تشكّل المسيّرات التركية، التي أثبتت كفاءتها وقدراتها العسكرية الهائلة فوق أكثر من ساحة صراع إقليمية ودولية، تحدياً كبيراً لليونان التي تحاول مؤخراً سدّ فجوتها التقنية في هذا المجال من خلال الاستعانة بالأنظمة والمعرفة الإسرائيلية.

في هذا السياق قال زعيم حزب الحل اليوناني القومي كيرياكوس فيلوبولوس "ما فائدة الطائرات المقاتلة عالية الأداء مثل رافال ضد أعداد كبيرة من الطائرات المسيَّرة التركية؟"، وأضاف سائلاً: "ما الفرق إذا اشترينا 200 طائرة رافال؟ (...) الأتراك سيحاصروننا بـ400 طائرة مسيَّرة".

وبعد أن أفادت صحيفة "ريل نيوز" اليونانية بداية شهر يونيو/حزيران الماضي بأن أثينا تخطّط لنشر نظام مضادّ للطائرات التركية المسيرة في منطقة بحر إيجة "لحماية منطقة معلومات الطيران اليونانية"، نشرت صحيفة "كاثيميريني" اليونانية مؤخراً أن اليونان قد نفّذَت سرّاً خلال الشهرين الماضيين عملية نشر نظام قبة حديدية خاص بالمسيّرات فوق جزر ومواقع مهمة أخرى في جميع أنحاء البلاد.

تفوُّق جوّي تركي

حسب موقع "غلوبال فاير باور"، حلّت تركيا في المرتبة 13 بين أقوى 142 جيشاً حول العالم للعام الجاري 2022، فيما بلغت ميزانية أنقرة العسكرية ما يقرب من 10 مليارات دولار، واحتلّ سلاحها الجوي الذي يضمّ ألفاً و57 طائرة عسكرية المرتبة التاسعة عالمياً.

في المقابل حلت اليونان، التي بلغت ميزانيتها العسكرية نحو 6.6 مليار دولار خلال العام الجاري، في المرتبة 27 بين أقوى جيوش العالم. وبفضل امتلاكها 633 طائرة عسكرية، حلّ سلاحها الجوي في المرتبة 17 عالمياً.

إلى جانب تفوُّق سلاح الجو التركي بمراحل على نظيره اليوناني وتفوُّق الصناعات الدفاعية التركية، تمتلك أنقرة سلاحاً فتَّاكاً غيَّر موازين القوى التقليدية تماماً، فخلال السنوات الـ15 الماضية، وبعد أن كانت تركيا تعتمد كلّيّاً على الطائرات المسيّرة التي تستوردها من أمريكا وإسرائيل، نجحت في شقّ طريقها لتصبح من الدول الثلاث أو الأربع الكبرى الأكثر استخداماً وتصنيعاً لهذا النوع من الأسلحة، وأصبحت تنافس كلاً من أمريكا وإسرائيل في تصنيع وتصدير الطائرات المسيَّرة المسلحة وغير المسلحة.

كما أعلنت تركيا عن قرب اكتمال تصنيع نموذج طائرتها الشبحية من الجيل الخامس (MMU) بإمكانيات محلية خالصة. والعام الماضي أيضاً أعلنت شركة "بايكار" التركية عن برنامجها الواعد، المتمثل في تصميم وإنتاج مقاتلات مسيّرة من الجيل السادس ستكون جاهزة بحلول 2023، وبدخولها الخدمة ستغيّر مفهوم الحروب الجوية تماماً.

اليونان تستعين بإسرائيل

دفعت المسيّرات التركية الأكثر تجريباً في ميادين القتال عالميا، والتي تصدّرت أيضاً المشهد في صراع الغاز شرق المتوسط إلى جانب الأسطول البحري التركي، اليونان إلى البحث عن مزودين دوليين لشراء هذا النوع من التقنية، فضلاً عن محاولاتها اليائسة لمجابهة التفوق التركي مستعينةً بإسرائيل التي باعتها نظاماً للتصدي للطائرات المسيّرة يُعرف باسم القبة الحديدية المضادة للمسيرات.

في هذا السياق نقلت مجلة "فوربس" الأمريكية عن فاسيليس نيدوس الذي كتب في صحيفة كاثيميريني اليومية اليونانية، أن اليونان نفّذَت سراً عملية نشر "مظلة للتصدي للمركبات الجوية غير المأهولة للعدوّ" فوق جزر ومواقع مهمة أخرى في جميع أنحاء البلاد.

النظام الذي اشترته أثينا من تل أبيب يُعتبر في الأساس نسخة مطورة من القبة الحديدية الإسرائيلية المضادة للصواريخ، ولكنه صُمّم وطُوّر خصوصاً لمواجهة الطائرات المسيَّرة، إذ تدّعي إسرائيل أنه يستخدم تكنولوجيا حديثة لتعمية المسيّرات وتعطيل خطط رحلاتها.

هل تنجح اليونان في مجابهة التفوق التركي؟

سعدت اليونان كثيراً بعد إقصاء تركيا من برنامج المقاتلة الشبحية الأمريكية " F-35" بعد شرائها منظومة الدفاع الجوي الروسية "S-400"، وتحاول من وقتها إقناع الولايات المتحدة ببيعها مجموعة من مقاتلات "إف-35"، فضلاً عن مساعيها لتعطيل صفقة مقاتلات "F-16" بين واشنطن وأنقرة التي أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه بحاجة إلى موافقة الكونغرس للمضيّ قدماً بهذه الصفة التي يدعمها.

وفيما يتعلق بطلب اليونان الرسمي شراء طائرة F-35 من الولايات المتحدة الأمريكية ، قال أليكسيس تسيبراس زعيم حزب سيريزا (ائتلاف اليسار الراديكالي) المعارض في اليونان إن رئيس الوزراء اليوناني "يعلن عن برنامج التسلح في كل مرة للتستر على الهزائم ".

ووصف تسيبراس النهج الإيجابي للرئيس الأمريكي بايدن في بيع طائرات F-16 لتركيا بأنه فشل لحكومة رئيس الوزراء ميتسوتاكيس، وقال: "ما نراه في القمة يجب أن يقلقنا. القضية ليست فقط بيع طائرات F-16، ولكن الدعم الكامل (الممنوح لتركيا) ".

وردّاً على شراء اليونان 24 طائرة مقاتلة مستعمَلة من طراز رافال من فرنسا بموجب عقد بلغت قيمته نحو 2.5 مليار يورو، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أقار: "لا يمكن تغيير ميزان القوى بامتلاك عدة طائرات مستعملة". يُذكَر أن تركيا تمتلك ضعف عدد الطائرات العسكرية التي تمتلكها اليونان، وأنها صاحبة ثالث أكبر أسطول من طائرات إف-16 الأمريكية بعد أمريكا وإسرائيل، إضافة إلى قدرتها على تطوير وتحديث سلاحها الجوي بالأنظمة والمعدات والأسلحة التي تنتجها شركات الصناعات العسكرية المحلية.

بالعودة إلى منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية، فإن عديداً من الخبراء يشكّكون في مدى فاعليتها ويرون أن نسبة نجاحها لا تتجاوز 5%. فيما قالت مجلة "The National Interest" الأمريكية في تقرير نشرته نهاية الشهر الماضي، إن السبب الرئيسي وراء امتناع إسرائيل عن إرسال القبة الحديدية إلى أوكرانيا هو الخوف من وقوع فضيحة تكنولوجية، لا التبرير الشائع بأن تل أبيب تتجنب تزويد كييف بهذه المنظومة لأنها لا تريد إغضاب روسيا.

TRT عربي