أضحية العيد، أحكام وسنن


1- الأضحية: تعريفها

الأضحية هي: الشاة تذبح يوم الأضحى، ويجوز فيها حذف الهمزة فتفتح الضاد الضَّحِيَّة، والجمع ضَحايا، وهي أضحاة، وفي الحديث: “إن على كل أهل بيت أضْحَاةً كل عام”. أي أضحية، والجمع أضحى وبه سمي يوم الأضحى، وتسميتها اشتقت من اسم الوقت الذي تشرع فيه وهو وقت الضحى.

وعليه فالأضحية هي: الشاة تذبح ضحى يوم العيد تقرباً إلى الله تعالى وبنية التعبد.

2- حـكمها

هي سنة واجبة عن أهل كل بيت مسلم قدَرَ أهله عليها، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا” .

قال تعالى: وَالبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّنْ شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ .

قال ابن حزم: (لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة).

وقال ابن حجر في الفتح: (وصح أنها غير واجبة عن الجمهور، ولا خلاف في كونها من شرائع الدين)، وقال أحمد (يكره تركها مع القدرة).

وعليه فهي سنة مؤكدة للقادر عليها والمستطيع، ويكره كراهة شديدة في حق من لا يقوم بها مع السعة والقدرة، أما العاجز وغير القادر فلا تجب عليه.

وقد كان كبار الصحابة كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما لا يضحيان ويتصدقان بثمن الأضحية، وما ذلك إلا لإعلام وإشعار الناس أنها ليست واجبة.

وما أحوجنا في هذا الوقت إلى فقه يُفهم الناس أنه لا حرج في الدين، وأن نميز بين العبادة وأداء النسك، وبين العادة والغرق في التقاليد، حتى صرنا نخرج كثيراً من النسك عن سياقها التعبدي إلى المظاهر من المفاخرة والتعالي.

3- فضلها

ورد في فضلها أحاديث كثيرة كلها تشعر بالفضل العظيم والثواب الجزيل للمضحي وأهله.

ـ عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما عمل آدميٌّ من عمل يَوْمَ النَّحْرِ أحبَّ إلى اللَّهِ من إِهْرَاقِ الدَّمِ، وَإنَّهُ لتَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ فِي فَرْشِهِ بِقُرُونِهَا وَأشْعارِهَا وَأظْلافِهَا، وَإنَّ الدم ليَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَان قبل أن يَقَعَ منَ الأرضِ فَطِيبُوا بِها نفساً” .

ـ وعن زيد بن الأرقم قال: “قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله مَا هذهِ الأضَاحِي؟ قال: سنَّة أبِيكُم إبْراهيم، قالوا: فمَا لنَا فِيها؟ يارسول الله! قال: بِكُلِّ شَعْرَةٍ حسَنة قالوا: فالصُّوف؟ يارسول الله! قال: بكل شعْرَةٍ من الصُّوفِ حسنَة” .

ـ وعن عليٍّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يأيها الناس ضحُّوا واحتَسِبُوا بِدِمَائِها فإن الدم وإن وقعَ في الارض فإنه يقعُ في حِرْزِ الله عز وجل” .

ـ وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من ضَحَّى طَيِّبَةً نَفْسُهُ مُحْتَسِباً لأضحيتِهِ كانت له حجاباً من النار” .

4- حكمة مشروعيتها

أ ـ التعبد لله تعالى وطاعته فيما أمرنا به

امتثالا لقوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرِ .

وقوله تعالى: قُلِ إنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَماتِيَ للهِ رَبِّ العَالَمينَ لا شَريكَ لَهُ .

ب ـ اتباع سنة أبينا إبراهيم

وفي اتباعنا له في هذه السنة تذكير بفضل الله تعالى ونعمته علينا، وبذالك الموقف الكبير والفداء العظيم والامتثال الكبير من سيدنا إبراهيم لله رب العالمين في طاعته حيث أمره أن يذبح إبنه إسماعيل، وكيف كان التعاون الأب مع إبنه في تنفيذ أمر الله تعالى.

ج ـ شكر الله تعالى على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام

قال تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ .

5- ما يشترط في سن الأضحية

لا يجزئ من الضأن أقل من الجذع، والجذع ما أوفى سنة أو قاربها.

ولا يجزئ في غير الضأن من المعز والإبل والبقر أقل من الثَنِيِّ.

والثَّنِيُّ في المعز ما أوفى سنة ودخل في الثانية.

وفي الإبل ما أوفى أربع سنوات ودخل في الخامسة.

وفي البقر ما أوفى سنتين ودخل في الثالثة.

أخرج مسلم في صحيحه عن جابر قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذبحوا إلا مُسِنَّة إلا أن يعْسُرَ عليكم، فتذبحوا جَذعَة من الضَّأنِ”. وزاد الترمذي: “والمسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم”.

6- سلامتها من العيوب

الأضحية قربة إلى الله تعالى فلا تجزئ سوى السليمة الخالية من كل نقص في خِلقَتِها. إنَّمَا يَتقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ.

فلا تجزئ العوراء ولا العرجاء ولا العَضْبَاء: وهي المكسورة القرن من أصله أو مقطوعة الأذن من أصلها.

ولا المريضة.

ولا العجفاء: وهي الهازل التي لا مخَّ فيها لضعفها وهزالها.

وذالك لما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أربَعٌ لا تُجزئ في الأضَاحي، العوراء البين عَوَرُهَا، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظَلعُها، والكَسِيرَةُ التي لا تُنْقِي” .

وعن قتادة أنه ذكر أنه سمع جُرَيَّ بن كليب يحدث أنه سمع عليّاَ يحدث “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يُضحَّى بأعْضَبَ القَرْنِ والأذُنِ”.

ومن لم يجد إلا ذات عيب فلا بأس، ومن حدث له طارئ على أضحيته فأحدث فيها عيباً كأن كسر قرنها أو قطعت أذنها أو أصابها مرض ولا وقت لاستبدالها فلا بأس بها، لحديث أبي سعيد الخدري قال: “ابتعنا كبشاً نُضَحِي به، فأصاب الذئب من أليته أو أذنه، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن نضحي به” .

وقد توسع بعض الفقهاء في ذكر العيوب حتى ضيقوا الخناق وشددوا، ولا نرى موجباً لذالك فالسنة أولى بالتوضيح وقد ذكرت من العيوب أربعة فلا داعي للتوسع وفرض مالا يفرض.

7- الأحسن منها والأجود

فُحُول الضّأن في الضحايا أفضل من خصيانها، “لقول النبي صلى الله عليه وسلم: خير الأضحية الكبش الأقرن، وخير الكفن الحلية” .

وخصيانها أفضل من إناثها، لأن المقصود من الأضحية طيب اللحم، ولحم الخصي أطيب من لحم الأنثى، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم، ضحى بالخصي ولم يصح عنه أنه ضحى بالأنثى.

وإناثها من الضأن أفضل من الذكور المعز ومن إناثها، وفحول المعز أفضل من الإبل والبقر في الضحايا.

8- وقت الأضحية

وقتها صباح يوم العيد بعد الصلاة، أي صلاة العيد، فلا تجزئ قبله أبداً، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم تصدق به على أهله، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين”.

وعن البراء رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: “إنَّ أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا، ومن نحر فإنما هو لحم يقدمه لأهله، ليس من النسك في شيء، فقال أبو بردة: يا رسول الله: ذبحت قبل أن أصلي وعندي جذعة خير من مسنة، فقال: اجعلها مكانها، ولن تجزئ أو توفي عن أحد بعدك” .

ومن ذبح قبل الصلاة فليعد مكانها أخرى إن توفر له إدراكا للأجر لحديث سفيان البَجَلِيِّ قال: “شهدت النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال: من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح” .

ومن فاته الذبح يوم العيد فإنه يجوز له تأخيرها لليوم الثاني والثالث بعد العيد، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: “كل أيام التشريق ذبح”.

أما قول: فإنه يؤخر الذبح في اليوم الأول إلى الزوال، فقد قال أهل العلم: له أن يصير إلى ضحى اليوم الثاني.

قال سيدي أحمد بن الصديق رحمه الله تعالى: (هذا مجرد استحسان لا مستند له، بل هو مخالف للنصوص، وقد أنكره العلماء على ابن حبيب وضعفوا رأيه هذا وهو الحق) .

وعليه فأيام النحر ثلاثة، يذبح فيها أو ينحر إلى غروب الشمس من آخرها لحديث: “كل أيام التشريق ذبح وعرفة كلها موقف”.

وعن نافع عن عبد الله بن عمر قال: (الأضحى يومان بعد يوم الأضحى).

وأفضل أيام النحر أولها لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على الذبح فيه.

9- أعمال الذبح

1ـ يستحسن أن يشرف المضحي فيذبح بنفسه، هذا إن كان يتقن الذبح، ومن الأفضل أن يتعلم ويتدرب من لا يتقن الذبح لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح بنفسه ولم يوكل أحداً.

عن أنس قال: “ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين، فرأيته واضعاً قدمه على صِفَاحِهِمَا يسمي ويكبر فذبحهما بيده” .

ولا بأس لمن لا يتقن عملية الذبح أو لضعف… إلخ أن يوكل غيره.

2ـ إشهاد الأهل والأولاد الأضحية للحديث المتقدم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها…” إلخ.

ليعم الخير والثواب على الجميع، وأضحية الرجل تجزئه وتجزئ أهل بيته، لحديث أبي أيوب قال: “كان الرجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته”.

ولا يشترك إثنان في أضحية واحدة إلا في الأجر فقط، وإنما تكون الشركة في الإبل والبقر.

3ـ تهيئ المكان وتجهيزه للأضحية وذالك بتحديد المدية ـ السكين ـ وإعدادها جيداً بعيداً عن الأضحية، وأن تكون صالحة للذكاة، فإن كان المكان يذبح فيه أكثر من أضحية فيجب فصلها وذبحها واحدة واحدة، وتنظيف المكان بعد كل عملية، وغسل الدم إحساناً إليها لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبْحَة، وليُعِدَّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته” .

ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهم يحد شفرته وهو ممسك بأضحيته فنهاه عن ذالك وعاتبه وقال له أليست ترى وتنظر ماذا تفعل.

4ـ استقبال القبلة وأن يوجهها اتجاهها ويقول: إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له.

وإذا باشر الأضحية أن يقول: (باسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك وإليك).

5ـ طريقة الذبح: أن يقطع الحلقوم وهو القصبة التي يجري فيها النفس، والوَدَجَيْن وهما عرقان في صفحتي العنق يتصل بها أكثر عروق البدن.

قال الشيخ خليل: (الذكاة قطع مميز يناكح تمام الحلقوم والودجين من مقدم بلا رفع قبل التمام).

وسواء بقيت العقدة أعلى أو أسفل لا يضر خلافاً لبعض تشديدات الفقهاء، وفقهنا يجب أن نبنيه على التيسير لا تعسير.

6ـ يسن لمن أراد أن يضحي ألا يأخذ من شعره أو أظفاره شيئاً، وذلك إذا أهلَّ هلال شهر ذي الحجة حتى يضحي تشبهاً بالحجاج المحرمين.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحي” .


[1] رواه ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجة والدارقطني.
[2] الحج 26.
[3] رواه ابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن غريب، والحاكم وقال صحيح الإسناد.
[4] أخرجه ابن ماجة.
[5] أخرجه المنذري في الترغيب.
[6] المصدر نفسه.
[7] الكوثر.
[8] الأنعام.
[9] الحج.
[10] أخرجه ابن ماجة في باب ما يكره من الأضاحي.
[11] أخرجه ابن ماجة.
[12] أخرجه أبو داود.
[13] أخرجه البخاري.
[14] أخرجه البخاري.
[15] مسالك الدلالة على متن الرسالة للحافظ أحمد بم محمد بن الصديق.
[16] أخرجه البخاري.
[17] أخرجه مسلم.
[18] أخرجه مسلم.
تاريخ الخبر: 2022-07-09 15:20:19
المصدر: الجماعة.نت - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 56%

آخر الأخبار حول العالم

نص الخطاب الملكي إلى القمة الـ 15 لمنظمة التعاون الإسلامي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 21:26:08
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 64%

فينيسيوس أفضل لاعب في المربع الذهبي لدوري الأبطال

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 21:26:02
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 51%

فينيسيوس أفضل لاعب في المربع الذهبي لدوري الأبطال

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 21:25:56
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 59%

نص الخطاب الملكي إلى القمة الـ 15 لمنظمة التعاون الإسلامي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 21:26:03
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 55%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية