كيف تحولت الآلية الثلاثية إلى ساحة صراع دولي في السودان


انتقل الصراع داخل أروقة المفاوضات السودانية، التي تيسرها الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي وإيقاد، من صراع بين قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، ومكونات سياسية أخرى على رأسها التحالف الداعم للسلطة الانقلابية إلى صراع دولي بين واشنطن وموسكو.

التغيير: أمل محمد الحسن

 

وعود وتطمينات أمريكية

 

سارعت الولايات المتحدة الأميريكية التي أكدت في تصريحات عديدة وقوفها في صف التحول المدني الديمقراطي بإرسال مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية “مولي في” للخرطوم لإعادة التوازن للمفاوضات التي قاطعتها قوى إعلان الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية للحكومة الشرعية التي انقلب عليها العسكر في الـ٢٥ من اكتوبر الماضي.

مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي في

وجاءت المقاطعة وفق رئيس القطاع الإعلامي للتجمع الاتحادي، محمد عبد الحكم إبراهيم، بسبب عقد اللقاءات التشاورية مع الانقلابيين والقوى المدنية التابعة لهم، الأمر الذي وصفه بغير القادر على انتاج حلول للأزمة الراهنة.

“لابد من حسم أطراف النزاع بتسمية مباشرة دون لبس”، هكذا بلغة وصفتها مصادر مطلعة بـ”الحازمة” وجهت المسؤولة الأميركية تهديدات مباشرة للعسكر بقطع المعونات الدولية عن البلاد حال استمرار الواقع الانقلابي، مع إشارات تهديدية بإمكانية فرض عقوبات من الكونغرس الأمريكي على شخصيات يراها “معيقة” للتحول المدني الديمقراطي في البلاد. 

ومن جهة مقابلة، شددت المبعوثة الأمريكية على قوى الحرية والتغيير بضرورة الجلوس في محادثات مباشرة مع العسكر.

“هل أنتم مستعدون للجلوس مع العسكر؟” سؤال وجهته المبعوثة الأمريكية بصورة مباشرة للقوى السياسية، بصورة فردية وجماعية لضمان نجاح مساعيها في عكس العملية السياسية التي ولدت مقبورة في “روتانا”.

وعلى الرغم من تردد بعض المكونات السياسية، على رأسها البعث والحركة الشعبية، إلا أن الإجابة النهائية الجماعية أتت بالموافقة التي قادت للقاء مباشر شهد الكثير من الهواء الساخن والتلاوم بين الطرفين، فيما أكدت مصادر مطلعة عدم انكار الجانب العسكري بأن ما حدث في ٢٥ اكتوبر، كان امرا خاطئا.

لم تحمل “في” للمكون العسكري في حقيبتها الدبلوماسية ضغوطات دولية فحسب، لكنها أيضا منحتهم فرصة الخروج الآمن والضمان بعدم المساءلة وربما توفير الخروج لدولة عربية، “المملكة العربية السعودية” وفق ما قالته مصادر مطلعة لـ”التغيير”.

إلى ذلك، قامت المبعوثة الأمريكية ببث تطمينات إضافية عبر إجرائها لمكالمة هاتفية من داخل الاجتماع؛ طالبت فيها المسؤولين في بلدها بعدم التصرف في مبلغ الدعومات البالغ 700 مليون دولار بسبب ما وصفته ب”بارقة أمل”.

 

تباطؤ الحرية والتغيير

 

خلاصة الاجتماع المباشر بين الحرية والتغيير والمكون العسكري؛ شمل تعهدا من المكون المدني بتقديم رؤيته الكاملة لإصلاح الوضع السياسي بالبلاد مكتوبا للجميع، يشمل ضرورة تهيئة المناخ، فيما طالب العسكر بضرورة توقف القوى المدنية عن لغتها “الاستفزازية”.

تباطأت الحرية والتغيير في تنفيذ وعدها، نسبة لرغبتها في فتح الباب لمشاورات أوسع في محاولة لتقليص نسبة الرفض الجماهيري، وسط مخاوف كبيرة مما تتعرض له قوى الثورة من محاولات لضرب اسافين بينها لتفتيتها. “كانوا يريدون أن يتم اللقاء المباشر بصورة سرية، لكننا أصرينا على ضرورة تمليك المعلومات للجماهير الثورية” هذا ما قاله مصدر رفيع بالحرية والتغيير لـ(التغيير)، مؤكدا أنهم بذلك فوتوا الفرصة على جهات تسعى عبر تسريب المعلومات لتشويه صورة الحرية والتغيير. 

وفيما يبدو أن القوى السياسية أتت محصنة من دروس سابقة، جعلتها تصر على مبدأ الشفافية لمسح الصورة المتواترة حول ركضها خلف مقاعد السلطة بحسب الخبير الاستراتيجي محمد كباشي.

 

توازن قوى مضاد

 

في الوقت الذي أكد مراقبون لصيقون بالعملية التفاوضية الاستجابة الكبيرة من المكون العسكري للوساطة الأمريكية السعودية التي نقلت المفاوضات إلى اللقاءات المباشرة مع الحرية والتغيير، إلا أن تدخل قوى دولية في الصراع ربما يعيد ترتيب المشهد بصورة مختلفة.

وفق مصادر مطلعة؛ التقى العسكر بمبعوث روسي أعاد ترتيب توازن القوى الأمريكي الأمر الذي سيجعل وعد الخروج الآمن حبراً على ورق، تنقعه أمريكا في كوب ماء وتشربه عن آخره ويطفئ بارقة الأمل في مهدها.

الدعم الروسي الذي لن يكون آخره استخدام حق النقض أمام مجلس الأمن؛ ربما يمتد للدعم الفني واللوجستي، فيما لا ترجح المصادر مقدرة موسكو التي انهكتها الحرب تقديم أي دعم مالي. 

الصراع الروسي الأمريكي لا ينحصر في طاولة مفاوضات، وإعادة ترتيب نظام الحكم في البلاد المنهكة اقتصاديا وأمنيا؛ بل يمتد لشواطئ يطمع الطرفان بوضع أيديهما عليها من أجل تفوق عسكري “من يملك البحر، يملك اليابسة”.

مهدي رابح

التعويل على الوعد الأمريكي

 

على الرغم من الصراع الدولي، لا تزال قوى الحرية والتغيير تعول على الضغوطات الدولية وإمكانية ممارستها لعزلة دولية للمكون العسكري تجبره على الرضوخ لمطالبها بالجلوس وفق الشروط التي وضعتها بما وصفته تهيئة المناخ السياسي لنجاح عملية سياسية تؤدي وفق القيادي بحزب المؤتمر السوداني، مهدي رابح لإنهاء الانقلاب وعدم السماح بإعادة إنتاج حكومات “كومبارس” على حد تعبيره.

ووفق رابح تمسك العسكر بالسلطة هو نتيجة لمخاوف ومطامع، لا ينتهي هذا التمسك إلا بتضافر الجهود الداخلية الساعية لإسقاط الانقلاب مع الدعم الدولي.

ومن وجهة نظر رابح، فإن العسكر أمام خيارين لا ثالث لهما؛ فإما يخرجوا من العملية السياسية ويسلموا السلطة، أو يواصلوا في الذهاب نحو المجهول الذي يهدد البلاد في وجودها، ويتحملوا مسؤولية ما يحدث كاملة.

 

قيادة الحراك الثوري

 

ويختلف رابح مع الأصوات التي تقول بأن تحالف الحرية والتغيير اليوم ليس كما كان في 2019 قاطعا بأنه “في أحسن حالاته”.

“الحرية والتغيير في أفضل حالاتها ولديها حلول سياسية وقادرة على إدارة عمل سياسي بجودة عالية”، وبرهن القيادي بالمؤتمر السوداني على صحة رأيه بتمكنها من إفشال ما وصفها بمفاوضات “روتانا الزائفة”.

واستدرك رابح قائلاً إن التحالف على يقين بعدم قدرته على العمل منفردا مشيرا إلى اعترافه بالقوى الثورية الأخرى من جهة، وعمله الجاد في توحيد القوى المدنية من جهة أخرى. 

القيادي بالتجمع الاتحادي محمد عبد الحكم

من جانبه؛ دافع محمد عبد الحكم عن التحالف الذي ينتمي إليه حزبه واصفا إياه بأنه لا يزال يمثل قوى إسناد ثوري وسياسي رئيسي في المشهد السوداني، مشيرا إلى شفافيته في طرح رؤيته على الشعب السوداني ومطالبة الجميع برفد ملحوظاته فيه.

 

خبير استراتيجي: الانقلاب ساقط بدليل حالة اللا دولة

 

اتفق الخبير الاستراتيجي محمد إبراهيم كباشي مع رابح في رأيه حول تطور العمل السياسي بالحرية والتغيير، ومن جانبه يرى كباشي ذلك التطور في قبول التحالف للتفاوض عبر الآلية الأمر الذي يعزز من الدعم الدولي لها.

“ما فعلته الحرية والتغيير يرسل رسائل إيجابية للمجتمع الدولي تحديدا أمريكا وأوروبا، ورفض الحوار كان سيوقعها في خسائر سياسية فادحة”.

وثمن كباشي مشروع الحرية والتغيير المطروح للعامة، واصفا إياه بأنه يحمل ملامح صوت الشارع، وحذر في الوقت نفسه من وجود أصوات تتهمها بهرولتها نحو السلطة الأمر الذي تحتاج الانتباه إليه عبر اعتمادها للشفافية الكاملة في تعاطيها مع الآلية.

ليس كل الآراء التي حملها الخبير الاستراتيجي تصب في مصلحة الحاضنة السياسية للحكومة المقالة، فقد وجه أصوات تحذيرية لها بضرورة عدم هيمنتها على جماعات القوى الثورية الرافضة للانقلاب. “عليها أن تكون جزءاً من الفاعلين وليست المهيمن”.

ضم القيادي بالتجمع الاتحادي صوته لصوت الخبير الاستراتيجي في ضرورة وحدة قوى الثورة لتحقيق مطالب الشارع السوداني في استعادة التحول المدني الديمقراطي، إعادة العسكر للثكنات وتحقيق هتافات الحرية والسلام والعدالة.

 

سياسيون: الحرية والتغيير لديها حلول سياسية وتسعى لوحدة قوى الثورة

 

 

وطالب كباشي بضرورة تكوين مركز إسناد للتخطيط وإدارة ما هو مرحلي واستراتيجي، قاطعا بأن الانقلاب ساقط بدليل حالة اللادولة التي تعيشها البلاد. وأشار إلى محاولة استفادة بعض الجهات من حالة السيولة الحادثة من أجل عقد صفقات سياسية تطيل عمرها على سدة الحكم.

ونبه كباشي إلى ضرورة الاستفادة من 30 يونيو التي يقول إنها ستحدث ذات التأثير الذي فعلته في العام 2019 عندما أجبرت العسكر على العودة لطاولة المفاوضات، مشددا على ضرورة حفظ خانة لجان المقاومة في الفعل السياسي والتي وصفها بأنها الفاعل السياسي رقم واحد.

تعقيدات جديدة

 

التطورات السياسية اليومية في المشهد السياسي السوداني، آخرها امتناع الاتحاد الأفريقي عن حضور اجتماعات وصفها بعدم الشفافية والاقصائية تزيد الواقع تعقيدا على تعقيد.

ويبدو أن الاتحاد الافريقي شعر بالتهميش بعد أن افترعت المبعوثة الأمريكية حوارا جانبيا جمع بين المكون العسكري والحرية والتغيير حضره رئيس اليونيتامس بعيدا عن شركاء الآلية الثلاثية.

الاستعدادات الجارية بكثافة من جانب القوى السياسية ولجان المقاومة للتعبئة لمليونية 30 يونيو يعتبرها مراقبون ضغوطا لا تقل عن الضغوطات الدولية على الجانب الانقلابي بشقيه العسكري والمدني للنزول إلى رغبة الشارع السوداني في حتمية استعادة الحكم المدني.

 

تاريخ الخبر: 2022-06-22 21:22:52
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 53%

آخر الأخبار حول العالم

وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 00:26:04
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 00:26:09
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية