في ذكراها.. صورة مصر الأسطورية التي قادت إلى الحملة الفرنسية

قبل 224 عاما، تحديدا في مثل هذا اليوم من العام 1798، وصل الأسطول الفرنسي البحري بقيادة نابليون بونابرت إلى سواحل الإسكندرية لاحتلال مصر، فيما عرف بالحملة الفرنسية على مصر.

وقبل وصوله إلى القاهرة كان نابليون بونابرت قد وزع منشورات على المصريين، مضمونها أنه يؤمن بالله وما مجيئه إلى مصر إلا لتحريرها من المماليك. هذه كانت أسباب بونابرت المعلنة، أما أسباب الحملة الحقيقية فكانت لقطع طرق تجارة عدوة فرنسا اللدودة بريطانيا ومستعمراتها في الهند. إضافة إلى فقدان فرنسا لمعظم مستعمراتها في الهند وأمريكا.

وفي كتابها “الحملة الفرنسية تنوير أم تزوير؟”، تذهب مؤلفته الباحثة دكتورة ليلى عنان، إلى: “كانت مصر ذات مكانة خاصة بسبب تراث الثقافة الكلاسيكية الذي يمجد علمها وحكمتها وكهنتها، فقد لعبت مصر الفرعونية دورا رائدا في تكوين فلاسفة اليونان في بادئ تاريخ أثينا، وتحول هذا الدور إلى سلسلة من الأساطير عن حكماء مصر ــ وهم الكهنة الغامضون ــ وتعاليمهم الباطنية السرية".

وأضافت: "ولا تخلو قصة من القصص الفلسفية في القرن الثامن عشر من أحد هؤلاء الكهنة الذي نراه يقضي مائة عام أو أكثر داخل الهرم الأكبر ليخرج منه عالما بأسرار الدنيا وحكمة الكون، وما بقي من هذا التيار الخيالي على مر السنين قصة ”الناي المسحور"، الأوبرا الشهيرة للموسيقار النمساوي “موتسارت”، والتي كتبت نهاية القرن الثامن عشر ولأن مصر هي “أم الحكمة الفلسفية” ومهد الحضارة الإنسانية، فأحداث القصة تدور فيها، حيث يبغي البطل الوصول إلي الكمال وكانت قصة هذه الأوبرا الخيالية تفضح بعض أسرار الماسونية المزدهرة في ذلك العصر، وكانت الماسونية هي أيضا تؤكد علي أن مصر عرفت أسرار الكون أيام الفراعنة، لزنها منبع المعرفة كلها، ولذا فمعظم رموز الماسونية وحتي يومنا هذا مستوحاة من الآثار الفرعونية ونقوشها، وتبقي فكرة حكمة مصر وعلم كهنتها سائدة في كثير من الأوساط الثقافية المهتمة بالعلوم الروحانية والباطنية مما يزيد من غموض سيرتها، وتؤكد هذه الأوساط، وحتى القرن التاسع عشر، مثلما نجد في القصص الخيالية، أن الأهرامات كانت المدارس الخفية لتعليم غيبيات نساعد الكهنة علي التوصل إلى أسرار الطبيعة وما وراءها". 

وتلفت “عنان” إلى: ومما لا شك فيه أن تلك الرؤية شجعت على اتخاذ حكومة “الإدارة” إلى اكتشاف هذا البلد الغامض المجهول، مع ضرب المصالح الإنجليزية وتكوين مستعمرات جديدة، وكانت فكرة العودة إلي أرض العلوم والفنون مستحبة، وكأن فرنسا، بعلمها الجديد وحكمتها العالمية، تغلق هكذا طوق دائرة المعارف بالرجوع إلي المنبع، فيحدث الالتحام الذي يضم تاريخ العلوم فتسيطر هي عليه.

ويقول “هنري لورانس” في دراسته عن الحملة الفرنسية على مصر إن “بونابرت” ترك مصر عائدا إلى فرنسا سرا لأنه لم يحقق فيها “حلمه الشرقي”، فمصر الحقيقية ليست هي التي حلم بها هذا الفاتح.

ــ صورة مصر في الأدب الفرنسي وكيف غزت فكرة الحملة؟

يحكي “بلزاك” الكاتب الواقعي الكبير، في روايته “طبيب الأرياف”، كيف يقص أحد جنود نابليون على أخوته من الفلاحين، حروبه مع الإمبراطور، والحملة على مصر. يبدأ حديثه لجمهوره المنبهر، مؤكدا أن نابليون في شبابه وقع عقدا مع شيطان حتى لا يصيبه أي أذى في المعارك، ثم كيف ذهب إلى مصر، حيث أحبته زوجة مارد جبار غيور، فأعلن الحرب على القائد الفرنسي الذي استولى على الملكة الفاتنة ومجوهراتها الأسطورية، وكيف تغلب عليه نابليون مثلما كان يتغلب دائما على كل أعدائه.

وتشدد “عنان” على: وهذه الخزعبلات تفضح بكل وضوح الواقع، وهو عقلية مجند من الريف الفرنسي في ذلك العصر، أي عقلية الجيش نفسه: هذه العقلية الجاهلة لجند الحملة الذين لم يختلفوا في تهويماتهم عن أي أمي لا ينجذب إلا للعجيب من القصص الخارقة، إن مصر التي يتحدث عنها ذلك الجندي الفلاح هي مصر “ألف ليلة وليلة” كما يراها العامة والمثقفون.

وحتى بعد مرور خمسين عاما على الحملة، ذهب الشاعر القصاص المثقف “نرفال” إلى أن مصر يبحث فيها عن “بلد إيزيس وألف ليلة وليلة”، وهناك يقابل ضابطا ألمانيا يقص عليه كيف خرجت الإنسانية حقيقة من داخل الهرم الأكبر، حيث فشل موسي في امتحان الكهنة فكان هروبه من مصر. فمصر إذن بلد الأساطير والخيال وعلى صعيد آخر يكتب “جان تولار” الذي تخصص في دراسة نابليون وحياته الحافلة، قائلا: “إن الفرنسيين كانوا يجهلون حقيقة أمر مصر في ذلك العصر، فصدقوا التقرير الذي أرسله القنصل ”ماجالون" إلى باريس، والذي يؤكد فيه ضعف المماليك ويصف فيه مصر أنها بلد يحتضر وصورها على أنها سهلة الغزو. 

ويعلق “تولار” قائلا إن هذا الكلام يتنافى مع ما تظهره دراسة “أندريه ريمون” عن قاهرة القرن الثامن عشر: “ولكن كان هناك سحر منطقة غامضة كانت حديث المجتمع بسبب رواج كتاب ”فولتيه" عن الآثار ولذا فـ “تولار” يعزو عودة بونابرت من مصر على أنه منتصر، على الرغم من هزيمته فيها إلي هيبة انتصارات بعيدة زاد من ترويج أخبارها “دعاية أنصاره”، فكان البعد وحده كاف ليسبب التشويق والتفخيم، وخلق أسطورة الحملة.

تاريخ الخبر: 2022-07-01 18:21:54
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 49%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

الشعباني يتحدث بخصوص غيابات نهضة بركان في مواجهة الزمالك المصري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-11 18:25:58
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية