بنعبد الله: أضواء على غضبة الحسيمة وقضية شرفات أفيلال واقتراح تعييني كوزير للخارجية


  • حاوره: كريم بوخصاص

لم يكن نبيل بنعبد الله وزيرا عاديا في حكومتي ابن كيران والعثماني، فالرجل كان في قلب مفاوضات تشكيل الحكومتين ومؤثرا في مخرجاتهما. فهذا السياسي المجرب كان استوزاره في الحكومتين ضروريا، خاصة في التجربة الحكومية الأولى التي كان قريبا فيها من شغل حقيبة الخارجية السيادية. كان الحوار مع سي بنعبد الله أشبه ببوح الذاكرة، فالأسئلة كانت تتولد تباعا بفعل أسلوب الرجل في الجواب وحديثه المسترسل الذي لا يترك مجالا للفراغ، وكذا طبيعته في الرد على كل التساؤلات بكل جرأة.

 

في هذا الحوار من سلسلة “ذاكرة وزراء سابقين”، يعود بنعبد الله بذاكرته إلى الفترة ما قبل عشرين فبراير 2011 تاريخ تشكل علاقته مع عبد الإله ابن كيران، مرورا بشهر فبراير 2012 تاريخ تشكيل زعيم العدالة والتنمية للحكومة، وانتهاء بأكتوبر 2019 تاريخ مغادرة حزبه سفينة حكومة الإسلاميين الثانية. وفي خضمها يتوقف عند محطات بارزة من فترة تقلده حقيبة السكنى والتعمير وسياسة المدينة لخمس سنوات وأشهر قليلة، ليسترجع بعضا من كواليس وحيثيات ميلاد حكومتي العدالة والتنمية، ويتحدث لأول مرة عن تفاصيل ما دار بينه وبين ابن كيران خلال فترة “البلوكاج” الشهير سنة 2016، والقصة الكاملة لمغادرة حزبه الحكومة، وفحوى الاتصالات التي سبقت ذلك مع أطراف خارجها. كما يقدم شهادته عن عدد من الوقائع والحيثيات التي رافقت التجربتين الحكوميتين بجرأة واضحة.

 

كنتم فاعلين في تشكيل أول حكومة بعد دستور 2011 ولعبتم دورا مركزيا في ميلاد أول حكومة في تاريخ الإسلام السياسي بالمملكة الشريفة، ما هي حيثيات تشكيل هذه الحكومة؟

> عشت تجربتين إن لم تكن ثلاث تجارب متعلقة بتشكيل الحكومة، التجربة الأولى تعود إلى حكومة إدريس جطو سنة 2002، لكني لم أكن فاعلا في القرار بشكل مباشر أو في مفاوضات تشكيلها، وعرفتُ في مداولات المكتب السياسي اقتراحي من لدن سي جطو لعضوية الحكومة مكلفا بالاتصال وناطقا رسميا باسمها، أما التجربة الثانية فقد كانت أعمق وجاءت بعد مخاض مرتبط بما عشناه من تطورات سياسية في نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة مع تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة والموقف الذي اتخذناه آنذاك، حيث كنا في طليعة من عارض مجموعة من الممارسات التي ارتبطت بهذا الحزب، وكان في تلك الفترة مولاي إسماعيل العلوي هو الأمين العام للتقدم والاشتراكية إلى حدود سنة 2010.

وتواصلت هذه الدينامية وعرف المغرب ما عرفه من ربيع وحراك أدى إلى ميلاد دستور جديد بعد التجاوب الإيجابي والمقدام والمتفرد على الساحة العربية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس مع المطالب المعبر عنها، ومن ثم يمكن أن أقول إنه ترسخت بعض الشيء العلاقة مع العدالة والتنمية، وبشكل أدق بيني وبين عبد الإله ابن كيران، خاصة أنني أصبحت أمينا عاما للحزب. وبعد مصادقة الشعب المغربي بشبه إجماع على دستور 2011، وخروج حزب العدالة والتنمية متصدرا لانتخابات 25 نونبر، وتمكن حزبنا من تشكيل فريق بمجلس النواب بعد التحاق بعض النواب، انخرطنا في نقاش مطول داخل المكتب السياسي حول ضرورة انخراطنا في هذه الدينامية الجديدة التي جاءت بعد مخاض كبير وتعبيرات ديمقراطية وشعبية قوية.

في بداية هذا النقاش، كان حوالي 60 في المائة من أعضاء المكتب السياسي يُسَايِرون الطرح الذي يرى أن الحزب يتعين عليه أن يكون جريئا في المشاركة في الحكومة ضمانا لنجاحها، وذلك وفق شروط وفي أفق ديمقراطي تقدمي وبعد نقاش عميق مع العدالة والتنمية، وكنا نعلم أن هناك نزوعات محافظة عند العدالة والتنمية يمكن أن تصدمنا أو يمكن أن تثير غضب أوساط مدعمة لنا خاصة في الساحة اليسارية والتقدمية، لكن تدريجيا حصل شبه إجماع داخل المكتب السياسي حول فكرة المشاركة.

ولا أخفيك أن هذا الأسلوب هو نفسه الذي أعتمده عندما يكون الحزب مطالبا باتخاذ موقف وازن، كما حصل عند مغادرة الحزب حكومة سعد الدين العثماني سنوات بعد ذلك، إذ كلما شعرت أن هناك قضية تستلزم تعميق النقاش من أجل اقتناع الجميع بجدواها لضمان وحدة صفوف الحزب، أحرص على أخذ الوقت الكافي لاتخاذ القرار المناسب. وبذلك ذهبنا كمكتب سياسي لاجتماع اللجنة المركزية موحدي الصفوف، ومن الذكريات العالقة في ذهني، أن اجتماع اللجنة الذي خصص للحسم في المشاركة في الحكومة كان صاخبا، وكان فيه نقاش عميق، وبالطبع كان عندنا جناح متشدد.

أظن أن الجناح المتشدد الرافض لفكرة المشاركة قادته الوزيرة السابقة نزهة الصقلي؟

> الصقلي لم تكن في طليعة هذا الجناح آنذاك، بل كانت مجموعة من العناصر الأخرى مثل محمد سعيد السعدي وبعض النقابيين والرفاق الآخرين، لكن في النهاية تمت المصادقة على فكرة المشاركة في الحكومة بأغلبية واسعة، أعتقد أنها بلغت حوالي 90 في المائة، ومع ذلك كان هناك حرص كبير من جانبي على التواصل مع العشرة في المائة المتبقية من أجل إقناعها تباعا بجدوى المشاركة، وهذا ما حصل تدريجيا إذ في مطلع السنة الثانية من الحكومة على أقصى تقدير كان الجميع تقريبا مقتنعا بخيار المشاركة، باستثناء ثلاثة أو أربعة عناصر اختاروا مغادرة الحزب أو انكمشوا أو تراجعوا للوراء، وبالتالي أصبحنا نُصَادق في دورات اللجنة المركزية على تقارير المكتب السياسي بالإجماع، وكان ذلك دليلا عمليا على أننا شاركنا في هذه التجربة دون أن نغير جلدنا، وبقينا صامدين ومناضلين ومتشبثين بمواقفنا من جهة، ومنفتحين على هذه التجربة وضرورة نجاحها من جهة أخرى.

يتعين أن نقول إن سي عبد الإله ابن كيران على وجه الخصوص قدم لنا في ذلك مساعدة بتفهمه للخطوة التي يشكلها التحاقنا بحكومته، وبتفهمه أيضا أنه يتعين عليه ألا يتعامل معنا بالمنطق العددي، وذلك من خلال حرصه أن تتشكل حكومته من قبل العدالة والتنمية وما تبقى من أحزاب الكتلة (الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية)، لكن مع الأسف لم يتم ذلك، وشخصيا سهرت على تحقيق ذلك وقمت بخطوات على هذا الأساس، خاصة إزاء الإخوة في الاتحاد الاشتراكي.

وبكل صدقٍ، فقد انبثق من تحالفنا مع العدالة والتنمية نوع من العلاقة المبنية على الصفاء والوضوح، عكس ما كان يروجه البعض من أننا أصبحنا ذيليين للعدالة والتنمية أو متماهين معه، دون أن يأتوا بأي موقف أو مبادرة أو قانون أو مرسوم صادقت عليه الحكومة ويُشَكل تناقضا صارخا مع توجهاتنا.

كيف جرت المفاوضات مع عبد الإله ابن كيران؟

> كانت سهلة، بكل صدق، لأنه كان هناك تفهم لنا، ولعل ذلك يعود أساسا إلى اللقاءات التي حصلت بيننا حتى قبل تعيين ابن كيران رئيسا للحكومة، خاصة قبل حراك عشرين فبراير وأثناءه. وأذكر من ذلك لقاءين هامين جمعا كلا من ابن كيران وعبد الله باها رحمه الله من جهة، وأمين الصبيحي الذي أصبح وزيرا للثقافة بعد ذلك وأنا شخصيا، مهدا الطريق لكثير من الأمور، وناقشنا من خلالهما ما يمكن أن نجتمع حوله ونقاط الاختلاف بيننا.

وخلال الحراك كان هناك غليان داخل حزبنا وكل الأحزاب الوطنية الأخرى كالاستقلال والاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية حول المشاركة في تظاهرات الشارع، وقد اخترنا في التقدم والاشتراكية تدبيرا مرنا للمسألة التي كانت معقدة من خلال عدم منع مناضلينا من المشاركة في التظاهرات، على أساس عدم انخراطنا كحزب فيها، وهكذا تركنا للشبيبة الاشتراكية حرية المشاركة ونفس الأمر بالنسبة لأعضاء آخرين بالحزب.

نفس الأمر حصل داخل العدالة والتنمية، حيث شاركت عدد من قياداته في الاحتجاجات في الشارع، وفي مرحلة طرح علي ابن كيران السؤال حول طريقة تعاملنا كحزب مع الحراك، فقلت له إننا لن نشارك كحزب لأننا لا ندري أين يسير الشارع، في الوقت الذي نعلم اليوم أين نسير، حيث نعيش في عالم الاستقرار والديمقراطية التي تُبنَى مرحلة مرحلة، ونعتبر أننا بذلك أمام مؤسسات وعلى رأسها المؤسسة الملكية تدبر البلاد، وبالتالي علينا أن نتفاعل مع ذلك إيجابا وبذكاء وأن لا نغامر.

لقد تبنينا المطالب الأساسية المعبر عنها في الشارع، وجعلنا منها شعارات رسمية لنا، لكننا لم نعلن المشاركة في احتجاجات الشارع، لأن المشاركة تعني أننا ندخل في قطيعة مع المؤسسات الفاعلة، ويشكل ذلك خطأ كبيرا، وسي ابن كيران كان يميل أيضا لهذا الرأي، وأتذكر جيدا أنه قال لي: «الحمد لله الذي جمعني بك هذا النقاش لأنه علينا تدبير المسألة داخل حزبنا بنفس الطريقة»، وكذلك فعل. بل الأكثر من ذلك كان لدينا نقاش مع زعماء عشرين فبراير في بعض الأحيان، وكنا متواجدين نحن الاثنين في تفاعل مع الفعاليات الأساسية التي كانت تؤطر الشباب، وأعتقد أنه كان لنا دور على هذا المستوى.

في ظل هذا السياق، وبعد ظهور نتائج الانتخابات كان لدي لقاء أول مع ابن كيران، واقترح علي المشاركة في الحكومة، فكان جوابي: أن المسألة صعبة يجب أن تُناقش، وأن الفكرة إيجابية شخصيا أميل لها ولكن علي أن آخذ برأي الحزب وأرد عليه.

 

يوم قال لي ابن كيران: أربعة حقائب ها هي عندك وخمسة خليني نفكر فيها

 

هل تَفَهَّمَ ابن كيران ردك؟

> بالطبع تفهم ذلك، وكان مما قلته له أيضا: أنت تعلم أنه إذا شاركنا لا يمكن أن نشارك بوزير أو وزيرين لأنه لا فائدة من ذلك، إما أن نكون وازنين أو نبقى في المعارضة، ونحن لا نريد أن نعارض هذه التجربة. فقال لي: ماذا تريد؟ فقلت له: في هذه الظروف، وبالنظر إلى الصورة التي سنقدمها، وبالنظر أيضا إلى المشاكل التي ستكون لنا مع جزء من الرأي العام خاصة اليساري منه بتحالفنا مع حزب إسلامي، أعتقد أنه يتعين لنا أن يكون لدينا خمسة وزراء لنكون مؤثرين.

وبتلقائية مطلقة، ودون أن يتطلب الأمر أكثر من ثانيتين أو ثلاثة، قال لي ابن كيران: أربعة ها هي عندك وخمسة خليني نفكر فيها.

لم أقل ما دار بيني وبين ابن كيران للمكتب السياسي، وكنت أعلم أنني في مرحلة أضع فيها رأسي فوق الطاولة كما يقولون لأنه بالإمكان من داخل الحزب أن تقطع رقبتي آنذاك، فقلت مع نفسي إنني سأترك هذه الورقة (يقصد قبول ابن كيران منحه أربع حقائب وزارية على الأقل) للنهاية، لأنها ستكون جوابا على من سيقول إنكم ستدخلون للحكومة بثمن بخس وتفرطون في كل مبادئ الحزب من أجل مقعد أو مقعدين، وهكذا تركت ورقة الأربعة حقائب المضمونة إلى النهاية.

لكن ألم تضطر في خضم النقاشات داخل المكتب السياسي إلى الإفصاح عما دار بينك وبين ابن كيران حول الحقائب الأربعة المضمونة؟

> لا لم أفصح عن ذلك سوى للمقربين مني، وكنت أكتفي بالتلميح إلى ذلك في اجتماعات المكتب السياسي بالقول: تأكدوا أننا إن شاركنا ستكون لنا مشاركة وازنة.

وعموما فباستحضار التعليقات التي تلقيناها فيما بعد حول الموضوع، وبالنظر إلى تفهم ابن كيران لنا، وبالنظر أيضا إلى أن تشكيل الحكومة يخضع لموافقة جلالة الملك، ونحن نعلم كيف تُسَير المؤسسات في المغرب، فإن الكثير من الأوساط أكدت أن التقدم الاشتراكية أحسن التفاوض. وفي المقابل، فقد كنا في الموعد، ولعبنا المباراة و»عرَقنَا» فيها كما يقال بالدارجة. نحن لم ندخل الحكومة من أجل التزام الصمت، فعلى العكس من ذلك كنا نناقش كل شيء، ونعبر عن مواقفنا وآرائنا في كل القضايا داخل الحكومة وخارجها، وقد برهنا أن مشاركتنا كانت أساسية من أجل نجاح هذه التجربة.

 

 

هكذا نِلنا الحقيبة الوزارية الخامسة

 

نلتم أربع حقائب وزارية في النسخة الأولى من حكومة ابن كيران لكن أصبحت خمسة في النسخة الثانية من الحكومة، كيف حصل ذلك؟

> حصل ذلك عند التعديل الحكومي مع خروج حزب الاستقلال ودخول التجمع الوطني للأحرار، ففي تلك الفترة ـ وهذا من الذكريات – أن سي محند العنصر خرج من وزارة الداخلية واقترح أن يتولى قطاع التعمير الذي كان تابعا لوزارتي، وفي النقاش مع سي عبد الإله ابن كيران بدا صعبا أن يقوم أمينان عامان بتقاسم وزارة كانت موجودة، لم يكن ذلك سهلا بالنسبة إلينا، لكن بعد تعميق النقاش مع ابن كيران قلت له: طيب إذا كنا سنسير في هذا الاتجاه يتعين أن تكون لنا حقيبة خامسة، وهذه مناسبة لإدخال امرأة للحكومة، وهكذا تولت شرفات أفيلال الوزارة المنتدبة المكلفة بالماء.

 

حقائب الحزب الوزارية كانت بمبادرة مني

 

خلال مفاوضات تشكيل حكومة ابن كيران عادت للحزب حقائب وازنة، هل أنت من اقترحت هوية الحقائب التي ستعود للحزب أم رئيس الحكومة؟

> بمبادرة مني أساسا، وكان ذلك ثمرة نقاشات مع بعض الرفاق وفي تفاعل طبعا مع المكتب السياسي، وقد سِرت على هذا النهج في مفاوضات كل الحكومات التي شاركنا فيها وأنا أمين عام للحزب، حصل ذلك في حكومة ابن كيران بنسختيها وحكومة العثماني في نسختيها أيضا، فقد كنت دائما أناقش مع رئيس الحكومة بناء على المقترحات التي تُطرح داخل المكتب السياسي، وفي النهاية أترك المسافة اللازمة للحسم في المقترحات، وذلك أخذا بعين الاعتبار أن التعيين يخضع في النهاية لصاحب الجلالة.

من جهة أخرى، فقد كنت أسعى دائما إلى أن تكون الأسماء التي تمثلنا وازنة، وحصل ذلك في كل تجارب الوزيرات والوزراء الذين كانوا في المستوى منذ حكومة عبد الرحمان اليوسفي، كما كنت أسهر على أن يكون الوزراء من مناضلي ومسؤولي الحزب، بل غالبا من أعضاء المكتب السياسي، وذلك عكس تجارب أحزاب أخرى تُقَدم أسماء خارج المسؤولين الأساسيين للحزب بل خارج الحزب نفسه.

 

ابن كيران أراد اقتراحي لوزارة الخارجية وهكذا أصبحت وزيرا للسكنى

 

توليت حقيبة السكنى والتعمير وسياسة المدينة في النسخة الأولى لحكومة ابن كيران، كيف جاء اختيارك لهذه الحقيبة الوزارية دون غيرها؟

> الواقع أن سي عبد الإله ابن كيران ناقش معي في مرحلة من المفاوضات وضعي داخل الحكومة، فقلت له: إن استوزاري ليس مضمونا وليس مؤكدا، فكان موقفه هو الرفض، وقال لي: ضروري أن تشارك وأنت الذي بنيت معنا العلاقات وهذه تجربة متفردة يجب أن تساهم من داخلها وليس خارجها. وبعد ذلك وفي لقاء آخر قال لي: إن فكرتي أن أقترح اسمك لوزارة الخارجية، فكان ردي: تعلم أن القرار بشأن وزارة الخارجية لا يعود لا إلي ولا إليك، وبالتالي أعتقد أن هذه المسألة يجب أن تناقشها وتعمق فيها التفكير.

وفي لقاء للمكتب السياسي أخبرتهم بمقترح ابن كيران، فانقسم رأي الأعضاء إلى رأيين، رأي كان مع المقترح لما في المنصب من مكانة اعتبارية، ورأي آخر كان ضده من منطلق أن الحقيبة الوزارية المذكورة سياسية فيما يُفضل تولي وزراء الحزب تدبير قطاعات اقتصادية أو اجتماعية مباشرة لها علاقة مع المواطنين.

في النهاية حُسِم الأمر عندما طرح علي ابن كيران السؤال: إلى أي قطاع يمكن أن تتجه؟ فقلت له: قطاع السكنى والتعمير وسياسية المدينة وإعداد التراب الوطني، وبعد المصادقة النهائية عاد إلي قائلا: إن هناك موافقة على هذا الأمر.

 

 

قيادات بالاتحاد اتصلت بي لإقناع الراضي بالمشاركة في حكومة ابن كيران

 

في 2013 انسحب حزب الاستقلال من الحكومة، ونحن نعلم أن تحمسكم للمشاركة في حكومة الإسلاميين الأولى – كما قلت سابقا – كان نابعا من مشاركة حزب علال الفاسي بوصفه أحد أحزاب الكتلة..

> (مقاطعا) نعم، كان أحد العناصر المشجعة لمشاركتنا في الحكومة هو وجود حزب الاستقلال، وكما قلت لك سابقا فقد عملنا على إقناع الاتحاد الاشتراكي بالمشاركة، حتى أن بعض العناصر القيادية في هذا الحزب، وهذا للذكرى، اتصلت بي آنذاك ومنهم من جاءني إلى البيت، يطلب مني أن أجتهد من أجل إقناع حزبهم بالمشاركة في حكومة ابن كيران، وقمت بهذا الأمر مع سي عبد الواحد الراضي حين ذهبت إلى بيته وناقشت معه الموضوع مطولا، وكان رده في النهاية صريحا: إن الدفوعات التي قدمتها صائبة ومقنعة ولكن هناك رأي عام داخلي في الحزب ـ قد يكون من باب المزايدة والمغالاة – ضد المشاركة بالنظر إلى أن الحكومة يقودها الإسلاميون. أتذكر أنني أجبته بالقول: نعم، لكنك في موقع يمكن أن تؤثر في توجه الحزب، لكن مع الأسف لم يتم العمل في هذا الاتجاه.

لن أخفيك أن مشاركة حزب الاستقلال شجعتنا، وربما كانت الأمور ستكون صعبة بالنسبة إلينا لو واجهنا في بداية الأمر رفض الاتحاد الاشتراكي والاستقلال معا.

لكن عندما حصل ما حصل في 2013 كان الرأي العام داخل التقدم والاشتراكية وجزء من الرأي العام الوطني يدعم هذه الحكومة، كما أن الكثير من الأوساط كانت ترى أن ما يقوم به الأمين العام الجديد لحزب الاستقلال مدبر أو غير طبيعي، وبالتالي خلق الأمر داخل حزبنا نوعا من التعاطف، لذلك لم نجد صعوبات في أن نواصل المشاركة، خاصة بعد أن لم نجد جوابا للسؤال التالي: لماذا سنخرج من الحكومة؟ إن الخروج هو مغادرة السفينة في وقت ليس هناك عنصر حرب حقيقي يمكن أن يبرر ذلك.

 

ما دار بيني وبين ابن كيران خلال «البلوكاج»

 

محطة تاريخية كبرى حصلت في تجربة الإسلاميين في الحكومة، وهي «البلوكاج» الشهير في 2016، ألم تجعلكم حيثيات هذه المحطة تفكرون في مراجعة موقفكم من المشاركة في حكومة العدالة والتنمية؟

> بالعكس، يمكن أن أقول لك إنه في هذه الفترة كذلك اجتهدت كثيرا من أجل تحقيق ما لم يتحقق في 2011، أي تشكيل حكومة تضم حزب العدالة والتنمية والاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، إضافة إلى الحركة الشعبية التي ساهمت بشكل إيجابي في هذه التجربة منذ بدايتها.

ولأجل ذلك، عقدت لقاءات عديدة مع حميد شباط وإدريس لشكر، وهو ما أدى إلى أن يُعقَدَ لقاء بين عبد الإله ابن كيران وشباط وبين ابن كيران ولشكر.

هل حصلت لقاءات ابن كيران بالرجلين بعد لقائك معهما؟

> نعم بعد لقائي بهما. لقد كان شباط آنذاك متحمسا جدا للدخول إلى الحكومة وخوض غمار هذه التجربة، وفي نهاية المطاف لم يتم ذلك لأن ابن كيران كان يؤكد في نفس الوقت على أن التوازنات العامة والمقاربة الذكية تستلزم أن يحافظ على مشاركة التجمع الوطني للأحرار في حكومته. وشخصيا لم أكن ضد هذه الفكرة أبدا، لأننا كنا في الواقع نعمل على أن تحظى الحكومة بدعم سياسي أساسي من قبل صاحب الجلالة، وقد كنت واعيا تماما بهذا الأمر، فلا يمكن لأي حكومة أن تنجح في الواقع المغربي دون دعم من المؤسسة الملكية، وهذا الأمر كان يستلزم البحث عن الصيغة التي تناسب الجميع في تلك الفترة، لذلك اجتهدت كثيرا في مرحلة ما وعيا مني بهذا الأمر، من أجل إقناع سي عبد الإله ابن كيران بمشاركة الاتحاد الاشتراكي.

كما أن العديد من الأوساط داخل العدالة والتنمية كانت تطالبه بقبول ذلك خاصة بعد التطورات التي حصلت، وقد اقتنع ابن كيران في مرحلة أولى بأنه يمكن أن يكون هناك تعامل إيجابي مع الاتحاد الاشتراكي، لكن التصريحات التي خرجت فيما بعد والتصرفات التي صدرت جعلته يتراجع عن ذلك، وكان يقول لي: لم ندخل للحكومة لحد الآن وأنت ترى كيف هي التصريحات والتصرفات، فما بالك عندما نكون في حكومة واحدة. وهكذا جاء رفضه للاتحاد، بل تصلب تماما، وكانت لي معه جلسات عديدة حول هذه النقطة بالضبط.

كنت أقول لابن كيران في هذه الجلسات: أنا أتفهم ما تقوله، لكن عليك أن تقبل، ومن الأفضل أن تقبل، بما في ذلك في جلسة حضرتها أربعة وجوه أساسية من العدالة والتنمية في بيته، وكانت آخر جلسة عشية الإعلان عن تكليف سعد الدين العثماني بتشكيل الحكومة، بعد مرور ستة أشهر من البلوكاج، حيث قلت له حينها بالحرف: «يا عبد الإله ستفقد كل شيء في النهاية، يهديك الله». أتذكر جيدا أنه أجابني بلطافة كبيرة لأن علاقتنا مبنية على ذلك: «أعتقد أن الوقت تأخر، راه الدار كيتسناوك ». (يضحك)، فقلت له: «عمليا تقول لي نمشي بحالي – بالضحك طبعا» فقال لي: «لا تضغط علي، لن أقبل ذلك لأنه إذا قبلت سأدخل في مسلسل لا أعلم أين سيؤدي بي». ووقع ما وقع بعد هذا اللقاء.

بالنسبة إلينا في الحزب، فقد ناقشنا الأمر مطولا، وقلنا «طيب حقا كانت لنا علاقة خاصة مع العدالة والتنمية ولي شخصيا مع سي عبد الإله، لكن لا يمكن أن نبرر مشاركتنا أو مغادرتنا للحكومة انطلاقا من علاقة شخصية فقط»، وهكذا قررنا مواصلة التجربة مع حزب العدالة والتنمية على أن نرى لاحقا ماذا يمكن أن ينتج عن هذه الحكومة.

 

العلاقة مع القصر كانت متأرجحة لكن دائما في إطار التشبث بالثوابت

 

خلال مسارك كوزير، كيف كانت علاقتك مع جلالة الملك شخصيا؟ وهل حصلت اتصالات مباشرة بينكما أو أشياء يمكن ذكر تفاصيلها؟

> بالطبع كان هناك اتصال دائم، سواء في اللقاءات الرسمية التي كنت أحضرها أو في المجالس الوزارية أو في بعض الاتصالات المباشرة حول قضايا تهم أساسا القطاع الذي كنت أدبره، أو عندما كان الأمر يتعلق بلقاءات قادة الأغلبية، أو لقاءات لقادة الأحزاب الأساسية.

بالنظر إلى المواقف التي صدرت منا، فقد عشنا بعض الفترات التي أدت إلى ردود فعل سلبية، وأعتقد أن الجميع يتذكر البلاغ الذي صدر في 2016، لكن في نفس الوقت يمكنني أن أقول لك إن هذه المرحلة تم تجاوزها نسبيا، لا أقول بسرعة، لكن تم تجاوزها بعد مدة غير طويلة.

إننا اليوم والحمد الله كما عشنا ذلك دائما، يتعين أن نعلم أن الحزب بالنظر إلى أصوله وهويته ومرجعيته وما عاشه عبر التاريخ والمواقف التي عبر عنها، ولا تنس أن التقدم والاشتراكية كانت له مواقف من الدساتير التي كانت تسمى بـ»الدساتير الممنوحة»، حيث كان له موقف سلبي وواضح في بداية الثمانينيات من استفتائي «سن الرشد» وكذلك «تمديد عمر البرلمان»، وكان ينتقد عددا من القرارات التي لم يكن يتفق معها، في عهد سي علي يعتة، وكذلك الشأن بالنسبة للفترة التي دبر فيها شؤون الحزب مولاي إسماعيل العلوي. وعندما أقول فترة الرجلين أو فترة تحملي مسؤولية الحزب فإن الوجوه لم تكن تدبر الحزب لوحدها، بل تميز الحزب دائما بمقاربته الجماعية وبتدبير جماعي وديمقراطي. وبالتالي في كل هذه المرحلة عشنا فترات، كما كنت أقول دائما «مرة طالعة ومرة هابطة»، وهذا طبيعي، لكن دائما في إطار التشبث بالثوابت، بمعنى أننا لم نَحِد أبدا عن ذلك في تاريخنا، ولا يمكن أن نحيد عنه لا حالا ولا مستقبلا.

الحمد لله. أقول لكم إن علاقتنا تظل علاقة طيبة، لأننا نعي تمام الوعي أهمية المؤسسة الملكية ودورها، ونعي تمام الوعي بأنه لا يمكن أن يتم التغيير من داخل بلادنا إلا بمراحل من داخل المؤسسات القائمة وفي إطار التفاعل الإيجابي معها، وهذا هو حزب التقدم والاشتراكية.

هل تلقيت اتصالا من طرف جلالة الملك بعد إعفائك؟

> لا أبدا، لم يكن هناك اتصال مباشر، عرفت بإعفائي من البلاغ الذي صدر بهذا الشأن، لكني كنت أحس بإمكانية حصول ذلك. ربما كنت أشعر أنه كان هناك تردد في الأمر، وفي النهاية شعرت أنه ربما بالنظر لصعوبة المرحلة ودقتها وما عبرت عنه من مواقف، فيمكن أن يكون هذا هو القرار، وهكذا كان. علمت بذلك عند صدور البلاغ الذي أعلن عن إعفاء عدد من الوزراء الآخرين، منهم وزير الداخلية الذي أصبح وزير التعليم. وهكذا هي الأيام (مازحا) وهو اسم جريدتكم، ويمكن أن أقول لك إنني شخصيا تربيت في الحزب الذي علمني أن المسارات الشخصية لا تهم، وأنه يتعين أن تكون قويا فرديا وجماعيا في مواجهة نكبات الدهر وتحمل أعباء الممارسة السياسية، خاصة عندما تختار أن تكون مناضلا من داخل حزب التقدم والاشتراكية.

 

القصة الكاملة لمغادرة الحزب لحكومة العثماني

 

فماذا رأيتم كحزب في النهاية؟ وما الذي نتج عن حكومة العثماني؟

> رأينا بكل صدق، أنه مع الأسف لم يكن نَفسُ الحزم، ونفس الحمولة السياسية، ونفس القدرة على مواجهة الملفات الإصلاحية الأساسية المطروحة، أكثر من ذلك وخلافا لما كان يحدث في حكومة عبد الإله ابن كيران بدأت مجموعة من العمليات المضادة لنجاعة هذه الحكومة من داخل الأغلبية، وقد تحدثت عن هذا الوضع الغريب في عدد من اللقاءات الصحفية، فمن جهة لم يكن الحزب الذي يقود الحكومة بنفس القوة لمباشرة الإصلاح مقارنة بما كان عليه الوضع في حكومة ابن كيران، ومن جهة أخرى، كانت الأحزاب الأربعة الأخرى متكتلة وتعبر عن مواقف موحدة علنا.

بالنسبة إلينا، فقد كان موقفنا واضحا: نحن في الحكومة من أجل إنجاحها ومن أجل مواصلة الإصلاح وتنزيل المشروع الديمقراطي الذي نحمله، ونحن لسنا هنا من أجل الاصطفاف مع العدالة والتنمية أو مع مجموعة الأحزاب الأربعة.

وبعد مرور سنتين وشهور معدودة، وبعد واقعة خروج الحسين الوردي وأنا شخصيا من الحكومة في 2017 شهورا قليلة من تشكيلها، وأيضا حذف كتابة الدولة في غشت 2018، أصبح لدينا نقاش داخلي تطور أكثر فأكثر، انطلق في البداية من طرح السؤال حول مآل المشروع الإصلاحي الذي دخلنا من أجله للحكومة، وتواصل مع سؤال لماذا تم إدخالنا في قضية «الحسيمة منارة المتوسط» والجميع يعلم أنني والحسين الوردي أنجزنا كل برامجنا المتعلقة بالمشروع وأنهيناها قبل المدة الزمنية المخصصة لذلك، وشيئا فشيئا بدأ الرأي العام الداخلي يميل بشكل شبه أغلبي إلى الخروج من الحكومة.

لكني شخصيا اعتبرت أن مغادرتنا الحكومة في الفترة التي أعقبت إعفائي والوردي من الحكومة قد يكون له تأويل مرتبط بأنني وجهت الحزب لمغادرة الحكومة فقط لأنني غادرتها، فكان لي اتصال مع بعض الوجوه الأساسية داخل الحزب لأقول لهم: الله يخليكم ثقوا بي. هذه الحكومة سنغادرها لكن ليس الآن، ومن دون شك سنغادرها قبل الانتخابات المقبلة، لكن لا أريد أن يتم ذلك في ارتباط مباشر مع مغادرتي والحسين الوردي. وبعد مرور سنة ونيف جاء حذف كتابة الدولة المكلفة بالماء التي كانت تتولاها شرفات أفيلال، والذي شكل النقطة التي أفاضت الكأس، وحينها اعتبرنا أن تعامل العدالة والتنمية معنا لم يكن في المستوى، خاصة أن الوزير الذي وقع معه الخلاف كان من هذا الحزب، وحاولت أن أصلح الأمر مع رئيس الحكومة، لكنه لم يقم بشيء من أجل إصلاح هذه المسألة.

رغم ذلك واصلنا المسير بعد مغادرة أفيلال، بمعنى تحملنا الضربة الأولى والثانية، وقلنا حينها «ما فيها باس سنواصل»، لكن النَّفَس الإصلاحي كان غائبا تماما وكانت الحكومة غير منسجمة بالمرة، فجاء الوقت لنعلن أنه لا يمكننا الاستمرار في تحمل أمور ستكون لها انعكاسات سلبية على البلاد وعلينا كحزب، وكان التعديل الحكومي في يوليوز 2019 بعد ثمانية أشهر من مغادرة أفيلال الفرصة المناسبة، وآنذاك قلت للرفاق الذين وعدتهم بمغادرة الحكومة: «أعتقد أن الوقت قد حان لنقوم بهذه المبادرة».

في تلك الفترة كان حوالي 90 في المائة من أعضاء المكتب السياسي مقتنعين بضرورة مغادرتنا الحكومة، ومع ذلك أخدنا بعض الوقت لإقناع ما تبقى، وفي النهاية بقي عضوان من المكتب السياسي يعلم الجميع أنهما تصرفا بعد ذلك بشكل لا يليق بمبادئ التقدم والاشتراكية، وبالتالي تم إبعادهما من الحزب عندما لم يمتثلا للقرار الذي تم اتخاذه بشبه إجماع في اللجنة المركزية، وتصرفا بشكل غير لائق في مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال التصريحات الكاذبة التي أدليا بها، لأننا نرفض أن نرهن حال الحزب ومستقبله من أجل الاستمرار الشخصي في الحكومة، وهكذا صارت الأمور، وبكل صدق أعتقد أنه كان أنسب وقت لمغادرتنا الحكومة.

ألم يحاول العثماني ثنيكم عن مغادرة الحكومة؟

> حاول كثيرا.

هل حصلت اتصالات مباشرة معك؟

> نعم في اتصالات مباشرة، وكنت أراه كثيرا في تلك الفترة، حيث عبر لي مرارا أنه سيسعى إلى أن يحافظ على مكانتنا في الحكومة، لكنني كنت أرد عليه بالقول في كل لقاء: لا أريد أن أناقش معك لا العدد ولا تشكيلة الحكومة ولا هرمها ولا غير ذلك، أريد أن أناقش معك شيئا واحدا، ما هو النفس الإصلاحي والقرارات التي ستتخذونها إذا استمرينا معكم في الحكومة؟ كان رده: سوف ترى كذا وكذا، لكني كنت أطلب منه التزامات واضحة ولم أجدها.

فضلا عن اللقاءات العديدة التي جمعتني بالعثماني، فقد قام في نهاية المطاف بمبادرة لطلب القدوم إلى بيتي، وحضر إلى جانبه المصطفى الرميد، ومن جهتنا كان حاضرا إضافة إليّ كل من عبد الواحد سهيل وخالد الناصري، وأكدنا خلال هذا اللقاء أن الظروف لم تعد مساعدة لاستمرار حزبنا في الحكومة، وغادرا البيت (العثماني والرميد) مع تأكيدهما أنهما سيتمسكان بالأمل في استمرارنا.

وبعد هذا اللقاء بأيام قليلة، كنا على موعد مع دورة اللجنة المركزية، وكنا أخذنا القرار في المكتب السياسي بالدفاع عن موقف مغادرة الحكومة، وهو ما تم بشبه إجماع في هذه الدورة.

وبكل صدق، أعتقد أننا دبرنا كل هذه المرحلة (ما قبل 2011 إلى مغادرة الحكومة في أكتوبر 2019) بأفضل شكل ممكن، ربما أن البعض يقول إننا «زدنا فيه» في اصطفافنا إلى جانب العدالة والتنمية.

نعم هذا السؤال يتردد باستمرار، وألا ترى أنه وجيه؟

> بلى. وهناك آخرون كانوا يقولون بصيغة أخرى «أنت زدتي فيه على وجه الخصوص». جوابي: «ممكن. ربما زدنا فيخرات كحزب أو أنا شخصيا»، لكن على كل حال هذا الأمر لا يغير وجاهة القرار الذي اتخذناه بالمشاركة في حكومتي العدالة والتنمية وما كان يستلزمه ذلك، ولذلك يمكن أن أقول لك اليوم إن حزبنا، وخلافا لأحزاب أخرى، متصالح مع ذاته ومع نفسه، وشخصيا أعتز بكون كل الوجوه الأساسية التي أثثت الحزب وبصمت تاريخه وبعضها يستمر في المكتب السياسي أو مجلس الرئاسة، والبعض الآخر في مواقع أخرى، ومن أعمار مختلفة، يشعرون باعتزاز كبير بالانتماء للحزب، بمعنى أن هناك اطمئنانا على أن الحزب حافظ على توجهاته وعلى استقلالية قراره وكانت له مواقف جريئة وشجاعة أدى الثمن عليها في انتخابات 2016.

كما أن الحزب، في نفس الوقت، ظل متشبثا بالمؤسسات ولم يَحِد عن ذلك، وقد سبق أن أكدت على هذا الأمر في لقاءات رسمية وقلت، اطمئنوا كيف ما كانت الانتقادات التي يمكن أن توجه إلينا فنحن في جيناتنا نعتبر أننا نناضل من أجل التغيير من داخل المؤسسات، وفي إطار خدمة هذه المؤسسات والدفاع عنها وعن الثوابت، وهذه القضية حسمها الحزب عندما كان يسمى «الحزب الشيوعي المغربي» في مؤتمر تاريخي عقد بسرية سنة 1966، وكان عمري آنذاك لا يتجاوز السبع سنوات، حين أكد على أنه يتعامل على أساس أنه يجعل من ثوابت «الله الوطن الملك» ثوابت أساسية للحزب، وشدد على أن الأفق الديمقراطي والأفق الاشتراكي والمسار التقدمي والنضال من أجل الحريات ومن أجل دمقرطة المجتمع المغربي سيكون من داخل هذه الثوابت، وإلى يومنا هذا مازال الحزب يتصرف بهذه الطريقة دون أدنى تردد.

إن الحزب لا يعلن شيئا ويضمر أشياء أخرى، فهذا الأمر لم نَتَرَبَّ عليه أبدا، فنحن لسنا من أنصار ولا من دعاة الخطاب المزدوج، ما نقوله نمارسه باقتناع راسخ، وبمقاربة فكرية وإيديولوجية تثبتها كل الوثائق التي أنتجناها منذ ذلك الحين إلى اليوم، بمعنى نطالب من داخل ثوابت المملكة بالتغيير، والأفق الديمقراطي والإصلاح والمساواة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والعدالة المجالية، وخدمة المستضعفين والدفاع عنهم، وهكذا سيظل الحزب دائما.

 

أحزاب الأغلبية مِن غَير البيجيدي فرحت لمغادرتنا الحكومة

قلتم إن رئيس الحكومة حاول بكل جهده ثنيكم عن مغادرة الحكومة، ماذا عن الأحزاب الأربعة الأخرى المشكلة للأغلبية الحكومية، كيف كان موقفها من مغادرتكم؟

> بصراحة، أعتقد أنهم فرحوا عندما تبين لهم أننا سنغادر الحكومة، وعندما غادرنا فعليا، لأنهم عمليا تفردوا برئيس الحكومة وبالحزب الذي كان يدبر رئاسة الحكومة، ولم يعد هناك حزب يقوم بنوع من التوازن وبإمكانه أن ينتقد هذا الطرف والطرف الآخر أو يقول كلمة حق داخل الحكومة.

إن اجتماعات الأغلبية الحكومية قبل التعديل كانت في كثير من الأحيان صاخبة، بالطبع الأحزاب الأربعة كانت تريدنا أن نكون ذيليين وأن نكون تابعين لها، لكن نحن لا يمكن أن نكون ذيليين لأحد سواء للعدالة والتنمية أو لهم، وأكدنا على ذلك مرارا وتكرارا، وبالطبع كانوا يشعرون بخيبة أمل، ولم يستسيغوا كيف أننا نتصرف بهذه الطريقة ونحافظ على استقلاليتنا.

لقد كنت دائما أقول في استجواباتي في تلك المرحلة، كيف يمكن أن نقبل الاجتماع فيما بيننا ثم يخرج كل واحد منا في كل جمعة أو سبت أو أحد ليقول في الآخر ما لم يقله مالك في الخمر، علما أن الانتخابات كانت بعيدة بثلاث أو أربع سنوات، والشعب كان ينتظر منا إصلاحات. كما كنت أتساءل معهم: كيف نريد أن يثق المغاربة في الشأن السياسي عندما يرون أن الخلافات المعبر عنها في البلاد توجد أكثر داخل مكونات الحكومة، وكنتيجة لذلك كانت عدد من مشاريع القوانين مجمدة داخل البرلمان، وعندما كانت تجتمع اللجان لمحاولة حلحلة الوضع كانت الخلافات بين مكونات الأغلبية أكبر من المعارضة، وعشنا ذلك بشكل أكبر عندما التحقنا بدورنا في المعارضة.

أعتقد أن كل ذلك أثر على مستوى علاقة المغاربة بالسياسة وبالأحزاب، لذلك دعونا في مؤتمرنا الوطني في 2018 إلى ضرورة خلق نَفَس ديمقراطي جديد، ومحاربة أزمة الثقة، كما روجنا لهذا الخطاب في وثائق مشتركة مع أطراف المعارضة (الاستقلال، والأصالة والمعاصرة)، والتي أصبحت اليوم في الحكومة، من خلال التأكيد على ضرورة بعث الثقة في الديمقراطية المغربية وضرورة معالجة المشاكل السياسية المطروحة في البلاد، ومعالجة الفضاء السياسي، إضافة إلى الإصلاحات الكبرى المرتبطة بالساحة الاجتماعية والاقتصادية.

 

الاتصالات التي انتهت إلى أننا نملك قرار مغادرة الحكومة

 

عندما بدأتم مناقشة مسألة مغادرتكم حكومة العثماني في 2019، هل طلبتم رأي جهات خارج الحكومة؟

> بصراحة، كان الأمر واضحا بالنسبة إلي، وقد قلت في دورة اللجنة المركزية التي اتخذت قرار مغادرة الحكومة، إن ما قمت به من اتصالات مبني على أساس الإخبار بأننا نسير في اتجاه مغادرة الحكومة، وانتهى إلى أننا كحزب نملك قرارنا، وأن قَرَارَي الاستمرار في الحكومة أو الانسحاب منها يعود إلينا وسنُحترم عليه. هكذا كان التعامل بهذا المنطلق، وأقدر شخصيا ذلك عاليا لأن المسألة فيها تعبير على أن هناك مكانة خاصة لحزب التقدم والاشتراكية.

 

قرار مشاركتنا في الحكومة لم يتدخل فيه أحد

 

سبق لعبد الإله ابن كيران أن أخبرنا أن الملك لعب دورا في تصفية الأجواء بينه وبين صلاح الدين مزوار بوصفه أمينا عاما للتجمع الوطني للأحرار في 2013..

> (مقاطعا) أكيد.

وذلك من أجل تشكيل حكومة ابن كيران في نسختها الثانية غداة انسحاب حزب الاستقلال..

> (مقاطعا) لو لم يكن التدخل الملكي في مستوى عال وبنظرة ثاقبة ونظرة مستقبلية، أعتقد أن حكومة عبد الإله ابن كيران كانت ستسقط، لقد كان هناك تشجيع للتجمع الوطني للأحرار من أجل المشاركة وتعويض حزب الاستقلال الذي انسحب من الحكومة..

(مقاطعا) وهنا يطرح السؤال بالتبع، هل حصل نفس الأمر معكم أيضا، لأن مشاركتكم في حكومة العدالة والتنمية قدمت صورة مميزة عن تحالف فريد بين الإسلاميين والشيوعيين؟

> تجربة تحالفنا مع العدالة والتنمية كانت متميزة في العالم العربي والإسلامي، وهناك كثير من الأوساط اليسارية خارج المغرب تساءلت في البداية عن هذا التحالف وربما عارضته، لكن في النهاية أصبحت تنوه بهذه التجربة، واكتشفنا ذلك في عدد من اللقاءات الدولية على مستوى مجموعة اليسار العربي وغيرها.

بشكل صريح، هل كان لجلالة الملك دور في هذه التجربة الفريدة؟ وبصيغة أخرى، هل لعب جلالته دورا في تحفيز أو دعم هذه التجربة أم جاء تحالفكم مع العدالة والتنمية تلقائيا؟

> يمكنني أن أقول لك إنه عندما كنا نناقش مسألة المشاركة في حكومة ابن كيران من عدمها تم ذلك في إطار داخلي حزبي وأننا لم نشعر أبدا بأن هناك تدخلا بأي شكل من الأشكال في قرار حزبنا.

وحتى عندما غادرتكم الحكومة؟

> نعم، وعندما خرجنا كذلك.

تاريخ الخبر: 2022-07-02 15:17:47
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 62%
الأهمية: 80%

آخر الأخبار حول العالم

السعودية تنشئ مركزاً عالمياً متخصصاً في الفضاء - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:33
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 58%

75.3 مليار ريال نموا بإيرادات السعودية للكهرباء السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:42
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 51%

بتهم ارتكــاب جرائم إبادة جماعية

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:40
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 60%

الجلاجل: إجراءات استباقية لمواجهة تحديات المستقبل - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:34
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 58%

هضبة تكنوبول قسنطينة: نحو استحداث ركن خاص بتمويل المؤسسات الناشئة

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:34
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 52%

400 فرصة لتطوير القطاع اللوجستي بالشرقية السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:44
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 65%

أزيلال.. فاعلون إسبان وإيطاليون يكتشفون الإمكانيات السياحية للجهة

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:25:30
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية