الانتخابات التشريعية الفرنسية: هل يستطيع تحالف اليسار بقيادة ميلنشون الحفاظ على تماسكه؟


إعلان

مباشرة بعد إعلان نتائج الانتخابات التشريعية في فرنسا، واندثار أمل أحزاب اليسار في قيادة الحكومة المرتقبة، بدأت تطفو إلى السطح مؤشرات تدفع إلى طرح تساؤلات حول مدى قدرة الائتلاف على الاستمرار بشكله الحالي في الحياة السياسية بشكل عام، وداخل الجمعية الوطنية على وجه الخصوص. حول هذا الأمر، تباينت مواقف الأحزاب المشكلة للتحالف، إذ في مقابل دعوة زعيم حزب فرنسا الأبية جان لوك ميلنشون إلى تشكيل كتلة موحدة داخل البرلمان، يرى الاشتراكيون والشيوعيون والخضر أن تشكيل مجموعة نيابية موحدة أمر مستبعد.

في هذا السياق، قال زعيم الحزب الشيوعي فابيان روسيل خلال حديثه إلى قناة RTL الفرنسية الثلاثاء إنه "لا يوجد حزب واحد، لا توجد مجموعة واحدة". الرجل الذي حرص على إظهار عدم اتفاقه التام مع ميلنشون خلال حملة الانتخابات التشريعية، أوضح أن اتفاق التحالف إذا كان نص على إجراءات مشتركة، فقد سجل أيضا خلافات واختلافات حول بعض القضايا.

ما ذكره روسيل، أكده جوليان بايو، السكرتير الوطني لحزب أوروبا البيئة الخضر والنائب المنتخب في باريس، إذ عبر أيضا عن نفس التوجه فقال خلال تصريح إعلامي: "نحن مستمرون، وقواتنا ستكون أكثر فاعلية في الجمعية الوطنية إذا تواجدنا في أربع مجموعات بدلا من واحدة فقط".

محسن يوسف، عضو حزب فرنسا الأبية، اعتبر أن زعيم الائتلاف جان لوك ميلنشون "تسرع حينما تحدث عن كتلة موحدة، خلال تصريح إعلامي سابق لأوانه"، مضيفا أنه تدارك الأمر لاحقا حين دعا إلى اجتماع تشاوري مع مكونات الائتلاف بغرض الاتفاق على صيغة موحدة ترضي الجميع.

وردا على مخاوف الأحزاب الأخرى من "التبعية وفقدان الاستقلالية أمام  حزب ميلنشون"، أوضح يوسف أن حزب فرنسا الأبية قدم كل الضمانات للحفاظ على استقلالية كل مكونات التحالف ومنحها هامشا سياديا مهما حتى لو كانت ضمن كتلة واحدة.

تحالف استراتيجي أم اتفاق مرحلي؟

فيما يعتبر مراقبون أن تحالف أحزاب اليسار براغماتي فرضته شروط المرحلة وظروف سياسية خاصة، يؤكد آخرون، خاصة قيادات حزب فرنسا الأبية، أنه تحالف استراتيجي مبني على أسس إيديولوجية فكرية مشتركة.

محسن يوسف، عضو حزب فرنسا الأبية قال إن تحالف أحزاب اليسار كان استراتيجيا، وليس انتخابيا، مضيفا أن هذا الأمر يتضح من خلال اتفاق زعمائه على أكثر من 630 بندا ضمنت في برنامج انتخابي مشترك، مشيرا إلى أن الأمور التي شكلت محل خلاف أوجدت لها هي الأخرى منافذ "مثل ملف الطاقة النووية، أو المعاهدات الأوروبية التي نختلف فيها بشكل جذري مع الحزب الاشتراكي".

من جهة أخرى، أوضح يوسف أن "الهدف الأساسي من التحالف كان أساسا قطع الطريق أمام ماكرون والحيلولة دون حصوله على أغلبية مطلقة، نظرا لاختلافنا الأصيل مع سياسته التي تسببت في تعميق الفوارق الاجتماعية وتدمير البيئة"، مقرا في نفس الوقت بأن من بين غايات اتفاق الأحزاب الأربعة، كان أيضا الوصول إلى الحكم.

في المقابل، يرى هشام أبو شهلا أن تحالف اليسار الشعبي الجديد كان منذ البداية مبنيا على أسس انتخابية ولم يكن استراتيجيا، مضيفا: "بل إن قادة الأحزاب المشكلة له أكدت أن كل حزب سيحصل على كتلة موحدة داخل البرلمان قبل انطلاق الانتخابات التشريعية".

لجنة المالية... المفتاح

يتنازع تحالف اليسار مع التجمع الوطني اليميني المتطرف أساسا الرئاسة الاستراتيجية للجنة المالية في الجمعية الوطنية، والتي تمنح منذ 2007 لأكبر كتلة معارضة.

وعلى عكس اللجان الدائمة الأخرى في الجمعية، فإن رئاسة اللجنة المالية تذهب لعضو من المعارضة ينتخب من قبل النواب الحاضرين المنتخبين. وحددت قوانين الجمعية هذه القاعدة سنة 2009، لتكرس ممارسة كان قد بدأها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي.

عضو حزب فرنسا الأبية، محسن يوسف، الذي حمّل الرئيس إيمانويل ماكرون، مسؤولية حصول حزب التجمع الوطني على نتائج مهمة خلال الاستحقاق النيابي الأخير، قال إن هذا الأمر يشكل حافزا لأحزاب اليسار ويزيدها قوة وإصرارا من أجل قطع الطريق على اليمين المتطرف، أمام بلوغ مناصب مؤثرة، خاصة، لجنة المالية التي جرى العرف السياسي في فرنسا أن يرأسها حزب معارض، مما يمنح هامشا كبيرا لحزب مارين لوبان أن يظفر برئاستها في حال تشرذم التحالف ولم يقدم مرشحا واحدا.

الباحث في العلوم السياسية، هشام أبو شهلا يرى أن المستجد الذي خلط الأوراق وقلب المعادلة هو الاختراق التاريخي الذي حققه اليمين المتطرف من خلال حصول حزب التجمع الوطني على 89 مقعدا، الأمر الذي يرى أنه دفع جان لوك ميلنشون لدعوة حلفائه من جديد قصد تشكيل كتلة برلمانية موحدة، أساسا من أجل قطع الطريق على مارين لوبان أمام الفوز برئاسة لجنة المالية، "إذ إذا حصل ذلك ستكون خسارة كبيرة لليسار". وفق تعبير أبو شهلا.

مستقبل غامض

من خلال انتخاب 131 نائبا، يظل التحالف بعيدا جدا عن الأغلبية المطلقة (289 مقعدا)، لكنه حقق في المقابل هدفا مزدوجا: إعاقة تنفيذ إيمانويل ماكرون برنامجه الانتخابي، ومضاعفة عدد النواب اليساريين في الجمعية.

وقد عبر عن ذلك جان لوك ميلنشون مساء الأحد أمام أنصاره قائلا: "على أي حال، لقد هزمناه، ليس لديه الآن أغلبية". كناية عن ماكرون.

وفق المحلل السياسي، ورئيس جمعية المحامين في القانون الدولي بباريس، مجيد بودن، توجد استراتيجيتان اثنتان أمام الائتلاف اليساري لتحديد مستقبله، إما أن يبقى قائما ويشكل كتلة نيابية واحدة بزعامة ميلنشون، ما يعني أن الجناح الراديكالي هو من سيقود التحالف داخل البرلمان، وهذا الطرح يواجه معارضة من قبل أحزاب اليسار الأخرى، التي ترفض أن تكون تحت قيادة ميلنشون، وإما الاستقلال بفرقهم وتشكيل أربع كتل، ما سيتيح لهم إمكانيات أوسع خلال عملهم البرلماني، لكنه في المقابل سيؤدي إلى فقدانهم رئاسة لجنة المالية، وفسح الطريق أمام حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان، أو حزب الرئيس ماكرون إذا نجح في بلوغ اتفاق مع "الجمهوريون"، علما أن هذه اللجنة تعد الأهم في الجمعية الوطنية، اعتبارا لكونها تعنى بإعداد ميزانية الدولة، وتشرف ماليا على عدد من القطاعات الحيوية.

حمزة حبحوب

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24

Download_on_the_App_Store_Badge_AR_RGB_blk_102417
تاريخ الخبر: 2022-06-22 21:16:31
المصدر: فرانس 24 - فرنسا
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 90%
الأهمية: 87%

آخر الأخبار حول العالم

السجن 4 سنوات لصاحبي أغنية “شر كبي أتاي”

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:26:50
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 52%

السجن 4 سنوات لصاحبي أغنية “شر كبي أتاي”

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:26:44
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

الحوار الاجتماعي.. التفاصيل الكاملة لاتفاق الحكومة والنقابات

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:27:04
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 59%

الحوار الاجتماعي.. التفاصيل الكاملة لاتفاق الحكومة والنقابات

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:27:00
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 69%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية