بدأت العلاقات الاقتصادية بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، في يوم 23 فبراير من عام 1930، وتوثقت أكثر عام 1931م، مع بدء التدفق التجاري للنفط السعودي، ومنح الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود حق التنقيب عن النفط لشركة «ستاندرد أويل» الأمريكية.

وعُد عام 1932 عامًا مميزًا للمملكة والولايات المتحدة، حيث شهد البلدان حدثين مهمين الأول: توحيد الدولة السعودية تحت مسمى المملكة العربية السعودية، وتوقيع الاتفاقية الدبلوماسية التجارية المؤقتة بين البلدين، والثاني: كسر أمريكا طوق عزلتها عن العالم الخارجي، ومساندتها لشركاتها ولاستثماراتها في الخارج.

وجاءت هذه الاتفاقية متزامنة مع الإصلاحات الاقتصادية في المملكة، خاصة النقدية منها، كإبطال بعض المسكوكات الفضية مثل الريال «السكنو» و «الروبية الجاوية» وعززتها اتفاقية التنقيب عن النفط مع الشركات الأمريكية، ووصفها المحللون بأنها أول معاهدة بين البلدين، تخص التمثيل السياسي والقنصلي، والصيانة القضائية، والتجارة والملاحة.

وبلغ عدد الشركات الأمريكية، التي تأسست في المملكة خلال السبعينيات الهجرية، ما يزيد على «200 شركة» كما برزت شركات عاملة في البلاد مثل: شركة

«ستاندرد أويل» النفطية التي انضمت فيما بعد لنظيراتها شركات «موبيل» و

«أكسون» و «تكساسكو» لتشكيل شركة الزيت العربية الأمريكية «أرامكو» المتحولة فيما بعد باسم «أرامكو السعودية» وتمتلكها المملكة بالكامل.

وفي عام 1972م الموافق 1392هـ استوردت المملكة من الولايات المتحدة العديد من السلع والمواد، بما قيمته «314 مليون دولار»، وصدرت لها ما قيمته «194 مليون دولار».

مرحلة جديدة

وانتقلت العلاقات الاقتصادية بين البلدين، في 8 يونيو عام 1974 الموافق 1394هـ، إلى مرحلة جديدة من التعاون، وذلك عقب توقيع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، حينما كان - نائبًا ثانيًا لرئيس مجلس الوزراء وزيرًا للداخلية - على بيان مشترك مع أمريكا، يقضي بتأسيس اللجنة السعودية الأمريكية المشتركة للتعاون الاقتصادي، لسد احتياجات المملكة من المواد والخبرات، في مرحلة كانت تشهد فيها البلاد زيادة هائلة في مشروعات التنمية.

واستجابت هذه الاتفاقية إلى تطلعات شركات أمريكية كبرى، تبحث عن عقود عمل في المنطقة العربية، من خلال الإفادة من إعادة تدوير العائدات النفطية، في وقت بدأ فيه سعر النفط يرتفع بدرجة كبيرة عما كان عليه، في حين حققت بنود هذه الاتفاقية المنشودة، الجمع بين احتياجات التنمية السعودية والخبرة التكنولوجية والإدارية الأمريكية، واستفاد من برامجها التدريبية والتنموية آلاف السعوديين‌.

وتخضع العلاقات التجارية والاقتصادية بين المملكة وأمريكا، إلى اتفاقيات عدة وفي مقدمتها «اتفاقية التعاون الفني بين حكومتي البلدين» التي بمقتضاها يسعى البلدان إلى توسيع دائرة التعاون بينهما في مجالات الاقتصاد، والتكنولوجيا، والصناعة، وفق تفاهم ثنائي مشترك صدر بحقه مرسوم ملكي برقم م / 12 في 28 ربيع أول عام 1395هـ.

وأبرمت المملكة وأمريكا اتفاقية تعاون أخرى، بعنوان «اتفاقية الاستثمارات الخاصة المضمونة» بهدف زيادة حجم الشراكات بين الشركات الخاصة الأمريكية في المشروعات المحلية في المملكة، التي تسهم في إدخال التكنولوجيا الحديثة إلى البلاد، وصدر بحقها مرسوم ملكي برقم م / 22 في تاريخ 29 ربيع الأول من عام 1395هـ.

ثقل اقتصادي سعودي

واليوم تعد السعودية أكبر اقتصاد مستقر في منطقة الشرق الأوسط، وتتميز بعضويتها الفاعلة في مجموعة العشرين الاقتصادية الكبرى، إلى جانب عضويتها في منظمة التجارة العالمية، وامتلاكها أكبر احتياطات خارجية على أساس المعدل الفردي، كما تبوأت المركز الـ «12» وفقاً لتقرير البنك الدولي 2012م، في ترتيب الدول في مجال تيسير إجراءات الأعمال من بين 183 دولة في العالم، وأضفى موقعها الجغرافي المطل على شاطئين مفتوحين، صالحين للملاحة طوال العام إستراتيجية اقتصادية خاصة لها.

وتسعى المملكة إلى استمرارها في أن تكون واحة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، والمحرك الأساس لعجلة النمو الاقتصادي في المنطقة، على الرغم من الاضطرابات التي تمر بها المنطقة حالياً.

وفي إطار ذلك، ترتبط المملكة والولايات المتحدة الأمريكية بعلاقات اقتصادية وتجارية قوية، تدعمها مصالح مشتركة، جعلت الولايات المتحدة أحد الشركاء الرئيسيين للمملكة، على مدى ثمانية عقود من بدء العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين، قدّر خلالها حجم الميزان التجاري ما بين البلدين عام 2013م، بمبلغ

«113.7 مليار ريال».

التبادل التجاري

ومرّت حركة التبادل التجاري بين البلدين، بتنوع في حجم الصادرات، إذ بلغت قيمة صادرات المملكة إلى أمريكا عام 2013م

«119.1 مليار ريال» بما يمثل 14.12% من إجمالي صادرات المملكة للعالم في العام نفسه، بينما بلغت عام 2012م «208.3 مليارات ريال» وعام 2011م «187.5 مليار ريال»، في حين انخفض معدل نمو صادرات المملكة للولايات المتحدة عام 2013م نحو 4.4% عن العام الذي سبقه.

وتركزت السلع السعودية المصدرة للولايات المتحدة، وفق بيانات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات لعام 2013م، في عدد من المواد تقدمتها زيوت النفط الخام ومنتجاتها بمبلغ «193421 مليون ريال» ثم أحادية البوتيل من جليوكول الإيثلين بمبلغ «926 مليون ريال» فسماد اليوريا بمبلغ «573 مليون ريال» فمواسير وأنابيب صلبة مقاومة للصدأ بقيمة «247 مليون ريال» فمواد عطرية دورية بقيمة «198 مليون ريال» وغيرها من السلع.

وفي المقابل فقد بلغت قيمة واردات المملكة، من الولايات المتحدة في عام 2013م، «85.4 مليار ريال» بما يمثل 13.54% من إجمالي قيمة واردات المملكة من العام نفسه للعالم، وارتفعت قيمة واردات المملكة من أمريكا في العام نفسه بمقدار «6.6 مليارات ريال» مقارنة بعام 2012م، وارتفع معدل نمو واردات المملكة من أمريكا عام 2013م بنحو 8.4% عن العام الذي سبقه.

الاستثمار بين البلدين

ويؤكد المراقبون أن العلاقات السعودية الأمريكية، وصلت إلى مستوى من النُّضج، بحيث يحرص البلدان على المحافظة عليها وتطويرها دائمًا في مختلف الظروف، لتصبح أكثر قوة ومتانة في المستقبل، في حين كشفت الإحصائيات أن إجمالي الاستثمار الأمريكي المباشر في المملكة، بلغ نحو 10.55 مليارات دولار عام 2013م، مرتفعا عن عام 2012م و2011م، أغلبها اتجه إلى القطاع غير المصرفي، خاصة في الشركات القابضة الكبرى.

ويحرص ملوك المملكة العربية السعودية ورؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، على الالتقاء والاحتفاظ بعلاقات متميزة على مدى العقود الثمانية الماضية، مما ساعد على نمو العلاقة القوية بين الدولتين الصديقتين، التي أرسى قواعدها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله، والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، وهي علاقة تدخل في عقدها الثامن وتبشر بالاستمرار لفترة طويلة في المستقبل.

علاقات تاريخية

وتعود العلاقة التاريخية بين المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأمريكية، إلى عام 1352هـ، حين أزجى الملك المؤسس حقوق الامتياز للتنقيب عن النفط، لشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا، باتفاقية مهدت الطريق لاكتشاف البترول، في بئر الخير «بئر الدمام رقم 7» بكميات تجارية، فكانت المنفعة المتبادلة في تقدم المملكة من جهة، وتأمين الاحتياجات المستقبلية من الطاقة في الولايات المتحدة من جهة أخرى. وانطلقت أرامكو فيما بعد لتصبح أكبر منتج للبترول في العالم، وهو إنجاز عمل المهنيون من أبناء البلدين جنبًا إلى جنب لتحقيقه.

وتأتي العلاقة في مجال النفط بين المملكة والولايات المتحدة، بوصفها اعتمادًا متبادلًا مبنيًا على المصالح المشتركة، التي تحقق الخير والفائدة للطرفين، حيث تسهم المملكة كشريك تجاري رئيس في النمو والرخاء الأمريكي، من خلال إمداداتها الموثوقة من الطاقة، فيما تُسهم الولايات المتحدة عبر مؤسساتها التعليمية والاقتصادية والتقنية، في دعم البنية التحتية وتطوير وازدهار الحركة الصناعية، وتهيئة وسائل الحياة المعاصرة التي تشهدها المملكة.

تحول اقتصادي كبير

ويقود خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، السعودية اليوم، نحو مستقبل واعد ومشرق، ويسعى لتحقيق تحوُّلٍ اقتصادي مهم من خلال تركيز الدعم للقطاعات الاقتصادية، القادرة على إعطاء قيمة اقتصادية مضافة، حتى تتهيأ لتكون رافدًا اقتصاديًا ومساندًا للدخل الوطني، المعتمد أساسًا على النفط، وتنويع مصادر الدخل بما يدعم الاقتصاد الوطني، ويعزز الشراكة وفتح باب المشاركة للاستثمار المباشر في المملكة، فقد أعطت زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، زخمًا قويًا ودفعة كبيرة للفعاليات التي تزامنت مع الزيارة، لتعزز أواصر الصداقة والود بين الشعبين.

كما أعطى تشريف خادم الحرمين الشريفين لمنتدى الاستثمار السعودي الأمريكي، الذي أقامه مجلس الأعمال السعودي الأمريكي، ومجلس الغرف السعودية، والهيئة العامة للاستثمار، مجموعة من الرسائل القوية لمجتمع الأعمال الأمريكي، أولى هذه الرسائل عزم المملكة على منح فرص استثمارية كبيرة للشركات الأمريكية، وتسهيل أعمالها وتعزيز الشراكة بين البلدين في مجالات الأعمال المختلفة، من خلال هذا الحدث الاقتصادي الكبير.

زيارات ولي العهد

وشهدت زيارة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، إلى الولايات المتحدة الأمريكية في الثامن من شهر رمضان في عام 1437هـ، العديد من النشاطات الاقتصادية، فقد التقى وزيرة التجارة الأمريكية بيني بريتزكر، وبحث معها المجالات التجارية، وسبل تطويرها بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين.

كما التقى السيناتور الجمهوري عن ولاية أركنساس توم كوتن، الذي أكد عمق التعاون والشراكة الوثيقة بين الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية في مختلف المجالات.

واجتمع ولي العهد مع رئيس الغرفة التجارية الأمريكية توماس دونهيو، وجرى خلال الاجتماع استعراض عدد من الموضوعات المتعلقة بالمجال التجاري والاستثماري بين البلدين، وبحث مواصلة تنميتها.

وجرى خلال الاجتماع، استعراض أفضل السبل لتعزيز التعاون المشترك والمستمر بين البلدين، خاصة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية، في ظل رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وبرامجها الاقتصادية الطموحة، بما فيها برنامج التحول الوطني.

وتم خلال الاجتماع أيضًا، التأكيد على مواصلة تنسيق الجهود بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الصديقين.

وشهدت زيارة ولي العهد إلى الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا، اجتماعات مع عدد من الشركات المتخصصة في الصناعات العسكرية، حيث اجتمع مع رئيس وأعضاء شركات، بوينج، وريثيون الدولية، ولوكهيد مارتن الدولية كل على حدة.

وتطرقت الاجتماعات إلى رؤية المملكة العربية السعودية 2030، التي تستهدف توطين الصناعات العسكرية، وما تشمله من أنشطة صناعية وتقنية وخدمات تدريبية وخدمات مساندة.

وقد أبدت الشركات ترحيبها ببرامج المملكة الطموحة، واستعدادها للمشاركة بدور فعال في هذه البرامج.