حميدتي في دارفور.. ضرورة موضوعية أم تكتيك سياسي


أكد محمد حمدان «حميدتي» قائد ثاني انقلاب السودان، أنه لن ينهي زيارته الحالية إلى دارفور قبل أن يجد حلاً لجميع المشكلات.. فهل هناك ضرورة موضوعية لهذا البقاء الطويل بالإقليم أم أن الأمر تكتيك سياسي لأهداف غير معلنة؟!!

التغيير- علاء الدين موسى

أكثر من عشرين يوماً قضاها نائب رئيس مجلس السيادة الانقلابي محمد حمدان دقلو «حميدتي» في دارفور «للقضاء على التفلتات الأمنية وإجراء مصالحات لوقف نزيف الدماء بالإقليم»- وفقاً لما تم إعلانه.

لكن كثيرون يشكّكون في وجود أهداف خفية وراء الزيارة، ويرون أنها جاءت في سياق تكتيك سياسي لتفاقم الخلافات بين دقلو ورئيس مجلس السيادة الانقلابي عبد الفتاح البرهان، الذي يواجه ضغوطاً من قيادات في الجيش يطالبون بضرورة دمج الدعم السريع ووضع حد للوضع القائم.

ويرون أن وجود حميدتي بدارفور سببه استياءه لقرار البرهان بعودة العسكر إلى الثكنات وهو ما يرفضه قائد الدعم السريع ويتمسك بعدم دمج قواته في جيش موحد.

مبررات

حمديتي مهّد لزياراته إلى دارفور بطرح هدف واحد، وقال إنه غادر الخرطوم لمعالجة كل القضايا والمشكلات القبلية في ولاية غرب دارفور، وإنه لن يرجع حتى يجد حلاً لتلك المشكلات.

وأضاف: «حضرنا هذه المرة، نحمل خيامنا للبقاء أطول فترة، ولن نغادر حتى نقف ميدانياً على كل صغيرة وكبيرة، نزور كل الأهل والمناطق التي شهدت أحداثاً، وسنجد حلاً لتلك المشكلات».

وأفادت مصادر بأن رحلة حميدتي ستمتد لفترة أطول، وأنه سيقضي عطلة عيد الأضحى في دارفور، وتعتبر هذه واحدة من أطول الفترات التي قضاها الرجل خارج العاصمة الخرطوم منذ توليه منصب نائب البرهان.

ويمر إقليم دارفور بواحدة من أسوأ الفترات على الصعيد الأمني، إذ توالى الانفلات عقب انقلاب البرهان في اكتوبر 2021م، ولم تفلح اتفاقية جوبا لسلام السودان 2020م في وضع حد لحوادث القتل والسلب والنهب.

ناشط سياسي: وجود حميدتي في الإقليم سيزيد من الأزمة لأن هنالك رفض واسع لزيارته

زيارة مرفوضة

الزيارة قوبلت بردود فعل مختلفة، في أغلبها كانت تعبر عن رفض مكونات الإقليم وغرب دارفور خصوصاً لزيارة قائد قوات الدعم السريع «الجنجويد» التي تمتلك سجلاً دموياً بالمنطقة.

وقال ناشط سياسي- فضل فضل حجب اسمه لـ«التغيير»، إن وجود حميدتي في الإقليم سيزيد من الأزمة لأن هنالك رفض واسع لزيارته باعتباره جزء من الأزمة ولن يستطيع حلها.

ونوه إلى الهتافات المناوئة لحميدتي في «مليونية 30 يونيو» بالجنينة عاصمة الولاية، حيث ردد المتظاهرون: «جنينة يا حرة الجنجويد برة».

وأضاف الناشط أن حميدتي يعمل على صناعة حاضنة جديدة من فلول النظام البائد والقيادات الأهلية التي تجد رفضاً كبيراً من قواعدها من خلال دفعه للأموال والسيارات.

واعتبر أن الأخير يعمل على استفزاز المواطنين بتصريحات تفتقد للباقة، على شاكلة «أي قلة أدب لا تنفع»، و«أديتكم 24 ساعة تنزلوا من الجبل وإلا يجيكم مطر بلا برّاق»- في إشار إلى الحسم بقوة السلاح، الأمر الذي وجد استنكاراً كبيراً من سكان الجبل.

وتوقع الناشط حدوث صدام بين المواطنين بعد مغادرة حميدتي الولاية مباشرة.

منسقية النازحين: السلطة الانقلابية ليست لديها المقدرة على حماية المواطن وإنما ترغب في استخراج الموارد بشراء الذمم والقبضة الأمنية

سيطرة على الموارد

غرض آخر خفي، تحدث عنه مراقبون ولصيقون بالملف، وهو محاولة السيطرة على الموارد التي تزخر بها مناطق الولاية.

وقال شهود عيان لـ«التغيير»، إن الغرض من زيارة حميدتي للجنينة هو السيطرة على الموارد خاصة في مناطق جبل مون ومحلية بيضة، وكشفوا عن زيارة مجموعة من دولة عربية «الإمارات» لحميدتي بمقره إقامته في الجنينة.

ونوهوا إلى أن الزيارة تضمنت وصول كمية كبيرة من الأموال تم تحميلها على «6» عربات دفع رباعي من المطار إلى المقر- حسب قولهم.

ومضى الناطق باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين آدم رجال إلى هذا الإتجاه بقوله، إن السلطة الانقلابية ليست لديها المقدرة على حماية المواطن «وإنما ترغب في استخراج الموارد بشراء الذمم والقبضة الأمنية».

ووصف رجال في حديث لـ«التغيير»، قادة الدولة بـ«المجرمين والشلليات» الذين تجمعهم مصالح شخصية وليست لديهم رؤية لإدارة الدولة وحفظ أمن المواطنين بدارفور.

وأكد أن الحل في إسقاط الحكومة الانقلابية واستعادة الحكم المدني.

وطالب المجتمع الدولي بإرسال قوة دولية عاجلة لحماية الضحايا في دارفور ومساعدة عملية الاستقرار بالإقليم.

خبير: هنالك خلافات مكتومة بين البرهان وحميدتي ويسعى الأخير للتمهيد لنفسه لتولي منصب الرجل الأول

خلاف مكتوم

من جانبه، وصف رئيس هيئة محامي دارفور الصادق علي حسن «السندكالي»، الأوضاع في السودان عامة ودارفور على وجه الخصوص بأنها غير واضحة وغير مستقرة، ومن المتوقع دخول البلاد في حالة الفوضى والانفلات الأمني.

ونوه في حديثه لـ«التغيير»، إلى وجود خلافات مكتومة بين البرهان وحميدتي، وسعي حميدتي لاستقطاب الإدارات الأهلية والقيادات المحلية للتمهيد لنفسه لتولي منصب الرجل الأول بالبلاد.

وقال: «ذهابه إلى دارفور في هذا الوقت والظرف يأتي في هذا السياق وتسجيل نقاط لمصلحته».

وأضاف: «يبدو أن البرهان قد فهم إتجاه ورسالة حميدتي وأصدر قراره المفاجئ الاثنين الماضي».

واتهم السندكالي حميدتي باستغلال الإدارات الأهلية والتي صارت مطية لرغباته، خاصة بعد وصفه لهم بـ«الجوكية»، وأشار إلى أنه صرّح بالقول إنه ليس في دارفور لأغراض المصالحات لأن موضوع المصالحات بين القبائل من المسائل البسيطة التي يمكَن أن تنجزها الإدارات الأهلية «الجوكية» وأشار إليهم، ولكن كما ذكر أن بقاءه لموضوع كبير ولم يذكره «ولا شك أن الموضوع الكبير هو السلطة ومنصب الرئيس بالتحديد».

وقال السندكالي: «بعد تقنين التنافس على السلطة من خلال رمزية القبيلة واستخدام مظلتها والمظلة الجهوية ولعدم وجود برامج حقيقة سوى الإستقطاب العشائري والجهوي دارفور وغيرها موعودة بتعقيدات المشهد السياسي والذي يضاف إلى الانفراط ليتوسع نطاق الفوضى المحتملة».

محلل: الأهداف الخفية لزيارة حميدتي تتمثل في الخلافات بينه وبين المنظومة العسكرية

علنية وسرية

فيما نبّه المختص في شؤون دارفور د. محمد تورشين، إلى أن زيارة حميدتي إلى إقليم دارفور تأتي في ظل تعقيدات المشهد السياسي والأمني ولديها أهداف علنية وسرية.

وقال لـ«التغيير»، إن الأهداف العلنية تتمثل في فرض هيبة الدولة والمساهمة في المصالحات المجتمعية لاسيما في ولاية غرب دارفور التي شهدت مواجهات عدة بين المكونات المحلية، في الجنينة.

وأضاف: «أيضاً من الأهداف عودة النازحين واللاجئين رغم أن بها تعقيدات مرتبطة باتفاق جوبا».

وتابع تورشين بأن «الأهداف الخفية تتمثل في الخلافات بينه وبين المنظومة العسكرية في مقدمته خلافه مع الفريق شمس الدين كباشي الذي يتمسّك بدمج الدم السريع في القوات المسلحة، وهذه الإجراءات تشكل تهديداً لوجوده في الساحة ما جعله يمكث أياماً عديدة مع أطراف العملية السلمية بإقليم دارفور ليرسل رسالة بأن أي مساس بقواته وقوات حركات السلام سيكون له ردة فعل قوية».

واعتبر تورشين أن «وجود حميدتي في دارفور للضغط السياسي وقطع الطريق أمام التوصل إلى أي اتفاق مع قوى الحرية والتغيير باعتبار أن أي محاولة لإبعاد الدعم السريع وحركات الكفاح المسلح نتائجه كارثية».

ورأى أن زيارة فولكر إلى الجنينة أكدت ذلك لأن إبعاد الدعم السريع والحركات يترتب عليه نتائج وخيمة.

مصالح مع إثيوبيا

وفيما يتعلق بموقف الدعم السريع مما يجري مع إثيوبيا، قال تورشين إن الدعم السريع لديه علاقات جيدة مع إثيوبيا ولديه استثمارات ضخمة في الأراضي الإثيوبية.

وأضاف: «في الجانب  السياسي الدعم السريع يميل لإثيوبيا التي ضمنت له وجوده وشرعنته في أغسطس 2019م».

وتابع: «حال كل المليشيات تفضل مصالحها على مصالح الوطن، لذلك لا أتوقع موقفاً عكس ذلك أو مغايراً للموجود الآن».

واختلف المحلل السياسي د. الرشيد إبراهيم، مع تورشين فيما ذهب إليه، واعتبر أن عدم مشاركة قوات الدعم السريع في الفشقة التي تحدث فيها مناوشات بين الجيشين السوداني والإثيوبي يعود إلى تقديرات القيادات العليا للجيش.

وأشار إلى أن القيادة إذا قرّرت مشاركة الدعم السريع لا أظن أنها ستخالف التعليمات لأنها تأتمر بأمر قائد الجيش لأنها جزء منه.

وأضاف: «سبق أن تحركت القوات وشاركت في الصفوف الأمامية».

ويعتقد د. الرشيد أن زيارة حميدتي إلى دارفور ذات محتوى أمني عسكري وآخر سياسي.

وقال لـ«التغيير»، إن تطوّر الأحداث في دارفور عقب أحدث كرينك وجبل مون وهبيلة شكّل مهدداً أمنياً للدولة السودانية خاصةً وأن غرب دارفور تحادد تشاد وفيها تداخل قبلي كثيف.

وأشار إلى أن الصراع في الجنينة حدثت بسببه مشكلة دارفور وما عرف   بالتقسيم القديم بين قبائل ذات أصول عربية وأخرى زنجية.

وأوضح أن حجم السلاح الذي استخدم وآليات الدفع الرباعي تُنذر بقيام حرب من جديد إن لم يكن هنالك تدخل سريع من قبل الدولة.

وأوضح الرشيد أن الصراع يمكن أن ينسحب في منطقة حدودية طريقة الإمداد إليها لها تأثير سالب على السودان، خاصةً وأن الأوضاع الأمنية في ليبيا جعلت عملية تهريب الأسلحة وعربات «البوكو» سهلة.

وغض النظر عن صحة الافتراضات التي طرحت وستطرح حول زيارة حميدتي إلى دارفور في هذا التوقيت، فإنه مما لا شك فيه، أن هنالك أسباب أخرى- غير المعلنة- دفعت بقائد الدعم السريع إلى البقاء بالإقليم كل هذه الفترة والتي قد تمتد أكثر، والتي حتماً سيكون لها ما بعدها، وهو ما سيتبدى بوضوح أكثر في مقبل الأيام.

تاريخ الخبر: 2022-07-08 03:22:14
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 60%

آخر الأخبار حول العالم

العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين مدينتي أكادير والرباط

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 03:25:12
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية