أكد خبراء ومختصون اقتصاديون أن الترويج للمقارنات بين الوظيفة والعمل الحر، وطرحها أمام الشباب دون بيان إيجابيات وسلبيات كل منها تعد مقارنة مجحفة، خصوصًا أنها تسوق وبشكل مزيف ودائم للعمل الحر وكأنه باب النجاح المفتوح الذي يمكن أن يحقق ثروات هائلة للشباب تحرمهم الوظيفة من تحقيقها، مؤكدين أن تسويق العمل الحر عبر مشاهير السوشال ميديا لا يعكس حقيقة وواقع تحديات العمل الحر والتي تحتاج لمهارة وتخطيط مسبق، كما أن يتجاهل مزايا الوظيفة وأهميتها.

ويرى كثير من الخبراء أن الأفضلية لا تحدد بالترويج، وإنما تتبع ظروف الشخص نفسه، مثل قابليته لمواجهة المخاطر، وإيمانه بقدراته، وعلاقاته الشخصية، ووضعه العائلي، وغيرها.

وفيما يحقق العمل الحر بعض الأحيان وليس دائمًا دخلًا أعلى، مقابل الأجر الثابت في الوظيفة، إلا حجم المخاطرة في العمل الحر ليست قليلة.

وإذا كانت قابلية العمل الحر أكثر للتوسع، ومرونة جدوله الزمني أوضح، وكون المرء رئيسًا لنفسه، وكون العمل الحر يحقق تنوعًا أكثر من الوظيفة، إلا أنه في الوقت نفسه يوقع المرء في مأزق أحيانًا، فهو ليس ثابتًا على الإطلاق، وقد يحتاج صبرًا طويلًا ريثما يقلع ويبدأ بتحقيق الإيرادات، كما أنه قد يكون مقترنًا بالقلق والخوف من الخسارة، وهو عمل في الغالب بلا إجازات، ويتطلب أن يدير المرء جميع الجوانب المالية لإدارة أعماله.

وفي المقابل تحقق الوظيفة استقرارًا وعدم انشغال بالمفاجآت، وهي مضمونة التقاعد، وتشتمل على مزايا مثل التـأمين الصحي، والإجازات المدفوعة. تسويق مزيف يشير الخبير الاقتصادي الدكتور زهير ياسين آل طه لـ«الوطن» إلى أن ما يدور في الساحة من تسويق لظاهرة مزيفة من رغد العيش بل للرفاهية والغنى الذي يسوقه مشاهير السوشال ميديا على أنه حصاد كل عمل حر يعد تجنيا قد ينال من متانة المجتمع ويخل بجودة الحياة، حيث يشتت طاقات الشباب ويهدرها في بداية حياتهم قبل أن يشتد عودهم معرفيا، وقبل أن تتقوى مهاراتهم العملية والإبداعية وطريقة تفكيرهم وتقييمهم. الوظيفة والعمل الحر يضيف آل طه «هناك فرق بين الوظيفة والعمل الحر، فهو مرتبط بالظرف الزماني والمكاني ومرتبط بالاقتصاد العالمي والداخلي، وبقوانين العمل والحقوق العمالية، فيتأرجح مستوى الأمن الوظيفي من جهة ومستوى المخاطرة في العمل الحر من جهة أخرى، وهذا يحتاج مقارنة بينهما وتقييمها وفقًا للنضج المعرفي والخبراتي في اتخاذ القرار الحاد والجريء».

وأضاف «الموازنة ونتائجها هي من يحكم التوجه المباشر أو التريث حتى النضج المرتبط بالظروف أيضًا، ويأتي هنا دور الوزارات والهيئات ومؤسسات المجتمع المدني في التنظيم والتوجيه للأعمال الحرة بدلا من النسخ الذي تعانيه كثير من المشاريع الصغيرة وحتى المتوسطة، مما يحدث منافسة مترهلة وتضعضع في السوق، وهذا يحتاج من الأمانات وأصحاب العلاقة دفع المشاريع لدراسة السوق والمدن وتوزيع المشاريع الصناعية وغير الصناعية التجارية داخل المدن بالطريقة الحديثة والاحتياج». نتائج سوء التقييم أشار آل طه إلى أن الأعمال التجارية المتعثرة في المدن دليل قطعي على سوء التقييم والتقدير والاندفاع المتسرع من المستثمرين، وفقدان التنظيم لدى أصحاب العلاقة في السماح المفتوح للعمل الحر الذي يؤدي إلى ديون وخسائر وبطالة وفقر، وهذا يتعارض مع أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة، وجميع الدول تحاول أن تحققها ومنها القضاء على الفقر والجوع والعمل اللائق ونمو الاقتصاد.

وأضاف «ما يحدث من فشل مشاريع وأعمال حرة يؤثر سلبًا على تحقيق تلك الأهداف ويشق طريق تحقيق جودة الحياة، ولا نغفل أن ما نراه من محلات تجارية مغلفة وذات مناظر تحفها الأغبرة واللوحات المشوهة المهترئة من عوامل الحرارة، يعد تشوهًا بصريًا يساعد على تعميقه كل من له يد في عدم تنظيمه من أصحاب العلاقة، لذلك يجب وضع شروط دقيقة تنظيمية مرتبطة بتخطيط المدن، ونحن مقبلون على تحويل مدننا إلى مدن ذكية، وما يحدث يتعارض ويعد عثرة في تحقيق مدن ذكية متكاملة وليس جزئية، لأن المدن الذكية هي من أساسات تقوية جودة الحياة». خطط مستقبلية من زاوية أخرى، قال المحلل الاقتصادي عبدالرحمن أحمد الجبيري إن «بناء العمل الحر يحتاج إلى كثير من الجهد والخطط الاقتصادية والمالية من خلال دراسة السوق وسلوك المستهلكين والمنتجات المطلوبة فضلًا عن الخبرة وتجنب تقليد الآخرين، فكلما كانت المنتجات جديدة ومرغوبة وبجودة عالية كان الإقبال عليها كبيرًا».

وأشار إلى «أهمية المشاريع الصغيرة في الاقتصاد خاصة أن رؤية المملكة 2030 ومن خلال عدد من الهيئات تدعم وتحفز مثل هذه المبادرات لتكون قيمة مضافة للاقتصاد الوطني». مصدر أمان بين الجبيري أنه «في المقابل تعد الوظيفة مصدر أمان واستقرار على المدى الطويل بما تمثله من شغف وقدرات يستطيع الفرد من خلالها أن يجد ذاته ويطور مهاراته للارتقاء إلى أفضل المراتب».

ونصح الجبيري الموظفين بعدم الانجراف نحو سياق مستقبلي غير واضح المعالم وترك الوظيفة، مضيفًا «هناك فجوة كبيرة في التعاطي الإعلامي من قبل المشاهير مع الأمر، حيث يتجاهلون المعطيات ويسوقون لمسائل وهمية قد تضر بمستقبل الشباب، فهناك مقومات كثيرة للنجاح في الوظيفة، منها تطوير المهارات والالتحاق بالدورات ورفع وتيرة الشغف الوظيفي والالتزام المهني والأخلاقي للوظيفة، وهذه مكتسبات على الموظفين أن يعملوا جيدًا لتحقيقها، كما أن العمل الحر له مقومات أخرى مثل الثقة بالنفس والسيولة الكافية والخطط البديلة والدراسات العلمية كدراسة التكاليف والتي تكون في أقصى حد ممكن، والتميز في العمل، والاستفادة ممن سبقوا الى هذا المجال والابتعاد عن المحبطين والجدية وصقل المهارات». مقومات نجاح الوظيفة تطوير المهارات

الالتحاق بالدورات

رفع وتيرة الشغف الوظيفي

الالتزام المهني والأخلاقي للوظيفة

مقومات نجاح العمل الحر الثقة بالنفس

السيولة الكافية

الخطط البديلة

الدراسات العلمية

التميز في العمل

الاستفادة من الخبرات

صقل المهارات