامل المحاكم المصرية المختلفة في الأعوام الأخيرة – من الدلتا إلى الصعيد – مع معضلة نصيب المسيحيات من الإرث. ويوضح مدى التباين الذي وسم قرارات هذه المحاكم في ظل غياب كل من الإطار القانوني والتفسير القضائي الجامع.

ومن بين ما يكشفه “حظ الأنثى” أن المسيحيات بصعيد مصر ومحافظات القناة هن الأسوأ حظًا، حيث لم يصدر أي حكم بهذه المناطق يلزم بتطبيق مبادئ الشريعة المسيحية في الإرث. وذلك في حين أن مثيلاتهن بالقاهرة والإسكندرية تمكّنّ من تطبيق مبادئ شريعتهن وحصلن على حقهن في الإرث بالتساوي مع الذكور. بالإضافة إلى هذا، يتضمن التقرير نموذجًا لدعوى دستورية تقدمت بها المبادرة المصرية سعيًا إلى حكم دستوري يقر الحق لصاحباته. وهكذا، يقدم “حظ الأنثى” تصورًا للدور المهم للمحاكم العليا لحسم هذا الوضع الملتبس لتنظيم إرث المسيحيات المصريات، وما يؤدي إليه من تمييز مضاعف، خاصة في ظل عدم إمكانية الطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية، وانفراد كل محكمة استئنافية برؤيتها، لعدم وجود مبدأٍ مستقَر عليه من محكمة أعلى.

لمحة تاريخية عن أحكام وقواعد المواريث

إن المصريين المسيحيين كانوا يطبقوا أحكام وقواعد الميراث إعمالا للأمر العالي الصادر من قبل الخديوية بتاريخ 14 مايو 1884 المعدل بقانون رقم 9 لسنة 1927 الخاص بلائحة ترتيب واختصاصات مجلس الأقباط الأرثوذكس العمومي والأمر الصادر في أول مارس 1902 بشأن الإنجيليين الوطنيين والقانون رقم 37 الصادر سنة 1905 بشأن الأرمن الكاثوليك

إلى أن صدر القانون رقم 25 لسنة 1944 ببيان القانون الواجب التطبيق في مسائل المواريث والوصايا، مقيدا حق المصريين المسيحيين في تطبيق قواعد الميراث المسيحية بأن جعل تطبيق تلك القواعد متوقفا على شرط موافقة الورثة على تطبيقها، ولا ينال من تطبيق تلك القواعد صدور القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية

وبالرغم من هذا التنظيم القانوني الواضح، فإن مبادئ الشرائع الأخرى قد أُغفلت في التطبيق القضائي في مسائل الإرث. فتمسكت المحاكم بتطبيق مبتور لحكم المادة ٨٧٥ من القانون المدني المقررة أن تعيين الورثة وتحديد أنصبتهم في الإرث وانتقال أموال التركة إليهم تسري في شأنها أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة بشأنها. وتطبيقًا لهذا النص تواترت أحكام محكمة النقض على أن أحكام الشريعة الإسلامية والتقنينات المستمدة منها تسري على جميع المصريين مسلمين وغير مسلمين، في شأن المواريث، وذلك على ما تقضي به المادة ٨٧٥ من القانون المدني. كما تواترت على أن قواعد التوريث وأحكامه المعتبرة شرعًا، بما في ذلك تحديد أنصبة الورثة، تُعدُّ من الأمور المتعلقة بالنظام العام، وهو ما حال دون تطبيق الشرائع الأخرى على أصحابها في مسائل الإرث. وذلك رغم أن القانون رقم ٤٤٢ لسنة ١٩٥٥ بإلغاء المحاكم الشرعية والملية – وهو قانون لاحق على صدور القانون المدني أي ناسخ للمادة ٨٧٥ المذكورة – تضمن في الفقرة الثانية من المادة السادسة منه أن القانون الواجب التطبيق في منازعات الأحوال الشخصية لغير المسلمين متحدي الطائفة والملة، الذين كان لهم مجالس ملية قبل صدور هذا القانون، هو “شريعتهم”.

