فرضية إتيان السعادة
فرضية إتيان السعادة
تري كيف هو الوصف الدقيق للسعادة؟ أهو انتفاء الحزن أم التمتع بقدر من الغبطة؟ وما هي الحالة الافتراضية للنفس البشرية في حالة الاتزان النفسي؟ وهنا يبدر السؤال حول فرضية النفس البشرية في علاقتها بالسعادة علي النحو التالي:
1- هل يفترض أنني في حالة سعادة طالما لا توجد معضلة تكدرني؟
2- أم أن النفس البشرية في الأصل في حالة متعادلة ولكنها بعيدة نسبيا عن السعادة, ولكن حدوث أمر مبهج هو ما يستدعي السعادة؟
في الحقيقة, سواء كانت الفرضية الأولي هي المنطقية, والتي تقبل بالتسليم, أو كانت الفرضية الثانية, ففي كل الأحوال دعنا نتفق علي أن السعادة هي حالة من الرضا النفسي, وعلينا التفرقة بين السعادة والفرح لأن الفرح ليست حالة كما هي السعادة, وإنما شعور بالغبطة.
السعادة نمط حياة ممتد يعيشه الفرد لأسابيع وأشهر, وقد يمتد لسنوات إلا أن استمرارية السعادة لا تعني أن يظل الإنسان باسما أو ضاحكا, فقد يتخللها لحظات أو فترات من الحزن جراء مصادفة متاعب أو تلقي أنباء غير سارة, وعلي النقيض في وصف لحظات الفرح التي دائما ما تكون مؤقتة تبدأ لدي تلقي مبررات الفرح وتزول بزوال الأسباب أو تقادم واعتياد الإحساس المحرك للسعادة.
يري الباحثون في بيولوجيا الإنسان أن السعادة مكون عاطفي تحكمه كيمياء معلومة التركيب يطلقها نسيج المخ لدي تلقي دوافع البهجة, وتحديدا وبشكل علمي هناك ثلاثة عناصر كيميائية تشترك في صناعة السعادة, ولكل منها تركيب خاص وظروف إنتاج خاصة:
1- مادة الدوبامين وهي هرمون يطلقه المخ لدي التهيؤ لنيل المكاسب, لذلك يعرف بهرمون اللذة والنشوة.
2- مادة السيروتونين وهي أيضا مادة داخلية يفرزها الجسم لدي الاستجابة للمؤثرات الحسنة فتمنح الإنسان الشعور بالسعادة.
3- هرمون الأوكسيتوسين وهي مادة تترجم الانفعالات النفسية لإحساس غامر بالسعادة, وهو بذات الوقت يعتبر الهرمون القابض لعضلة الرحم سواء لدفع المولود وقت المخاض أو وقف النزف بعد الولادة.
هل هناك أطعمة تساعد علي إتيان السعادة؟
تم التسويق عبر عدة عقود لبعض أنواع الأطعمة كمحفز غذائي للمخ لإنتاج بعض هرمونات السعادة مثل الموز ومادة الكولا وكاكاو الشيكولاتة, إلا أن علاقة السببية مع السعادة لم تتأكد بعد, ولكن يمكن القول بأن هذه الوجبات والمشروبات محببة للنفس البشرية إلي حد إحداث السعادة.
وفي المقابل, هل للحزن هرمونات أو مواد كيميائية تتسبب به؟
في الحقيقة, ليس للحزن مرادف كيميائي يدعمه, ولكن هناك مكونا عصبيا تفاعليا يحدثه ويؤتي آثاره وعلاماته, وغالبا ما يعبر الجسم عن مفردات هذا التحكم العصبي في الحزن عبر لغة الجسد مثل تعبيرات الوجه والانفعالات الحركية والحسية والحالة المزاجية.
التعايش بين النفس والبدن في حالات السعادة والحزن:
ثمة نوعان من الأمراض التي تصيب الإنسان وهي الأمراض العضوية أي التي تصيب البدن في أي الأعضاء, وكذلك الأمراض النفسية التي تصيب النفس وتتسبب في الأمراض النفسية وتغيير الحالة المزاجية والتأثير علي فسيولوجيا النوم واليقظة.
تؤثر السعادة -ومثلها الحزن- علي أعضاء البدن وتحدث تغيرات ملموسة, ولكن تختلف الأعضاء المستهدفة بهذه الاستجابة ومن ثم إحداث الأثر من عضو آخر, كما أن هناك فروقا بائنة بين الجنسين.
في حالات السعادة تتأثر عضلات الوجه والفكين وعضلات التعبير الانفعالي الموزعة تحت جلد حول الفم وحول محجر العينين وتحت جلد الرقبة والجبهة, وهي جملة الملامح المسئولة عن توقيع بصمة الشيخوخة علي الوجه مع تقدم العمر, أما علي الصعيد الداخلي للجسم, فالحزن يتعامل مع كل أعضاء الجسم ولكن بدرجات متفاوتة وقد يعطل بعض الوظائف مثل وظيفة الهضم, وقد يهيج بعض الوظائف الأخري مثل حركة الأمعاء الدقيقة أو الغليظة وأكثرها شيوعا هو القولون العصبي, أو يحفز بعض الوظائف الأخري مثل إفراز هرمون الأدرينالين من الغدة فوق الكلوية وهو الهرمون المسئول عن إرباك وظيفة القلب والعضلات واضطرابات النوم وارتفاع ضغط الدم وتسارع نبضات القلب, وكذلك التأثير علي الغدة الدرقية وتحفيزها علي إفراز هرمون الدرق وهو عنصر فعال في تحديد نمط النمو البدني.
ولكن تأتي الخسارة الأكثر بشاعة دائما في استهداف الجهاز الهرموني في البنات والسيدات وما يتبع ذلك من تعطل في فسيولوجيا الإنجاب بدءا من انتظام الدورة الشهرية ومرورا بتوقف التبويض أو تكيس المبيض والتسبب تباعا في خلل وظيفي قد يحول دون حدوث الحمل للسيدات في الفترة الإنجابية.
ظهرت في الآونة الأخيرة دراسات عديدة وضحت العلاقة بين الحزن وسلامة الجهاز المناعي وما يتبع ذلك من وقوع الجسم فريسة للسرطان باختلاف أنواعه. كان الظن السائد أن جهاز المناعة في الجسم يعني بالدفاع عنه ضد غزو الجراثيم ومسببات الأمراض, ولكن تبين أن هناك دورا أعظم وهو مهاجمة الخلايا السرطانية التي غالبا ما تتوالد في الجسم ويتعامل معها الجهاز المناعي في صمت دون أن نلمح ذلك, وفي النهاية يمكن الجزم بأن سلامة المكون النفسي هي بالأساس حصاد تمتع الإنسان بساعات أطول من السعادة في منافسة مع ساعات الحزن.
ما العمل؟
تخلص من كل ما يشعرك بالكدر, وبعيدا عن قراءتنا يجب التحايل علي المعاناة بالبحث عن بدائل فورية لأي مشكلة يطول أمدها أو يصعب حلها, فالجسم لا يقبل المساومة ولا التفاهم لدي المشكلات إلا في حدود قليلة جدا.
اصنع سلامتك بنفسك.