لأول مرة منذ اعتماده سنة 2002 عملة موحدة لدول الاتحاد الأوروبي، عادل سعر اليورو في الأسواق العالمية سعر الدولار الأمريكي. كان ذلك يوم الاثنين، في انهيار غير مسبوق للعملة الأوروبية الموحدة، حذَّر محللون بأنه لن يتوقف عند ذلك الحد.

فيما يأتي هذا الانهيار بفعل مخاوف بأن أزمة طاقة ستدفع المنطقة إلى ركود، في حين تلقت العملة الأمريكية دعماً من توقعات بأن مجلس الاحتياطي الاتحادي سيرفع أسعار الفائدة بوتيرة أسرع وأقوى من أقرانه. وفي صبيحة الأربعاء، واصل اليورو تراجعه لما تحت العملة الأمريكية، ليصبح سعره 0.9998 دولار، هذا قبل أن يرتفع مجدداً بشكل طفيف إلى 1.0023 دولار.

اليورو يواصل انهياره

ومنذ بداية العام، بلغت نسبة تهاوي اليورو إلى فقدانه حوالي 10% من قيمته مقابل الدولار، هذا وسط مخاوف من أن التباطؤ الاقتصادي الحاد في منطقة اليورو سيترك أسعار الفائدة لدى البنك المركزي الأوروبي أقل بكثير من معدلات الاحتياطي الفيدرالي، ما سيزيد في تأزيم العملة.

هذا وحذر المحللون من أن اليورو ربما لم يصل بعد إلى أدنى مستوياته، نظراً للمخاطر المستمرة من أن قطع الغاز الروسي التي قد تدفع المنطقة إلى ركود عميق. وكان انخفاض قيمة اليورو، يوم الاثنين، تزامناً مع إعلان عملاق الطاقة الروسي "غازبروم" قطع واردات الغاز الأوروبية خط "نورد ستريم 1"، بدعوى إجراء عمليات صيانة ضرورية.

وحسب موقع "بوليتيكو" الأمريكي، قد يؤدي سيناريو قطع الغاز الروسي بدوره إلى تقييد قدرة البنك المركزي الأوروبي بشكل كبير على رفع أسعار الفائدة، وإن لم يقم بعد بذلك. كما من المتوقع أن ترفع أسعار الفائدة المعيارية بمقدار 25 نقطة أساس في 21 يوليو/تموز، عندما تعقد اجتماع السياسة المقبل ، وربما تعلن عن زيادة أكبر في سبتمبر/أيلول.

وقال كبير اقتصاديي "المعهد الدولي للمالية" روبين بروكس، في تغريدة له، بأن "انهيار اليورو ما زال أمامه متسع للاستمرار"، حيث "لعامين فحسب حين بدأت أسعار الفائدة في منطقة اليورو في الانخفاض مقابل أسعار الفائدة في الولايات المتحدة"، وبالتالي "نحن فقط في البداية".

كيف سيؤثر ذلك على الاقتصاد الأوروبي؟

حسب رئيس شعبة الأبحاث الماكرو اقتصادية في شركة "Record Currency Management" المختصة في تحليل بيانات سوق العملات، آندي بلومفيلد، فإن "تدفقاً كبيراً من رؤوس الأموال قد دخل إلى الولايات المتحدة (منذ رفع البنك الفدرالي الفائدة على الدولار)، ولا مجال لخروجها إلا برؤية مستقبل اقتصادي أفضل في أوروبا وأماكن أخرى".

وهذا ما يبدو ممتنعاً لحد الآن في حالة أوروبا، حيث تتوفر الاقتصاديات الأوروبية على كل ما ينفر المستثمرين. وعلى رأس ذلك مخاوف انقطاع الإمدادات الطاقية الروسية للدول الأوروبية، وهي ما أكدها وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لو مير الذي دعا الأحد إلى "الاستعداد للمعركة" للتعامل مع احتمال الخفض الكلي للإمدادات، قائلاً إنه "الاحتمال الأكثر ترجيحاً".

إضافة إلى هذا، وفي ارتباط معه، يأتي شبح الركود الاقتصادي المخيم على منطقة اليورو. حيث قالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، في حديث لها لوكالة رويترز، بأن الصندوق سيخفض توقعاته لنمو بالنسبة لأوروبا للمرة الثالثة هذا العام، لتصل إلى 3.6% في 2022، وإنها لا تستطيع استبعاد حدوث ركود العام المقبل.

هذا وتشهد منطقة اليورو مستويات تضخم قياسية، بلغت في شهر يونيو/حزيران المنصرم لنسبة 8.6%. وتعرف أسعار الطاقة في أوروبا ارتفاعاً كبيراً حيث بلغت 41.9% على أساس سنوي، وارتفعت أسعار الأغذية غير المصنعة بـ11.1%. فيما تتصدر إستونيا الترتيب كأعلى مستوى تضخم في الاتحاد، حيث بلغ 22%، تليها لتوانيا بـ20.5%، ثم لاتفيا بـ19%.

كل هذه العوامل تزيد انحدار قيمة اليورو من وطأتها، حيث ترتفع بفعله أسعار الواردات الأوروبية، كما سيؤدي إلى خروج رؤوس الأموال من منطقة اليورو إلى ذات عملات أقوى وبأسعار فائدة أعلى، في هذه الحالة ستكون الولايات المتحدة الأمريكية هي وجهتهم المفضلة.

TRT عربي