لاحقًا، بعد إقرار المادة الثانية من الدستور المصري الصادر سنة ١٩٧١، بات تطبيق الشريعة الإسلامية في توزيع الميراث وتوزيع الأنصبة أمرًا مفروضًا على المصريات والمصريين المسيحيين، تطبقه المحاكم من تلقاء نفسها. واستمر ذلك حتى تناسى الأقباط أحكام شريعتهم المسيحية في استحقاق وتوزيع الإرث، وتوالت أجيال من الأقباط لا تعلم عنها شيئًا. وفي محاولة للتحايل على هذا الواقع الغريب، درج الكثير من المسيحيين المصريين على التغاضي عمَّا يرد بإعلام الوراثة، والقيام بقسمة رضائية وفقًا لمبادئ الشريعة المسيحية بالمساواة بين الذكر والأنثى في الإرث. ومع هذا لاقت أحكام الشريعة الإسلامية قبولًا لدى قطاع كبير من الذكور المسيحيين، لأنها تمنحهم نصيبًا ضعف الإناث، في أغلب الأحوال. أو تفردهم بالإرث، وتحجب النساء، وحاول بعضهم تبرير ذلك بأن لا إرادة لهم في الأمر، إنما هو قانون الدولة الذي تفرضه المحاكم.

وعقب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ صدر دستور ٢٠١٢، مقررًا في المادة الثالثة منه بأن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود، تعد المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية. وبالرغم من أن هذا النص لم يخرج عن التقليد الطائفي الذي يفصل بين المصريين في خضوعهم لقوانين الأحوال الشخصية، إلا أنه على الأقل قد جاء مطلقًا بتطبيق شريعتهم في أحوالهم الشخصية، ولم يشترط مطالبة وموافقة كافة الأطراف على تطبيقها، كما في قانون الميراث. وعلى هذا الأساس، تعد المادة الثالثة مقيدة لحكم المادة الثانية من الدستور التي تقرر أن “الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”.

كما صدر دستور ٢٠١٤ الأخير متضمنًا المادة الثالثة في الحكم ذاته. وهكذا فإن نص المادة الثالثة من دستور ٢٠١٤ قيد أيضًا حكم المادة الثانية منه فأحكام الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، فيما عدا ما نصت عليه المادة الثالثة. وعليه يصبح المصدر الرئيسي للتشريع في مسائل اﻷحوال الشخصية فقط بالنسبة للمسيحيين واليهود المصريين هو “مبادئ شرائعهم”.

لائحة 1938 للأقباط الأرثوذكس

تحدد لائحة ١٩٣٨ للأقباط الأرثوذكس الورثة في قسمين: قسم يحصل على سهم معين من التركة في أحوال معينة، ويشمل الزوج والزوجة، وهو ما يعرف “بالفروض”؛ وقسم آخر يحصل على كل التركة، أو على ما يتبقى منها بعد “فرض” الزوج أو الزوجة، وهم ٧ طبقات تحجب كل واحدة منهم التالية لها تمامًا. وتتوزع هذه الطبقات كالتالي:

الطبقة اﻷولى: الفروع/الأبناء

الطبقة الثانية: الوالدان

الطبقة الثالثة: الأخوة وفروعهم

الطبقة الرابعة: الأجداد

الطبقة الخامسة: اﻷعمام واﻷخوال وفروعهم

الطبقة السادسة: آباء الأجداد

الطبقة السابعة: أعمام اﻷبوين وأخوالهما

وقد ساوت نصوص لائحة اﻷقباط الأرثوذكس لسنة ١٩٣٨، بين اﻷنثى والذكر في اﻷنصبة الميراثية في حالات معينة؛ فقد ساوت بين نصيب الزوجة والزوج، والابنة والابن، والأخ والأخت. غير أنها قررت أنصبة مختلفة بين اﻷم واﻷب، حيث تنال اﻷم نصيب الثلث، بينما ينال اﻷب الثلثين (المادة ٢٤٦)، وكذلك حددت نصيب الثلث للأخوال والخالات، بينما حددت نصيب الثلثين للأعمام والعمات (المادة ٢٤٩). وبذات الطريقة يتم توزيع اﻷنصبة بين آباء اﻷجداد والجدات (ثلثين للجد وثلث للجدة، المادة ٢٤٨)، وبين آباء الأجداد وأخوال اﻷبوين وأعمامهم. وكما هو واضح، فهذه القواعد لا تطبق المساواة بين الأنثى والذكر في كافة الحالات، فقد اقتصرت المساواة بين اﻷنثى والذكر، في الفروض (الأزواج والزوجات) والفروع (اﻷبناء و البنات) واﻷخوة واﻷخوات. في المقابل تقع التفرقة بين اﻷنثى والذكر في الإرث، واعتماد قاعدة “للذكر مثل حظ اﻷنثيين” في أحوال أخرى، كما في حالة نصيب الثلثين للأب ونصيب الثلث للأم. ويتم التفريق على نفس المنوال بين الأقارب من ناحية الأب والأقارب من ناحية الأم وبين الجد والجدة.

