انتشار الحوادث والجرائم الغريبة والبشعة بشكل غير مفهوم داخل محافظة الدقهلية فى السنوات الأخيرة، يجعلنا نبحث وراء أسباب انتشارها بهذا الشكل، سواء على جانب علم الاجتماع، ومعرفة ماذا حدث للمجتمع فى «المحافظة»، أو هل هناك عامل نفسى وراء تلك الوقائع المؤسفة التى شغلت الرأى العام؟

الدكتورة دينا السعيد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنصورة، أكدت أنه بسبب انتشار العنف داخل «الدقهلية» خلال الفترة الأخيرة، كلفها الدكتور أشرف عبدالباسط، رئيس الجامعة، بتشكيل فريق من أعضاء هيئة التدريس فى قسم علم الاجتماع لدراسة وتفسير انتشار الجرائم البشعة داخل المحافظة.

«دينا»: لكل حادث سبب خاص تنوع بين تحقيق الذات والهروب من المسئولية والعنف والإدمان.. و«الحديدى»: الظروف الاقتصادية تتسبب فى ارتفاع نسبة العنف

وقالت «دينا» لـ«الوطن» يجب أن نعرف جيداً أنه بالتأكيد لكل حادث أو جريمة أسباب خاصة بها، ربما يكون من الأسباب الاضطراب النفسى والاكتئاب، أو انتشار المخدرات بين الشباب، وهى أحد أبرز أسباب حدوث الجرائم لأنها تُغيّب وعى الشخص ولا يدرى ماذا يفعل، وفى حالات تخلص الأب أو الأم من الأطفال ربما يكون بسبب الرغبة فى الهروب من المسئولية، ومن الممكن أن يكون الإقدام على ارتكاب جريمة رغبة فى تحقيق الذات، مثلما حدث فى واقعة المتهم بقتل الطالبة نيرة أشرف. وعن تكرار حالات الانتحار فى توقيت قريب، مثلما حدث مع انتحار شاب بسيارته من أعلى كوبرى الجامعة، ثم انتحار آخر من أعلى كوبرى القطار، توضح أستاذ علم الاجتماع، أنه ربما التضخيم الإعلامى لحوادث الانتحار يؤثر سلباً على أعداد المقدمين عليه، ومن يلجأ للانتحار يشعر قبلها بأنه مهمّش وغير مرغوب فيه من دائرة المعارف المحيطة به، متابعة: «بالفعل أجرينا دراسة عن الانتحار داخل مركز نبروه».

وأكدت «دينا» أن لديها طالبة سجلت فى الماجستير فى موضوع «انتشار جرائم القتل»، وأخرى ستناقش الدكتوراه الأسبوع المقبل عن «الجرائم المستحدثة للنساء»، وجميع الدراسات تتم على مستوى المحافظة، مضيفة: «حتى الآن الدراسات التى تتم داخل الجامعة أكاديمية فقط».

وعن الآليات التى يجب اتباعها داخل المحافظة لتحجيم العنف والجرائم، تضيف «دينا» أنه يجب التوعية بأهمية الحفاظ على النفس البشرية واحترامها، مع تدريب الشباب فى القرى وتوعيتهم بظاهرة القتل، ويجب أن تتعاون جميع أجهزة الدولة لمواجهة انتشار المخدرات بين الشباب، لأن لها عاملاً كبيراً فى انتشار الجرائم المختلفة، إضافة إلى التوعية بأهمية ممارسة الرياضة، وفتح المكتبات العامة لتنشيط الفكر لدى الشباب.

أما عن التأثير السلبى للجرائم المنتشرة فى الفترة الأخيرة على المواطنين داخل المحافظة، فقد أكدت أستاذ علم الاجتماع، أنه يؤثر سلباً على شعور المواطنين بالخوف وعدم الثقة والأمان: «يجب أن تكون الدراسات التى تجرى على الجرائم المختلفة تتم بشكل متواصل وليس مجرد إجراء روتينى».

أما على مستوى التحليل النفسى لتكرار الجرائم وانتشار العنف فى الفترة الأخيرة داخل محافظة الدقهلية، يقول الدكتور محمد الحديدى، أستاذ الطب النفسى، ورئيس وحدة الإدمان بكلية طب جامعة المنصورة، إن تكرار الجرائم من أبرز أسبابه أن المحافظة بها عدد سكانى كبير فى مساحة صغيرة، وهو ما يتسبّب فى كثافات سكانية عالية، وفى ظل الظروف المادية والاقتصادية الصعبة، يؤدى ذلك إلى ضغوط اجتماعية لدى الأهالى والأشخاص، وبالتالى تزداد لديهم نسبة العنف، إضافة إلى سهولة الحصول على المخدرات، وهو ما يُمكن الفرد من ارتكاب الجرائم المختلفة.

وأضاف «الحديدى» أن الإدمان والاكتئاب من أهم الأسباب التى تؤدى إلى تكرار الجرائم، ولا بد من محاولة التعامل بشكل جيد مع وسائل التواصل، التى يكون لها دور سلبى فى نشر تلك الجرائم دون وعى حقيقى، بتكرار الحديث عن الجرائم ووصف طريقة تنفيذها، وما له من عامل كبير فى تكرار الجرائم فى المجتمع، لأن الحديث عن تلك الجرائم بشكل تفصيلى يعتبر بمثابة ضوء أخضر، لمن يكون لديه استعداد على ارتكاب الجريمة، ولكن ما يمنعه أنه يجهل طريقة التنفيذ.

وأشار أستاذ علم الاجتماع إلى أن المخدرات تجعل الفرد لا يدرك ماذا يرتكب: «واقعة الأب اللى رمى أولاده الاتنين من على الكوبرى، وبعد كده راح قال إنه مش لاقيهم، وفى التحقيقات اعترف أنه قتلهم، وكانت المفاجأة اللى كشفتها التحقيقات أنه يتعاطى بعض أنواع المخدرات، واللى كان لها دور كبير فى التأثير سلباً على إدراكه».

جريمة هتك عرض طفلة على يد إمام مسجد يُفسّرها أستاذ الطب النفسى، بأن هناك بعض الاضطرابات النفسية المرتبطة بالميول الجنسية، حيث إن هناك بعض الأشخاص لديهم ميول ورغبات جنسية تجاه الأطفال، وفى كثير من الأحيان يكون أكثر استثارة عند رؤية طفل: «الاعتداء يكون درجات إما كامل أو تحرش، ومن هنا بنحذر كل الناس، بلاش نسيب الأطفال مع أى حد حتى لو أقارب من الدرجة الأولى، لأن وارد يكون عنده الميول دى، وهنا بنعرّض الأطفال للأذى الجسدى والنفسى».

ومن بين الدوافع التى قد تؤدى إلى القتل، حسب «الحديدى» هى حب المال، مثلما حدث فى قضية الأخ الذى هتك عرض شقيقته رغبة منه فى أخذ ميراثها: «فى الحالة دى تحديداً دافع المال بيكون مسيطر على الجانى، وبيحاول يتخلص من أى قيود ممكن تمنعه من جمع المال، علشان كده قرر يعمل فضيحة لأخته علشان يجبرها تتنازل عن ميراثها».