فى التاريخ الإخوانى سنجد مرشداً خفياً وآخر علنياً، طوال الوقت حتى الآن، فليس كل ما يظهر من الإخوان على السطح يجرى مثله تماماً أسفله.
فى حالة قائد الجماعة (المرشد) كان من وراء الستار مرشدون سريون وآخرون علنيون.. ينقل عصام تليمة عن كتاب (بقايا ذكريات) أنه عقب وفاة حسن البنا تولى الشيخ أحمد حسن الباقورى منصب المرشد العام للجماعة لمدة عام كامل.
يقول «تليمة»: قرأت المعلومة أول مرة منذ سنوات طويلة فى موسوعة سفير الإسلامية، عند حرف الألف، واسم أحمد حسن الباقورى، وفوجئت بمعلومة أنه تولى أمر الإخوان بعد «البنا»، إلى أن تم تسليم المنصب والأمور كاملة للمرشد المنتخب المستشار حسن الهضيبى، رحمه الله. وكانت معلومة الموسوعة فى أقل من سطر، ولم تكن شافية من حيث المعلومة التاريخية والتفاصيل، إلى أن قرأت مذكرات «الباقورى»، التى تحمل عنوان: «بقايا ذكريات».
حين تولى حسن الهضيبى منصب المرشد العام، تنازع الجماعة تياران هما: تيار النظام الخاص، وتيار الجماعة العلنى، وأصبح المرشد يمثل أحدهما، بينما يمثل حسين كمال الدين التيار الآخر.
حسين كمال الدين أحمد إبراهيم، عضو مكتب إرشاد الجماعة، وعضو النظام الخاص، الذى سجن أيام فاروق وناصر، وكان أستاذاً فى جامعتى القاهرة وبغداد لعلم الفلك، توفى عام 1986.
ولما تولى عمر التلمسانى منصب المرشد العام من بعد «الهضيبى»، نجح النظام الخاص فى تولية حلمى عبدالمجيد كمرشد سرى موازٍ.
حلمى عبدالمجيد، الذى توفى عام 2013، كان فى أول مجموعة للهيئة التأسيسية للجماعة وضمن لجنة العضوية بها وكان أصغر الأعضاء سناً، وقد تولى قيادة النظام الخاص لفترة بعد مقتل سيد فايز حتى تسلمها يوسف طلعت. عمل «عبدالمجيد» مهندساً، وأشرف على بناء مطار القاهرة الدولى، وشغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة فودكو للمواد الغذائية، وكان عضواً بمجلس إدارة بنك فيصل الإسلامى، ونائباً لوزير الإسكان والتعمير، ونائباً لرئيس مجلس إدارة شركة المقاولون العرب.
لقب «عبدالمجيد» بلقب المرشد السرى، بعد أن تولى منصب مرشد الإخوان بشكل سرى، عقب وفاة حسن الهضيبى، بعدما ذهب عدد من قيادات مكتب الإرشاد إليه وطلبوا منه أن يكون مرشداً سرياً دون تقديمه للرأى العام، ولا يعرفه إلا قيادات الإخوان فقط، وبايعوه على ذلك، لكن بعدها لم يقبل أعضاء الإخوان المسلمين، فى عدد من الدول العربية، هذا، وخرجت من الكويت والسعودية منشورات من أعضاء الإخوان عناوينها «المرشد المجهول يقود الجماعة إلى مصير مجهول»، وفى عام 1976 ترك «عبدالمجيد» موقعه، وقام أعضاء مكتب الإرشاد بمبايعة عمر التلمسانى، المرشد الثالث للإخوان.
وفى عهد محمد حامد أبوالنصر تولى مصطفى مشهور قيادة الجماعة بشكل سرى، وظلت الأمور هكذا حتى وصل الإخوان للحكم ثم عزلوا منه، وانقسمت الجماعة العلنية، بينما تشير تقارير كثيرة ومعلومات من مقربين من الجماعة إلى أن حلمى الجزار يمكن أن يكون هو المرشد السرى للتنظيم بالكامل.
على العموم، هذه هى طريقة الإخوان، ففى الاستراتيجية الإخوانية: التنظيم العلنى والخاص السرّى، والجناح السياسى الدعوى، والآخر الاقتصادى، والعسكرى، يخترق الجناح السياسى المؤسسات بشكل قانونى وشرعى، وعن طريق التخفى وراء شعارات الحرّية وتختلط هنا التفسيرات الدينية والسياسية، ويعمل الإخوان مع مستقلين، وأحزاب ليبرالية علمانية، ويستقطبون قوى سياسية أخرى تحت عنوان (مصلحة الدعوة).
وبينما يرفعون شعار الوطنية أمام الساسة، يستخدمون الأستاذية العالمية أمام أفراد التنظيم، وحين يبدون مسالمين لأقصى درجة مع الأنظمة القادرة، يستخدمون التكفير والإقصاء مع الأحزاب والجماعات والأنظمة السياسية الأخرى.
ويدفع التخفى لاختلاف الخطاب الدعائى الإعلامى للجماعة، فهو للغرب غير الشرق، وهو للداخل غير الخارج، وبينما هو للصفّ ثائراً مجاهداً، فهو للأنظمة مسالماً، وللشعوب يبحث عن الخبز والعيش والحرّية.
وفى الناحية العسكرية الخاصة، لا يمنع التخفّى من صناعة مجموعات تنظيمية مسلحة بأسماء أخرى غير الإخوان، واستغلال المناشط الدعوية فى الدفع لصناعة مجموعات مغايرة للجماعة، لكنها المحرقة التى تشغل الأنظمة فى معارك جانبية عن التنظيم الإخوانى، الذى يتحرك فى نواحٍ أخرى يستغلّ فيها العمل الظاهر، كالمؤتمرات والرحلات والمخيمات، لاحتلال هوامش المجتمعات، ثمّ تضييق الدائرة تماماً على المركز لإسقاطه تماماً فى قبضة الجماعة.
فى النهاية، لا بد أن ندرك أن الجماعة الإخوانية العلنية تعمل ظاهرياً، لكن هناك جماعة موازية أكثر سرية، لديها مرشد سرى خفى يعمل من وراء الستار، لكنه هو المسئول الأول عن تحريك عناصر الجماعة مثل الدمى المربوطة فى خيوط بإصبعه.
نقلا عن "الوطن"