وهذا الترتيب لا يخرج في جوهره عما تقره الشريعة الإسلامية في حصر الإرث بين أصحاب “الفروض، والعصبات، وذوي الأرحام”. فلا نجد أن لائحة الأقباط الأرثوذكس تبيح توريث من لم تربطهم صلة قرابة أو رابطة شرعية بالمتوفى، كما أن ذات اللائحة تمنع توريث المتبنى.

لكن اللائحة تختلف في بعض التفاصيل عن الشريعة الإسلامية. فعلى سبيل المثال، لو أن المتوفى لم ينجب سوى ابنة واحدة، فسوف تستحق هذه الأخيرة الميراث كاملا، وتحجب باقي الورثة، بينما يقتصر نصيبها في الشريعة الإسلامية على النصف ويتوزع النصف الباقي بين الورثة الآخرين. وكذلك عند وفاة شخص وانحصار الإرث في الإخوة، وكان أحد الإخوة أو الأخوات متوفيًا فإن فروعه تستحق نصيبه كاملًا، وفقًا للائحة ١٩٣٨، بينما لا تعد فروع المتوفى من الورثة من مستحقي الإرث في الشريعة الإسلامية.

تسعة أعوام من التقاضي

بعد مرور ٩ سنوات من إدراج المادة الثالثة بدستور ٢٠١٢ و٧ سنوات من إدراجها مرة أخرى بدستور ٢٠١٤، بتطبيق شرائع المسيحيين واليهود في مسائل أحوالهم الشخصية، اقتصرت المنازعات القضائية المطالبة بتطبيق هذا النص في مسائل الإرث على عدد من المواطنات المنتميات لطائفة الأقباط الأرثوذكس دون غيرهم من الملل والطوائف المسيحية في مصر. ولازال الموقف من تطبيق نص المادة الثالثة من دستور ٢٠١٤ يتباين ويتفاوت من بين محكمة ابتدائية أو استئنافية وأخرى، نظرًا لغل يد محكمة النقض عن إصدار مبدأ في الموضوع كما سبق الذكر بعد صدور القانون رقم ١٠ لسنة ٢٠٠٤. ويشمل التباين جانبين أساسيين من المعضلة. الجانب الأول يختص بتعيين المستحقين للإرث ابتداءً، والثاني يتعلق بتوزيع أنصبة الإرث بين هؤلاء المستحقين.

وقد جاءت محاكم القاهرة والدلتا والإسكندرية اﻷكثر تفعيلًا لنص المادة الثالثة من الدستور الحالي في مسائل الإرث، وإن كان التطبيق جزئيًا ومنقوصًا، مقتصرًا على توزيع الأنصبة بالسوية بين الأنثى والذكر، لكن بين الأشخاص الذين يعتبرون من الورثة وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية. ولم يشمل ذلك تعيين الأشخاص الذين يعدّون من الورثة وفقًا لمبادئ الشريعة المسيحية الواردة في لائحة اﻷقباط الأرثوذكس الصادرة ١٩٣٨. في المقابل رفضت محاكم الصعيد والقناة تطبيق هذا النص من الأصل، سواء في جانب التعيين أو توزيع الأنصبة، بشكل كامل ولأسباب مختلفة.

توصيـات تقرير “حظ الأنثى”

في نهاية تقرير “حظ الأنثى” كان من التوصيات المهمة: سرعة إصدار قانون موحد للأحوال الشخصية للمسيحيين يتضمن نصوصًا منظمة للإرث، حتى لا يترك اﻷمر لتفسير وتأويل القضاة بدون نص تشريعي يساعد على التفسير المتسق مع الدستور. ويجب على أي تشريع مستقبلي أن يتفادى المساواة المنقوصة بين الأنثى والذكر في الإرث، كما كان الحال باللوائح الملية السابقة لصدوره، وأن يطبق مبدأ المساواة في الإرث في كافة اﻷحوال حتى لا يخل النص بمبدأ المساواة وفرغه من مضمونه.

بالإضافة إلى أهمية تعديل قانون المحكمة الدستورية بإدراج نص يحدد مدةً قصوى للفصل في الدعاوى المنظورة أمام المحكمة الدستورية. فنحن في هذه الحالة التي تعد نموذجًا واحدًا من نماذج عدة للتقاضي الدستوري نجد أن مُدد الفصل في الدعاوى المنظورة أمام الدستورية قد امتدت لعقدين أو أكثر في بعض الحالات.

تاريخ الخبر: 2022-06-13 09:21:24
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 64%

آخر الأخبار حول العالم

بانجول.. افتتاح سفارة المملكة المغربية في غامبيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 00:26:27
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

بانجول.. افتتاح سفارة المملكة المغربية في غامبيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 00:26:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية