وحدة قوى الثورة والبحث عن القطة إياها


خالد فضل

الإطناب في الحديث عن ضرورة توحيد الجهود والتنسيق التام بين قوى الثورة السودانية المجيدة لم يعد له بريقا؛ من كثرة تكراره، ومن تعدد المنابر التي ينطلق منها، حتى البرهان قائد الانقلاب يتحدث عن شرطين لتسليم السلطة للمدنيين، أولهما في حالة حدوث توافق وطني شامل، أو الثاني في حالة إجراء انتخابات عامة تفرز نتائجها القوى السياسية المنتخبة التي يمكن للبرهان أن يسلمها الحكم بضمير مرتاح!!

شرط البرهان الأول يدخل ضمن مقولة المستحيلات، إذ لا يمكن توقع حدوث توافق شامل بين القوى السياسية السودانية وبين يدينا أكثر من مائة لافتة حزبية وعشرات الحركات بعضها مسلحا فعلا وبعضها كان مسلحا _ونموذج الحركات التي كانت مسلحة توضحه بجلاء مجموعة اتفاق جوبا_ توحيد قوى الثورة يبدو كذلك من الأمور العسيرة إن لم يك مستحيلا، فما هي قوى الثورة نفسها حتى يتم الحديث عن توحيدها؟ الموضوع ليس سهلا كما يمكن تصوره لدى البعض، لأن الكل ينسب نفسه لقوى الثورة، الجميع يتحدثون عن معارضتهم لنظام البشير ومقاومتهم له وريادتهم في محاولات إسقاطه، لدرجة أن صلاح قوش رئيس جهاز أمن البشير لحظات سقوطه كان في نظر البعض (بطلا) قوميا أسهم في سقوط البشير، إذ لولا سحبه لعناصر جهاز أمنه لما تمكّن الثوار من دخول ساحة القيادة العامة يوم 6أبريل 2019م!!

ولا نغادر خانة المزاعم قبل أن نذكر أنّ البرهان نفسه يدعي نسبا للثورة، وبلغ الادعاء مداه في بيان انقلابه الذي أسماه تصحيح واستكمال للثورة التي هو أبٌ لها، الأب الذي يقتل ابنه لمرتين على الأقل وما يزال.

وحميدتي لا يدع مضمار الانتساب للثورة دون أن يغمس فيه عودا، فتراه يتحدث عن تلك اللحظات التي سبقت إزاحة البشير بفخر الرائد الذي لا يكذب أهله!!

كثرة الادعاءات بأبوة الثورة تدخل ضمن العوائق الحقيقية لتوحيد الجهود، حتى أننا نكاد نبحث عن تلك القطة السوداء في الغرفة المظلمة والقطة غير موجودة، لم نتعلم كسودانيين بعد فضيلة التواضع في تقدير الأدوار، نادرا ما تجد من يقيس دوره بدقة في أي مهمة، النجار وسائق السيارة والجندي بشريط أو أزبلطة، جميعهم يتحدثون عن أدوارهم النادرة الحدوث، وهكذا السياسيون والناشطون، ومثلهم الأحزاب والمنظمات المدنية والتشكيلات المطلبية، بل حتى سيدنا جبريل إبراهيم يعتبر نفسه وحركته من الآباء المؤسسين للثورة، وعليه جاء تبرير جماعة الميثاق الوطني واعتصام الموز التمهيدي لبيان الانقلاب في 25أكتوبر 2021م.

نحن مجتمع خلافي بامتياز، هذه حقيقة واضحة لا تحتاج إلى من يضيئها، نماذج عملنا الجماعي نادرا ما تستمر بنفس حماسة بدايتها، هل لتعدديتنا دورا في ذلك؟ هل غياب المشروع الوطني الخلاق سبب؟ كل جيل عندنا يلعن الأجيال السابقة، كل جيل يحمل المسؤولية في التدهور والانهيار لسابقه من الأجيال، ومع ذلك هناك حنين لزمن ذهبي متوهم، فيه جوز الحمام تلاتة فردات، وألف الطوب زايد مية، وكل ماضينا الذهبي سادته ديكتاتوريات ثرنا في وجهها مرتين قبل الثورة الأخيرة.

كيف يكون الماضي من ذهب وركلناه؟ كيف تكون حياتنا رغد ونعيم الدنيا والعسكري يقتل فينا ويعتقل ويصادر ويكمم الأفواه ويمنع التجوال ويفرض الطوارئ والشريعة؟ بل البعض يحن لأيام البشير القريبة دي، وما تزال قروح عهد البشير تفوح بالصديد!!

هذه هي الوقائع دون تلوين، لا بد من التأمل جيدا في دعاوي توحيد قوى الثورة، قد يقول قائل المقصود بها القوى الموجودة في شوارع الخرطوم يوميا تتصدى للانقلاب، هذه القوى جزء وليس كل قوى الثورة للأمانة، ثم أنّ الشوارع تتسيدها لجان المقاومة بصورة لافتة، ولجان المقاومة ترفض ضمن رفضها للواقع الغشوم الأحزاب ذاتها، كمْ من فتى ثائر فاتح أزرار قميصه لتلقي رصاص الانقلابيين، في نفس اللحظة يصب جام الغضب ضد حزب كذا والحزب الفلاني، يرفض الأحزاب جملة وتفصيلا وليس لديه وقت ينفقه معك في حديث عنها!!

بالطبع الأحزاب ليست بخير، ولكنها ليست شرا لهذه الدرجة، الأحزاب مكونة من مواطنين سودانيين من مختلف الجهات والتعدديات المعروفة، كونها غير ديمقراطية تبدو المسألة في غاية البساطة، الحزب طريقة اختباره واحدة فقط؛ هي صندوق الاقتراع، من يفوز في هذه الدورة ليس بالضرورة أن يحوز على نفس المقاعد والأصوات في المرة القادمة.

إنّ التداول السلمي الديمقراطي في مناخ حر ومعافى هو الذي يميز بين الأحزاب، حتما ستتلاشى كثير من اللافتات بفضل الانتخابات، المهم في تقديري هو التواطؤ على حد أدنى، هو دحر الانقلاب واستعادة المسار الانتقالي الديمقراطي، هذا هو البرنامج الذي يمكن أن يوحد قوى الثورة، دحر الانقلاب، خلوص الفترة الانتقالية للمدنيين، العدالة العدالة العدالة. وكل عام وأنتم بخير.

وأنا أهم بختم المقال إذ الدواهي من تالا الدمازين وقنيص والروصيرص وقيسان تترى، انفجار عنف وقتل على القبيلة بين بعض مكونات مجتمع النيل الأزرق، نفس سيناريو دارفور والقضارف وكسلا وبورتسودان وجنوب كردفان وشمالها وغربها، ولا تنسى غرب أم درمان والجزيرة كمان وبحر أبيض، التعايش القلق والتوتر والعنف سمة من سمات مجتمعنا، العمل على النقائص ديدن شغلنا في الحياة العامة، فمتى يثوب قومنا إلى الرشد متى؟

تاريخ الخبر: 2022-07-17 12:22:16
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 56%
الأهمية: 59%

آخر الأخبار حول العالم

عاجل.. تأجيل انتخاب اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال 

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:26:10
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 63%

رسميا.. انسحاب اتحاد العاصمة الجزائري من مواجهة نهضة بركان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:25:56
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 67%

رسميا.. انسحاب اتحاد العاصمة الجزائري من مواجهة نهضة بركان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:26:04
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 57%

عاجل.. تأجيل انتخاب اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال 

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:26:06
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 69%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية