يبدو أن الشعب البريطاني لازال متيمًا بالنظام الملكي و فخورًا بالملكة اليزابيث الثانية ( اليزابيث الكساندرا ماري ويندسور )، التي احتفلت مؤخرًا باليوبيل البلاتيني لاعتلائها عرش المملكة المتحدة و أقيمت الاحتفالات في الفترة من 2-5 يونيو، و الدليل على ذلك هو تزاحم عشرات الآلف من المواطنين أمام قصر باكنجهام ليشاهدوا أفراد العائلة المالكة، و هم يقفون لدقائق معدودة بالملابس الرسمية، في حالة من الثبات و استعراض القوة و العظمة. و لعل الشعب هناك لا يزال فخورًا بالملكة كرمز و منصب شرفي و شخصية استشارية، و لكن بعد أن أتمت عامها السادس و التسعين و بعد أن ظهرت عليها علامات الضعف والشيخوخة و تقلص نشاطها في الفترة الأخيرة حتى أنها تغيبت عن حضور افتتاح الجلسة البرلمانية الأخيرة و تغيبت عن حضور قداس الشكر الذي أقيم للاحتفال باليوبيل البلاتيني للملكة في كاتدرائية القديس بولس يوم الجمعة الموافق 3 يونيو، يتسائل البعض هل تتنازل الملكة عن العرش للأمير تشارلز؟

و لكن كيف احتفظت الملكة بشعبيتها على مدى السبعين عامًا الماضية؟ و ما الذي جعل رئيس الوزراء البريطاني الحالي بوريس

جونسون يصفها في خطابه بأنها “الصخرة التي يستند إليها البريطانيون منذ سبعة عقود ” ، و و يصفها أيضًا بكونها ” امرأة رائعة كرست حياتها لشعبها في دول الكومنولث و لفكرة ما يجب أن تكون عليه الملكة الدستورية”، و ما هي صلاحيات الملكة ؟ و ما مصدر دخل العائلة المالكة ؟ و هل تتعرض العائلة للانتقادات ؟

منصب شرفي و مهام كثيرة :

الملكة هي رئيسة الدولة وقسم الولاء يكون للملكة و ذريتها وليس للبرلمان أو الأمة، و تظهر صورة الملكة علي الطوابع و العملات والأوراق النقدية، الملكة هي التي تقوم بتعيين رئيس الوزراء الذي يحظي بدعم من مجلس العموم و قادة حزب الأغلبية و يتولى رئيس الوزراء منصبه بعد لقائه الخاص مع الملكة، و هي العملية التي تعرف بتقبيل اليدين.

صلاحيات الملكة محدودة لأن السلطة التنفيذية تتصرف نيابة عنها مع أنها مختارة من الملكة، فالملكة تقوم بتعيين الوزراء وعزلهم، وتقوم بتنظيم الخدمة المدنية وإصدار جوازات السفر، و إعلان الحرب و صنع السلام، و توجيه أعمال الجيش و التفاوض و التصديق على المعاهدات و التحالفات والاتفاقات الدولية .

و الملكة في بريطانيا هي قائد القوات المسلحة ( البحرية والجيش البريطاني و سلاح الجو الملكي ) و تعتمد المفوضين الساميين و السفراء البريطانيين و تستقبل رؤساء البعثات من الدول الأجنبية .

و للملكة علاقة مماثلة مع الحكومات المفوضية في اسكتلندا و ويلز وايرلندا الشمالية، فهي تعين الوزير الأول في اسكتلندا بناء على ترشيح البرلمان الاسكتلندي، وتعيين الوزير الأول.

في ويلز بناء على ترشيح من قبل الجمعية الوطنية لويلز ، و للملكة حق النقض بالطعن في أي قانون يصدر عن الجمعية العامة في أيرلندا الشمالية إذا اعتبر وزير أيرلندا الشمالية ذلك القانون غير دستوري .

و الملكة لا تستطيع فرض ضرائب جديدة وتحصيلها إلا إذا حصلت على تفويض من البرلمان .

و المعروف أن الملكة اليزابيث الثانية هي الملكة الدستورية ل ستة عشر دولة من مجموع دول الكومنولث ال53 ، كما أنها ترأس الكنيسة الأنجليكانية ، و هي التي تقوم بتعيين الأساقفة و رؤساء الأساقفة بناء على نصيحة من رئيس الوزراء الذي يختار المعين من قائمة المرشحين التي تعدها الكنيسة.

المقر الرسمي للملكة هو قصر باكنجهام و هناك مقر رسمي آخر هو قلعة وندسور، و قصر ويستمينيستر ، و كلارنس هاوس ، و قصر كينسنجتون .

الجدية و الاحترام :

اليزابيث الثانية هي الابنة الأولي لألبرت دوق يورك وزوجته اليزابيث دوقة يورك وهي أكبر من أختها ب 4 سنوات ، و قد جلس ألبرت علي عرش بريطانيا بعد أن تنازل أخاه إدوارد الثامن عن العرش عندما تزوج واليس سمبسون دوقة وندسور ( وهي امرأة مطلقة ) ، و تغير اسم ألبرت ليصبح الملك جورج السادس.

و منذ اعتلاء والدها عرش بريطانيا أصبحت اليزابيث الثانية تشعر بالمسؤولية كولية عهد لأنها الأخت الأكبر، فبدأت تقوم بأنشطة تفقدية و تحصن نفسها بالدراسة و التدريبات حتى تكون مؤهلة للجلوس على عرش بريطانيا، و قد درست اليزابيث الثانية مع أختها مارجريت في المنزل بإشراف والدتهما و المربية الخاصة ماريون كراوفورد ، درست الأميرتان التاريخ و الأدب و الموسيقي و اللغتين الانجليزية و الفرنسية.

قامت بزيارة لفرقة المشاة عام 1943 حيث عينت في العام السابق برتبة عقيد ، وكان ذلك أول ظهور علني منفرد لها ، و هي في السادسة عشر من عمرها ، و في الثامنة عشر عينت كواحدة من خمسة مستشارين للدولة في حالة عجز والدها الملك أو سفره خارج البلاد ، و في عام 1945 انضمت للخدمة الاقليمية الداعمة للمرأة باعتبارها ملازم أول ، و تدربت على قيادة السيارات و الميكانيكا ، ثم تم ترقيتها إلى رتبة قائد فخري .

في عام 1947 سافرت مع والديها في رحلة لجنوب أفريقيا، و في بث إذاعي لدول الكومنولث والذي كان موافقا لعيد ميلادها الواحد و العشرين أعلنت تعهدها، قائلة : أعلن أمامكم جميعا أنني سأكرس حياتي كلها .. سواء كان عمري طويلا أو قصيرا .. لخدمتكم وخدمة امبراطوريتنا العظيمة، تلك العائلة الكبيرة التي ننتمي إليها جميعا .

ورثت اليزابيث الثانية منذ نعومة أظافرها عن والدتها اليزابيث الأولي قوة الشخصية و مواجهة الصعاب وتحمل المسؤولية ، فإبان الحرب العالمية الثانية ( 1939-1945 ) تعرضت لندن للقصف الجوي، و اقترح أحد رجال البلاط أن يتم ترحيل الأميرتين اليزابيث الثانية و أختها مارجريت الي كندا ، فقالت الأم ان الأميرتين لا يمكن أن ترحلا بدون أمهما.

الملكة ، و لا يمكن أن ترحل الأم بدون زوجها الملك جورج السادس ، و لن يترك جورج السادس عرش بريطانيا أبدا ، و هكذا لن يتم ترحيل الأميرتين ، و في تلك الأثناء تم نقل الأميرتين إلى قلعة ويندسور .

كانت الملكة كتومة و مقلة في تصريحاتها ، و قلما تعبر عن آرائها السياسية في أي منتدي عام ، على سبيل المثال عندما حدثت الإضرابات التي قام بها عمال المناجم ( 1984-1985 ) سألها صحفي مجلة التايمز بول روتليدج عن رأيها حول الإضرابات ، فأجابت بأن الأمر يدور حول رجل واحد ( في اشارة إلى آرثر سكارجيل رئيس حزب العمل الاشتراكي ورئيس الاتحاد الوطني لعمال المناجم و هو المحرك الأول للإضرابات ) . و تعرض الصحفي روتليدج لانتقادات كثيرة في وسائل الإعلام لمجرد أنه طرح هذا السؤال !

كلمة السر الأمير فيليب :

تزوج الأمير فيليب من الملكة اليزابيث الثانية و هي في الحادية و العشرين من عمرها لكنها كانت قد قررت في أعماقها أنه فارس أحلامها الذي لن تتخلى عنه أبدا وهي في الثالثة عشر من عمرها ، المعروف أن الأمير فيليب مونتباتن ( 10 يونيو 1921 – 9 أبريل 2021 ) من العائلة الملكية اليونانية و كان أميرا لليونان و الدنمارك و ترتيبه السادس لخلافة العرش منذ ولادته ( و هو يمت بصلة قرابة بعيدة للملك جورج السادس والد الملكة اليزابيث الثانية ) ، و لكن القدر هيأ له حياة جديدة بعيدة تماما عن عرش أبيه ، فعندما هزم اليونانيون هزيمة ساحقة علي يد الأتراك اتهم والده بالخيانة العظمي و تم نفي العائلة إلى فرنسا على متن سفينة حربية، و كان فيليب آنذاك عمره عاما واحدا .

و في السابعة من عمره ذهب إلى إنجلترا ليتلقى تعليمه في المدارس البريطانية، ثم التحق بالبحرية الملكية البريطانية و و دافع عن المملكة في الحرب العالمية الثانية . و عندما كان طالبا في البحرية الملكية كان الملك جورج السادس يصطحب ابنته معه في زياراته للبحرية و بحكم القرابة البعيدة بين العائلتين التقى الأمير فيليب بالأميرة اليزابيث الثانية و بدأت بينهما مراسلات خاصة.

عقد قرانهما عام 1947 رغم عدم موافقة الوالدين في البداية لأن الأمير لم يكن يمتلك أي منصب سيادي أو ثروة على الإطلاق، و مع ذلك سرعان ما فرض وجوده في القصر الملكي و أصبح رقما صعبا و شخصا مهما تبجله زوجته ويحترمه الجميع في قصر باكنجهام و المملكة البريطانية بأكملها.

و الدليل على ذلك وصف الملكة له في يوم الاحتفال بعيد زفافهما الذهبي عام 1997 ، حيث قالت : كان مصدر قوتي و بقائي طوال هذه السنوات، و أنا و عائلته بأكملها و العديد من البلدان الأخري مدينون له بدين أكبر، مما قد نتخيل أو نعرف على الإطلاق . ”

تمتع الأمير فيليب بشخصية حازمة و صارمة مع أبنائه، و لكنه في نفس الوقت كان حكيما لم يسمح بوجود أية ثغرة بينه وبين زوجته مهما كان الموقف صعبا، فعندما تم إعلان اليزابيث الثانية ملكة بريطانيا فور وفاة الملك جورج السادس .. في السادس من فبراير 1952 .. بينما كانت الملكة في رحلة مع الأمير فيليب الي كينيا ، فأثيرت مسألة اسم العائلة المالكة ، فطالب ونستون تشرشل رئيس وزراء المملكة آنذاك و الملكة ماري جدة الملكة الاحتفاظ باسم وندسور، و بناء على ذلك أصدرت الملكة فرمانا بتاريخ 9 أبريل بإبقاء اسم وندسور على العائلة الملكية ، الأمر الذي أزعج الأمير فيليب دوق أدنبره، حيث قال: “أنني الوحيد في هذا العالم الذي ليس من حقه أن يعطي اسمه لأولاده ! ” و مع ذلك لم يصعد فيليب الأمر إلى درجة الخلاف الحاد بينه و بين الملكة .

و بعد وفاة الجدة ماري سنة 1953 ، و استقالة تشرشل عام 1955 حمل فيليب و أبنائه الذكور لقب ويندسور مونتباتن . انه لم يحمل لقب ملك و لكنه كان ملكا بتصرفاته و أخلاقه و تحمله المسؤولية ، شارك الملكة في آلاف اللقاءات و الاحتفالات الرسمية . و بلغ عدد المناسبات و الأنشطة التي شارك فيها وحده أكثر من 22 ألف منذ عام 1952 .

كان فيليب مدافعا عن الحياة البرية و قضايا البيئة و تولي منصب أول رئيس للمنظمة العالمية للطبيعة . وقام بحملات ضد الصيد الجائر في المحيطات . أعلن اعتزاله الحياة العامة في 2017 و شكرته رئيسة الوزراء السابقة تريزا ماي على الخدمات الجليلة التي قدمها لبريطانيا .

رحل بسلام في 9 أبريل 2021 ، قبل شهرين من عيد ميلاده المائة . كتب له الشاعر ريمون أرميتاج قصيدة رثاء بعنوان “البطاركة.. رثاء “، نشرتها العائلة المالكة في حساباتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي.

صوت الأمل في الأوقات العصيبة :

خلال حفل تتويجها و هي في السابعة و العشرين من عمرها عام 1953 قدمت الملكة إلى العالم بوصفها تشكل بداية جديدة لمملكة فقيرة و إمبراطورية متفتتة، فقالت في خطابها في ذلك اليوم :

بما أننا لم نعد قوة استعمارية نحن مازلنا نحاول أن نتقبل ما يعنيه ذلك بالنسبة لنا و بالنسبة لعلاقاتنا مع باقي الدول في جميع أنحاء العالم .

و قد منحت الملكة دعمها لرابطة الكومنولث التي جمعت بين بريطانيا و مستعمراتها السابقة، عن هذه الرابطة قالت الملكة خلال رسالة أعياد الميلاد التي وجهتها للأمة عام 1953 : “الكومنولث لا يشبه بأي شكل من الأشكال امبراطوريات الماضي، أنه تصور جديد تماما، مبني على أسمى الصفات و المعاني الإنسانية: الصداقة و الوفاء و الرغبة في الحرية و السلام “، و أضافت: “لهذا المفهوم الجديد للشراكة المتساوية للأمم و الأعراق سأكرس نفسي قلبا و قالبا في كل يوم من أيام حياتي” .

في عام 1974 الذي شهد إضرابات نفذها الخبازون و ارتفاع معدل التضخم بشكل كبير و قصر استخدام الكهرباء على ثلاثة أيام في الأسبوع، و إجراء الانتخابات العامة مرتين، فضلًا عن حملة التفجيرات التي نفذها الجيش الجمهوري الأيرلندي على الأراضي البريطانية في ذلك العام ارتأت الملكة مجددًا أن دورها يتمثل في بث روح الأمل و رفع المعنويات، فخاطبت شعبها، قائلة: “النية الحسنة خير من الاستياء، التسامح خير من الانتقام، و التعاطف خير من الغضب . ”

و في عام 1978 تعرضت بريطانيا أيضا لأحداث عنف و انقسامات كثيرة نذكر منها الاضرابات التي قامت بها النقابات العمالية و التي أصابت البلاد بشلل تام ، مما أدى إلى تراكم القمامة في الشوارع و عدم دفن الموتى، ففقد حزب العمال الأغلبية في البرلمان ، و أجريت انتخابات عامة سنة 1979 ، وصلت على إثرها مارجريت تاتشر إلى السلطة لتقود حكومة محافظة لمدة 18 عاما ، و نجحت في تحدي نقابات العمال و قامت بتخصيص عدة شركات.

من أهمها بريتيش بتروليوم، و الخطوط الجوية البريطانية ، و بريتيش ستيل و غيرها ، في تلك الآونة كانت الملكة تغتنم الفرص لتشجيع الناس على الالتزام بالقيم الأخلاقية و التفاؤل بقدر الإمكان .

و مع سقوط حائط برلين عام 1989 أرادت الملكة أن تذكر رعيتها بمسؤولياتهم خلال تلك الفترة التي تشهد تغيرات بالغة الأهمية و أن تحذرهم من غطرسة الانتصار، فقالت لهم :

” علينا نحن الذين نزعم أننا نمثل العالم الحر أن ندرك ما تعنيه حقا كلمة الحرية و ماذا نفعل لضمان استمراريتها . ”

في بعض المناسبات تشير الملكة إلى إيمانها المسيحي و تمسكها به ففي رسالة عيد الميلاد التي تبث إلى الكومنولث سنويًا. قالت في عام 2000

” بالنسبة للكثيرين منا، تعتبر معتقداتنا ذات أهمية أساسية. بالنسبة لي، توفر تعاليم المسيح ومسؤوليتي الشخصية أمام الله إطارًا أحاول من خلاله أن أعيش حياتي. أنا، مثل كثيرين منكم، استمد راحة كبيرة من كلمات المسيح وأمثاله في الأوقات الصعبة . ”

ترعى إليزابيث أكثر من 600 منظمة وجمعية خيرية. قدرت مؤسسة شاريتيز إيد أن إليزابيث ساعدت في جمع أكثر من 1.4 مليار جنيه إسترليني للأعمال الخيرية خلال فترة حكمها.

من أين يأتي المال ؟

يبلغ صافي ثروة العائلة المالكة 88 مليار دولارا ، ووفقا لتقرير أعده موقع ياهو نيوز الأمريكي فان ثروة الملكة اليزابيث تبلغ 600 مليون دولارا ، و الأمير تشارلز 100 مليون دولارا ، زوجته كاميلا باركر 5 مليون دولارا ، و شقيقه أندرو 82 مليون دولارا ، و الأمير ادوارد 45 مليون دولارا ، الأمير هاري 40 مليون دولارا و زوجته ميجان ماركل 10 مليون ، الأمير وليام 40 مليون دولارا ، وزوجته كيت ميدلتون مليون 10 مليون . أما أغرب رقم فهو ثروة الأمير الطفل الصغير جورج الثالث ابن ويليام و حفيد الأمير تشارلز ، ثروته 4 مليار دولارا !

بالإضافة إلى المحفظة العقارية التي تضم القصور الملكية فإن الملكة بصفتها رئيسة الدولة تمتلك مجموعة من الأراضي و الأصول التي تشمل مضمار سباق أسكوت للخيول و هو جزء كبير من وسط لندن ، و نصف الشاطيء الأمامي ( الأراضي الساحلية الواقعة بين علامتي المد المرتفع و المنخفض ) في انجلترا و ويلز و أيرلندا الشمالية ، لكن ملكية التاج تدار بشكل مستقل و تذهب أرباحها للحكومة ثم تعاد بعض أرباح هذه الممتلكات إلى الأسرة المالكة .

و تتلقى الأسرة المالكة أيضًا منحًا حكومية للمساعدة لتغطية السفر و الاتصالات و صيانة القصور، و منذ عام 2016 أصبحت تسمى منحة سيادية بنسبة 25 في المائة من أرباح عقارات التاج ، بلغ قدر هذه المنحة في العام الماضي حوالي 82 مليون جنيه استرليني . و ستنخفض هذه النسبة إلى 15 في المائة بحلول عام 2027 بعد الانتهاء من تجديد قصر باكنجهام .

و تحصل الأسرة على دخل دوقيتي لانكستر و كورنوال ، و تبين في عام 2017 أن دوقية لانكستر استثمرت الملايين في صندوق جزيرتي كايمان و برمودا الذي يعتبر ملاذًا ضريبيا .

و المعروف أن الضرائب لا تفرض على الملكة لكنها تدفع طواعية ضريبة الدخل و الضريبة علي أرباح رأس المال منذ عام 1992 .

ممتلكات غريبة :

عندما نتحدث عن امتلاك الملكة اليزابيث الثانية لمجموعة من أفخم و أغلى التيجان في العالم ، و أكبر مجموعة من القلادات من اللؤلؤ الحر ، و مجموعة من البروشات و الأقراط و الخواتم المرصعة بالألماس فهذا شيء طبيعي بالنسبة لملكة ، و عندما نتحدث عن أنواع

الكلاب التي يتم تربيتها في القصر الملكي و العدد الهائل من الخيول باهظة الثمن فربما يكون ذلك مقبولا ، و لكن عندما نعرف أن الملكة تمتلك كل البجع و الدرافيل و الحيتان في المياه البريطانية فهذا أمر يثير الدهشة !

تمتلك الملكة كل البجع الموجود في نهر التايمز. فكل بجعة غير مملوكة لأحد بعينه تعود للملكة و البعض لولي العهد. كما يتم إعطاء البجع الرعاية الصحية الكاملة و يوضع طوق حول رقابهم بالهوية و الرقم الخاص بكل بجعة. و يقوم بذلك حارس البجع الملكي، و لابد أن يكون أستاذا لعلم الطيور بقسم الحيوان بجامعة أكسفورد .

وتسيطر الملكة أيضا على الحيتان و الدرافيل في المياه المحيطة بالمملكة البريطانية ، بل

تفرض سيطرتها على كل الحيوانات المائية و ذلك حسب قانون يعود إلى عام 1324، خلال فترة حكم الملك إدوارد الثاني. و مازال القانون سارياً ففي عام 2004 تم التحقيق مع صياد أيرلندي بعد صيده لسمكة سمكة إسترجون (حفش) طولها عشرة أقدام !

سياح في القصر الملكي :

رغم أن القصور التي تعيش فيها العائلة المالكة ملك للدولة ولا يمكن بيعها إلا أن هناك بعض الممتلكات الخاصة بالعائلة مثل قصر ساندرينجهام ، و هو بيت ريفي يقع علي 20 ألف دونم بالقرب من قرية ساندرينجهام بمنطقة ساحل نوفولك ، و قلعة بالمورال التي تشغل مساحة الأراضي الزراعية فيها 50 ألف فدان .

أما قصر باكنجهام فهو المقر الرسمي للملكة في العاصمة لندن في حي ويستمنستر ، و الذي يتم فيه استقبال رئيس الوزراء مرة كل أسبوع و شخصيات حكومية و الدبلوماسيين الأجانب و شخصيات عامة منشغلة بالأعمال الخيرية ، و منذ عام 1993 أصبح من الممكن لعامة الشعب دخول القصر و القيام بجولات سياحية من خلال تذاكر تتراوح أسعارها ما بين 33 – 60 جنيها استرلينيا .

جدير بالذكر أن القصر يحتوي 775 غرفة منها 188 غرفة نوم للموظفين ، و 92 حجرة مكتب و 52 حجرة ملكية ، و 19 حجرة حكومية و 78 حماما ، و لنا أن نتخيل حجم رواتب الموظفين في ذلك القصر بداية من عمال النظافة و عمال العناية بخيول الملكة ، إلى مدير صفحات التواصل الإجتماعي الذي يتقاضى 71 ألف دولارا . و المعروف أن قلعة بالمورال أيضا تفتح أبوابها للسياح .

يذكر أن جميع دول الكومنولث احتفلت باليوبيل البلاتيني ، و في هذا الصدد قام رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز .. رغم أنه من مؤيدي فكرة انتقال أستراليا إلى النظام الجمهوري .. بتغيير اسم جزيرة آسبن لتصبح ” جزيرة الملكة اليزابيث الثانية ” تكريما لها بمناسبة اليوبيل البلاتيني وذلك في احتفال تضمن اضاءة المباني و المعالم الأثرية الشهيرة في جميع أنحاء البلاد باللون الأرجواني ، و شمل حفل افتتاح الجزيرة إطلاق 21 طلقة و طائرة تابعة لسلاح الجو الملكي الأسترالي .

الملك القادم :

و يعتبر الكثيرون أن الاحتفال باليوبيل البلاتيني للملكة اليزابيث الثانية هو وداع لحقبة ملكية اتسمت صاحبتها بالحكمة و الاحترام في جميع أنحاء المملكة ، و في جميع أنحاء العالم

فعلى مدى السبعين عاما الماضية التي جلست فيها اليزابيث الثانية على عرش بريطانيا لم تجرؤ أية صحيفة أو أية مجلة أو أي من وسائل الإعلام في العالم أن تنشر أية اشاعات عن الملكة تمس حياتها الشخصية أو أخلاقها أو تمس سمعتها أو احترامها لذاتها .

الأمير تشارلز (73 عاما ) .. أمير ويلز .. هو الملك القادم ، و تحاول زوجته كاميلا باركر .. دوقة كورنوال .. من خلال أنشطتها الاجتماعية و الخيرية .. أن تحظى بتعاطف من الشعب البريطاني الذي يعلم انها السبب الرئيسي في طلاق الأميرة ديانا ، و قد منحت الملكة يوم الاثنين الماضي الموافق 13 يونيو تشارلز و كاميلا “وسام الرباط ” ، و هو أعلى رتبة في أوسمة الفروسية في نظام التكريم البريطاني .

و لعل من يتابع أخبار العائلة المالكة باستمرار يدرك أن بعض الأبناء و الأحفاد و بعض زوجاتهم تسيطر عليهم حالة من التمرد على التقاليد و المبادىء المحافظة ، بدءا من طلاق تشارلز و ديانا و زواجه من امرأة مطلقة ، مرورا بفضيحة الأمير أندرو الذي اتهم بالاعتداء الجنسي على فتاة أمريكية في لندن كانت في السابعة عشر من عمرها عام 2001 ، و الأمير هاري ابن تشارلز و ديانا الذي رحل مع زوجته ميجان

الممثلة و التي أعلنت أنها ستعود إلى التمثيل بعد رحيل الأسرة من قصر باكنجهام ، و لم يكتفي هاري بالرحيل بل ظهر في لقاء تليفزيوني مع المذيعة الأمريكية أوبرا وينفري و اتهم العائلة المالكة بالعنصرية !

و ستظهر لنا الأيام القادمة هل يستطيع الأبناء الحفاظ علي عظمة التاج البريطاني أم أن مغامراتهم و سعيهم وراء الحرية و رغباتهم في كسر جميع القيود و عدم الالتزام بالتقاليد الملكية و قواعد الكنيسة الأنجليكانية .. ستشغلهم عن التاج البريطاني !