سوق الأسهم أم الشركات الناشئة .. أيهما أولى بتوجيه أموالك إليه؟ ولماذا؟

"حسنا، يمكننا تأكيد أنه كان على الدوام يسبق الجميع، يرى ما لايرونه، ويدرك الأمور بشكل مبكر وهذا هو سر تميزه" هكذا وصف الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" أحد أهم المستثمرين الأمريكيين ويدعى "بيتر ثييل" وهو مليادرير اشتهر بالاستثمار في الشركات الناشئة، وذلك خلال تجمع انتخابي عام 2016.

 

ولهذا الوصف أسبابه ومنها قيام "ثييل" بدفع نصف مليون دولار عام 2004 في شركة "ذا فيسبوك" وذلك قبل عام واحد من تغيير الشركة اسمها إلى "فيسبوك". وفي عام 2012 أصبحت قيمة حصة "ثييل" ملياري دولار كاملين ليقرر بيع حصته وقتها ليستخدم الأموال في "شركات لاتزال تعد بمستقبل أفضل".

 

 

عائد 4000%

 

على الرغم من أن أسعار الأسهم استمرت في الارتفاع بعدها بما قد يدعو البعض لاعتبار أن المستثمر الأمريكي فقد فرصة ببيع الأسهم مبكرًا، إلا أنه لم يكن ليحقق ما حققه في السنوات الثماني الأولى بتحقيق عائد بلغ 4000% على استثماراته، أي عائد 500% سنويًا.

 

ولذا سحب استثماراته للبحث عن معدل ربحية عالي للغاية لم يكن ليحققه في "فيسبوك" بعد استقرار الشركة وفقدانها لصفة "الناشئة" (وربما يعكس تراجع الشركة مؤخرا سداد وجهة نظره).

 

و"ثييل" اشتهر أولا باستثماره في "باي بال" كأحد المؤسسين لها منذ عام 1998 ومازال أحد أهم المساهمين فيها وعضو في مجلس إدارتها، ومنذ ذلك التاريخ والرجل مولع بفكرة الاستثمار في الشركات الناشئة لما توفره من عائدات استثائية لا يمكن تحقيقها –عادة- في سوق الأسهم.

 

وتتوافر الكثير من البيانات التي تشير إلى أن الاستثمار في الشركات الناشئة كثيرًا ما يكون أعلى ربحية بكثير من نظيره في سوق الأسهم، بما يدعو للتساؤل هل أصبح الوقت مناسبًا للتوجه بالكلية نحو الشركات الصغيرة الناشئة بوصفها بديل لسوق الأسهم أم أن الأمر يتعد هذه الفكرة المبسطة.

 

وتكشف دراسة لجامعة "ويلميت" على 1200 مستثمراً في مراحلهم الأولى على مدى 15 عامًا أن الاستثمار في الشركات الناشئة يولد بالمتوسط نسبة 27% أرباحًا سنوية بينما تصل النسبة إلى 9% فحسب في سوق الأسهم وتصل إلى 4.5% في سوق السندات.

 

 

وتشير هذه الدراسة بالتالي إلى أن متوسط عائد الاستثمار في الشركات الناشئة يبلغ ثلاث أصعاف مثيله في الأسهم و6 أضعاف مثيله في السندات.

 

وفي المتوسط حققت الشركات العملاقة عائد 29% من عمليات ضم الشركات الصغيرة الناشئة العاملة في نفس المجال، وذلك حتى بما فيها بعض الشركات التي لم تكن ناشئة بالمعنى وقتها مثل ضم "ميتا" لـ"انستجرام" و"واتس آب" وضم "مايكروسوفت" لـ"لينكد إن".

 

مخاطر

 

لكن الاستثمار في الشركات الناشئة محفوف بالمخاطر، لإن شركة من كل 10 فقط من الشركات الناشئة تستمر، ولا يحقق منها النجاح الكبير إلا شركة من كل 25، بما يؤشر لطبيعة المخاطرة الكبيرة التي تقترن بالاستثمار في الشركات الناشئة.

 

كما تزداد المخاطرة في قطاعات بعينها، فعلى سبيل المثال عندما يتعلق الأمر بتطبيقات التكنولوجيا فإن نسبة التطبيقات التي تستمر أكثر من عامين لا تتعدى 10% من الشركات، ولا تبقى إلا 1% من التطبيقات على مستوى تجاري لأكثر من 5 سنوات، فالكثير منها يببقى في مستوى متوسط بلا زيادة فعلية في القيمة باستثناء نمو سنوي محدود لا يعطي حافزًا للمستثمرين للاندماج في تلك الشركة.

 

وفي بعض الحالات تكون المخاطرة هنا بمثابة "رهان" بمعنى الكلمة، فإما يربح المستثمر "كل شيء" أو يخسر "كل شيء" حيث تشير دراسة إلى أن 52% من المستثمرين في الشركات الناشئة لا يستعيدون أيًا من أموالهم المنفقة في الاستثمار ويحصل بعضهم على ما لا يتجاوز 1-10% من استثماراته ويفقد البقية بالكامل.

 

فالكثير من الشركات الناشئة تتسم بعدم الرشادة من جهة في النفقات، فقد يميل إلى توظيف بعض الناس بمرتبات عالية للغاية لأنه "يحبهم" أو لأنه "لا يرى لهم بديلا"، وفي كثير من الأحيان ما تكون النفقات الجارية وليست الرأسمالية هي غالبية النفقات في الشركت الناشئة بما يجعل استعادتها إذا ما فشلت الشركة مستحيلًا، خلافًا للأصول التي يمكن تسييلها وتظل تحظى بقيمة حتى وإن تراجعت حال إفلاس الشركة.

 

 

ولكي يحقق المستثمر عائدا ايجابيا بشكل شبه مؤكد فإنه عليه أن يستثمر في 6 شركات ناشئة –بعد دراسة وافية- لإن الاستثمار في شركة واحدة يحمل مخاطرة عالية للغاية حتى مع إجراء الدراسات اللازمة في ظل الضعف النسبي الذي تكون عليه الشركات الناشئة أول الأمر من جهة وعدم وضوح العديد من العوامل حولها وتأثرها الشديد بالعوامل الخارجية.

 

أما تنويع الأصول بين 50 شركة ناشئة فهو الضامن لتحقيق "معجزات" الشركات الناشئة والتي تصل لحد مضاعفة رؤوس الأموال في سنوات قليلة ونمو الشركات الكبير للغاية في فترة قليلة والحصول على عروض ضم من جانب شركات عملاقة تفوق القيمة السوقية للشركة بكثير.

 

صعوبات أكبر

 

وعلى ذلك فهناك ملاحظة هامة للغاية تتعلق بصعوبات الاستثمار في الشركات الناشئة على حساب الاستثمار في البورصة، فعلى الرغم من الوقت الطويل الذي يجب على المستثمر الجاد قضائه في تحليل سوق الأسهم للوصول لأفضل اختيارات في الشراء والبيع والاحتفاظ، إلا أن الوقت المستغرق في الشركات الناشئة أكبر كثيرا.

 

ففي الشركات الناشئة لا توجد بيانات جاهزة بل عليك السعي وراء البينات ولا توجد قوائم مالية معدة، ولا تحليلات لمحللين وخبراء ولا الكثير من المواقف السابقة التي تعين المستثمر على تكوين مواقفه المستقبلية، ولكن يعتمد الأمر على قدرة المستثمر على قراءة الوضع الحالي واكتشاف ثغرات في السوق يمكن للشركة الناشئة سدها بما يجعلها تواجه منافسة قليلة تسمح لها بالتوسع.

 

وبالحديث من المنافسة، يبالغ كثيرون في عدم وجود منافسة للشركة الناشئة ويتحمسون بالتالي لدعمها، ويجب التحسب أيضا إلى المناسبة "سهلة الظهور"، ومن ذلك اضطرار الكثير من الشركات الأمريكية الناشئة إلى إغلاق أبوابها بالكامل في مجال توصيل الطعام والبضائع (للأشخاص وليس الشحن).

 

 

فمع إقرار شركتي النقل التشاركي الرئيسية في البلاد "أوبر" و"ليفت" لخدمات توصيل لغير الأفراد مثل "أوبر إييتس" و"ليفت أوفر" وغيرها، مع تمتع تلك الشركات بميزة الحجم التنافسية واعتياد المستخدم عليها اصبحت فرص تلك الشركات الناشئة في مجال "توصيل كل شيء" ضعيفة لتبقى بعض الشركات التي تعمل بنظام العروض بالأساس.

 

رأسمال مختلف

 

وهناك أيضا فكرة أن الاستثمار في الشركات الناشئة يحتاج رأس مال أكبر، فهيئة أسواق المال الأمريكية مثلا تضع حد استثمار أدنى عند 2200 دولار وأقصى عند 107 آلاف دولار للأشخاص للاستثمار في العام في الشركات الناشئة بينما لا يوجد مثل هذا القيد في حالة البورصة.

 

ويكون وضع حد أدنى للاستثمار في الشركات الناشئة حتى لا يصبح المستثمرين فيها بالآلاف بما يصعب التعامل معها ويجعلها محل لتلاعب ممكن، بينما يرجع وضع حد أعلى للاستثمار إلى ما سبق ذكره حول احتمال تراجع قيمة الاستثمارات لتصل صفرًا في الكثير من الحالات بما يجعل الهيئة تربط هذا النوع من الاستثمار "المغامر" بمستوى الدخل.

 

وهناك عنصر اختلاف آخر بين الاستثمار في سوق الأسهم والشركات الناشئة، أنه في حالة البورصة يتم تحديد سعر الأسهم بناء على العرض والطلب وآليات السوق، دون تدخل فعلي من المستثمر –على الأقل الصغير- بينما في حالة الشركات الناشئة تكون نسبة الحصول على الأرباح والنسبة من رأس المال ومال إلى ذلك خاضعة بالكامل للقدرات التفاوضية لمؤسس العمل والمستثمر ولكل حالة مزاياها وعيوبها.

 

كما أن الكثير من المعلومات قد تكون خفية عن الستثمر في سوق الأسهم، مثل نوايا مجلس الإدارة، اتجاه المدير التنفيذي، خطط النمو والتوسع، خطط التسعير والمنافسة، ولكن في حالة الاستثمار في الشركات الناشئة فإن المستثمر يكون على علم بذلك كله بل قد يشارك كثيرًا في وضع الخطط والتوجيهات بصفته شريك برأس المال.

 

ولعل هذا هو "مايك ماكولا" ليكون أول مستثمر في"أبل" عام 1977 حيث دفع ربع مليون دولار وحصل بذلك على ثلث الشركة لأنه –وكما يقول- رأي بوضوح ما يمكن أن تكون عليه الشركة لاحقا بناء على رؤيته لخططها وتقييمه لشخصيات القائمين عليها وقرر الاستثمار فيها بناء على ذلك.

 

وفي عام 1980 ومع طرح الشركة للاكتتاب العام تحول الربع مليون دولار الذي أنفقه "ماكولا" قبل 3 سنوات إلى203 ملايين دولار في واحد من أفضل الاستثمارات في الشركات الناشئة عبر التاريخ بسبب رؤية الرجل لمستقبل الاستثمار في الشركة الواعدة حينها (عائد 81200% في ثلاث سنوات).

 

تحذيرات هامة

 

ويحذر كثيرون أنه في حالة الاستثمار في الشركات الناشئة فإنه من المهم للغاية ألا يعتمد المستثمر على عواطفه، بأن يقرر الاستثمار في شركة لإعجابه بطريقة صاحبها أو ذكائه، كما أن عليه أن يتبع نفس مبدأ التنويع بعد الاستثمار في أكثر من شركة ناشئة في نفس القطاع.

 

 

وهناك عنصرين هامين للغاية ايضا يجب أن يحوزا تفكير المستثمر في الشركات الناشئة الأول يتعلق بالقدرات المحتملة للشركة على التوسع في المستقبل، حيث أن الشركات الناشئة تتعلق بالأساس بالقدرة على توسيع قاعدة المستهلكين /المستخدمين وليس الأرباح في أول الأمر.

 

والعنصر الثاني هو أن تكون الشركة قادرة على توفير تمويل يعينها على البقاء على الأقل لثلاث سنوات حتى تصبح التدفقات المالية للشركة مكافئة لتلك الخارجة منها، واحيانا تصل تلك الفترة لـ5 أو 7 سنوات ولكن موقف الشركة بعد 3 سنوات قد يتيح إدخال مستثمرين جدد بشروط جيدة للشركة لتصبح تلك هي الفترة الأكثر خطوة في ظل عدم استمرار غالبية الشركات الناشئة أكثر من عامين.

 

وعلى ذلك فإن الاستثمار في الشركات الناشئة قد يكون واعدًا للغاية، فقد تتمكن من إيجاد "أبل" المقبلة، كما أنك قد تستثمر في شركة من 9 شركات من أصل 10 تخسر وتفشل في الاستمرار، ويستلزم الأمر قدرًا أكبر من استثمار الوقت والجهد والمتابعة وأحيانا "التورط المباشر" في حالة الشركات الناشئة عن سوق الأسهم لتبقى خير تعبير عن أن المخاطرة تتناسب طرديًا مع العائد، وأن المخاطرة تقل كثيرًا مع الدراسة الوافية.

 

 

المصادر: أرقام- سي.إن.بي.سي- إيكونوميست- ذا بالانس- دراسة لجامعة "ويلميت" بعنوان "الاستثمار في الشركات الناشئة"

تاريخ الخبر: 2022-06-17 09:23:02
المصدر: أرقام - الإمارات
التصنيف: إقتصاد
مستوى الصحة: 39%
الأهمية: 41%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية