كلنا يذكر الحوار الذي دار بين القوات الروسية المهاجمة من البحر والجنود الأوكران المتمركزين في جزيرة الثعبان، خلال أولى لحظات الحرب الروسية على البلاد، حين رفض الأوكرانيون مغادرة مواقعهم أو الاستسلام. وأعلنت موسكو إثرها استيلاءها على الجزيرة، بعد معركة خاطفة شارك فيها الطراد "موسكوفا"، إضافة إلى سرب من 16 زورقاً حربياً خفيفاً.

من هنا تبرز الأهمية الاستراتيجية لقطعة الأرض التي لا تتعدى مساحتها 0.17 كيلومتر مربع، المُلقاة في عُرض مياه البحر الأسود جنوب غربيّ أوكرانيا، من خلال سعي كل القوى المشتركة في النزاع للسيطرة عليها وتأمين تلك السيطرة.

ولم تنتهِ قصة جزيرة الثعبان عند هذا الحد، بل سعت القوات الأوكرانية أكثر من مرة لاستردادها، وفشلت في أغلبها، إلى أن أعلنت يوم الثلاثاء 21 يونيو/حزيران، نجاحها في السيطرة على تراب الجزيرة كاملاً، فيما تواردت أنباء عن انسحاب القوات الروسية منها، وعن خسائر كبيرة تكبّدتها في المعدّات إثر الهجوم الأوكراني الأخير.

معركة استرداد جزيرة الثعبان

أعلنت القوات الأوكرانية الثلاثاء 21 يونيو الجاري، تحقيقها انتصاراً مهمّاً على القوات الروسية المتمركزة في جزيرة الثعبان. وقالت قيادة القطاع الجنوبي للجيش الأوكراني إنها نفّذَت "ضربات دقيقة ومركَّزة شارك فيها مختلف القوات" ضد المواقع الروسية بجزيرة الأفعى، وحققت "انتصاراً مهمّاً" عليها.

في المقابل، لم يؤكد الجانب الروسي ما أعلنه الأوكران، بل اكتفت وزارته بالقول في بيان صحفي، إنه "في 20 يونيو الساعة الخامسة صباحاً، حاول نظام كييف محاولة مجنونة أخرى للاستيلاء على جزيرة الأفعى"، وإن قواتها "أجبرت العدو على التخلي عن الهبوط في جزيرة الأفعى".

لكن بعد ذلك بما يزيد على أسبوع أعلنت وزارة الدفاع الروسية يوم الخميس انسحاب قواتها من الجزيرة المتنازَع عليها، في "بادرة حسن نية"، وبعد أن "أنجزت أهدافها المحدَّدة"، مشددة على أن هذه الخطوة ستمكّن من فضّ الخناق على صادرات القمح الأوكرانية.

عكس تبريرات الروس، أكَّد خبراء شركة "Force Analysis" المختصة في تحليل التحركات العسكرية، من خلال فحصهم صور أقمار صناعية أخيرة للجزيرة، وجود عدة معدات عسكرية وموقع تمركز للجيش الروسي مدمرة، ضمنها حطام رجحت أنه لمنظومات الدفاع الجوي الروسية "بانتسير".

أكثر من مجرد جزيرة!

منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، في 24 فبراير/شباط الماضي، مثَّلت جزيرة الثعبان رمزاً للمقاومة الأوكرانية، خصوصاً بعد تسريب آخر حوار دار بين حرس الحدود الأوكراني والقوات الروسية، قبل دخول الروس الجزيرة.

ومنه سعت القوات الأوكرانية في عدد من المحاولات لاستعادة السيطرة عليها، آخرها كان في مايو/أيار المنصرم. حينها أعلن الجيش الروسي نجاحه في صد الهجوم، وخسارة الجانب الأوكراني "4 طائرات، و10 مروحيات و30 مسيَّرة، و3 سفن حربية، وأكثر من 50 جندياً" خلال 3 أيام من الاشتباكات في الجزيرة.

في المقابل، وفي 17يونيو الجاري، أعلنت القوات الأوكرانية تدميرها سفينة "كانت تنقل السلاح إلى الجزيرة" حسب زعمها. وفي أبريل/نيسان الماضي قالت كييف إنها نجحت في تدمير الطراد الروسي "موسكوفا"، الذي كان حجر الأساس للهجوم الروسي الأول على الجزيرة.

وتكمن الأهمية الاستراتيجية لجزيرة الثعبان للجانب الأوكراني، حسب محللين، في أنها تمنحه القدرة الكاملة على تأمين سواحله الغربية، تحديداً مدينة أوديسا وساحلها الاستراتيجي، وتأمين الممرات البحرية لصادراتها الغذائية ووارداتها الدفاعية.

هل يغير استرجاع جزيرة الثعبان مسار الحرب؟

سابقاً في 10 يونيو قال وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف: "جرى تعزيز دفاعنا الساحلي من خلال صواريخ هاربون شديدة الفاعلية، جنباً إلى جنب مع صواريخ نبتون، إذ تجبر هاربون بالفعل أسطول العدو الروسي على الحفاظ على مسافة آمنة لتجنب مصير الطراد الروسي موسكفا".

وأعلن الكونغريس الأمريكي، يوم الخميس 23 يونيو الجاري، حزمة مساعدات عسكرية جديدة لكييف، تضمنت أنظمة راجمات الصواريخ المتنقلة "هيرماس" بعيدة المدى، والتي يمكنها إطلاق وابل من الصواريخ على بعد مئات الكيلومترات.

وتكمن لاستراتيجية جزيرة الثعبان في كونها تقع على مسافة نحو 50 كيلومتراً من مصب نهر الدانوب، وعلى مسافة نحو 100 كيلومتر من مدينة أوديسا، وعلى مسافة أقل من 200 كيلومتر من ميناء كونستانتا الروماني الرئيسي، و300 كيلومتر من القاعدة الروسية الرئيسية في شبه جزيرة القرم.

وبالتالي فإن جعلها منصة لقدرات صاروخية، سواء كانت أرض-أرض أو مضادة للسفن أو دفعات جوية، حسب محللين، تمكن من السيطرة على كافة القطاع الغربي للساحل الأوكراني، بما في ذلك مدينة ميكولايف التي تتعرض لهجوم روسي شرس، كالساحل الغربي لشبه جزيرة القرم.

وتسعى روسيا منذ شهر مارس/آذار، لدخول مدينة ميكولايف دون تحقيق أي تقدم في ذلك. ويرى محللون عسكريون، أن أي هجوم عسكري روسي على أوديسا سيكون من محاور ثلاثة: الشرق عبر ميكولايف والغرب من القوات الروسية المتمركزة في ترانسنيستريا، وبالإنزال البرمائي عبر الساحل. هذا إضافة إلى القصف الجوي والبحري. فيما تجدر الإشارة إلى أن هذه التحليلات كانت قبل انسحاب الروس من جزيرة الثعبان.

TRT عربي