افتتاحية الدار: رفض المغرب منسجم مع موقفه الحيادي من الحرب.. لماذا طلب رجال الأعمال الروس استغلال موانئه ولم يطلبوا ذلك من الكابرانات؟


الدار/ افتتاحية

مرة أخرى يؤكد المغرب بقراراته السياسية الواضحة أن السيادة الوطنية فوق كل اعتبار. هذا ما عبّر عنه مجددا عندما رفض وضع مينائي طنجة والدار البيضاء حسب رجال الأعمال الروس في خدمتهم لنقل البضائع والالتفاف على العقوبات التي تفرضها الدول الغربية على موسكو. هذا الخبر الذي أورده موقع “موسكو تايمز” الإخباري يكشف عن دلالات سياسية عميقة ينبغي التوقف عندها. فإلى جانب استقلالية القرار يعكس هذا القرار التزام المغرب أمام المنتظم الدولي بحياده الذي أعلنه تجاه الحرب الدائرة بين أوكرانيا وروسيا. كما ينطوي هذا الحدث على إبراز واضح لمكانة المغرب التي أصبحت بالنسبة للعديد من القوى الدولية محطة لا يمكن التحرك خارج دائرة التعاون والتعامل معها.

فعندما أراد رجال الأعمال الروس أن يبحثوا عن حلول بديلة للتزويد عبر الموانئ واستيراد السلع والبضائع لتخفيف العقوبات لم يجدوا بدا من طلب ذلك من المغرب للاستفادة من خدمات مينائي طنجة والدار البيضاء. لم يطلبوا ذلك من دولة الكابرانات على الرغم من العلاقات القوية التي تربط روسيا بالجزائر. هذه الواقعة وحدها تكفي للدلالة على الحال الذي وصل إليه كل من المغرب والجزائر على مستوى البنيات التحتية والتطور الاقتصادي. فميناء طنجة المتوسط أكد بالملموس والأرقام أنه ضمن قائمة أكبر عشرة موانئ في العالم وأكثرها نشاطا وحركية. بل إن هذا الميناء يتربع اليوم على عرش موانئ البحر الأبيض المتوسط وتعِد توقعات النمو فيه بمستقبل واعد لحركة الملاحة التجارية بالمغرب.

لماذا لم يطلب رجال الأعمال الروس من السلطات الجزائرية الاستفادة من خدمات ميناء الجزائر العاصمة مثلا؟ الجواب بكل تأكيد هو أن المسؤولين الروس يدركون جيدا أن موانئ الجزائر لا تمتلك القدرات التخزينية والملاحية الكافية للاستجابة لانتظاراتهم وتطلعاتهم في مجال نقل وتسويق وتزويد السوق الروسية بالبضائع. فالكابرانات الذين يقضون وقتهم في البحث عن التقاط الصور والاستعراضات البهلوانية لتقديم أسلحة متآكلة تنتمي إلى الحقبة السوفياتية نسوا على مدى عقود من الزمن حققت فيها البلاد فوائض مالية هائلة أن يقوموا بتطوير بنياتها التحتية ويبنوا المنشآت الكافية سواء الملاحية أو الصناعية لتأهيل الجزائر ووضعها على سكة التنمية الاقتصادية المغاربية والإفريقية في إطار التكامل الذي كان المغرب يدعو إليه باستمرار.

هذا الطلب الذي قدّمه رجال الأعمال الروس للمغرب والرفض الذي قوبل به يؤكد أيضا أن المغرب ملتزم تماما بموقفه الحيادي الذي عبّر عنه منذ بداية الحرب. لقد تغيّب المغرب عن جلسة مجلس الأمن الأولى التي تم خلالها مناقشة قرار أممي ضد روسيا، واختارت السلطات المغربية عبر قنواتها الدبلوماسية الإعراب عن موقف متوازن جدا مما يجري، خارج دائرة التخندق في هذا الصف أو ذاك. فالمغرب يريد أن يحافظ على علاقاته الراسخة مع روسيا والتي تم تعزيزها منذ سنوات، وفي الوقت نفسه لا يريد أن يسيء إلى علاقاته التاريخية مع الدولة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. ولعلّ القرار الذي اتخذته كل من موسكو وكييف بتغيير سفيريهما بالرباط بسبب مواقف قد تسيء إلى العلاقات مع المغرب، أكبر دليل على أن النهج والموقف الذي يتبناه المغرب راسخ ولن يتغير ويدفع الآخرين مهما كانت تطلعاتهم إلى احترام الإرادة المغربية.

ولا يصدر هذا الموقف المغربي عن منطق توظيف أو تموقع سياسوي وانتهازي عابر بل هو منسجم تماما مع السياسة الدبلوماسية التي ينهجها المغرب منذ سنوات، القائمة على احترام السيادة الترابية لكل الدول وعدم تشجيع أي شكل من أشكال العدوان أو الحرب بأي دعم كان سواء بالصوت أو المال أو السلاح. لقد ثبت الموقف المغربي على الرغم من كل الطلبات والضغوط التي جاءت من هنا وهناك، وأصرت السلطات المغربية على التعامل مع الأزمة الأوكرانية بقدر كبير من الحياد وعدم التحيز دون تسرع أو محاباة لأي طرف كان. والأكثر من هذا أن موقف المغرب حظي بقدر كبير من الاحترام حتى بين حلفائه الغربيين الذين لا يترددون في كثير من مناطق العالم في ممارسة ضغوط وفرض سياسات على أنظمة عديدة لأنها لا تساير إرادتهم. ولهذه الاعتبارات يمكن القول إن طلب رجال الأعمال الروس استغلال موانئ المغرب يعتبر شهادة دولية بمكانة المغرب في خارطة النمو الاقتصادي العالمي، ورفض المغرب لهذا الطلب دليل جديد على استقلالية القرار الدبلوماسي وثبات السياسات الخارجية في مواجهة أي كان.

تاريخ الخبر: 2022-07-12 15:24:07
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 65%

آخر الأخبار حول العالم

قتل طفل في مصر ونزع أحشائه بسبب "الأنترنت المظلم"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-27 21:25:52
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 66%

الدورة الـ16 للمعرض الدولي للفلاحة بمكناس ..توافد غير مسبوق للزوار

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-27 21:25:07
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 63%

قتل طفل في مصر ونزع أحشائه بسبب "الأنترنت المظلم"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-27 21:25:57
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 69%

يتضمن "تنازلات".. تفاصيل المقترح الإسرائيلي لوقف الحرب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-27 21:25:50
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 68%

يتضمن "تنازلات".. تفاصيل المقترح الإسرائيلي لوقف الحرب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-27 21:25:42
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 65%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية