جمعية لدوام اتحاد العنصرين (مسلم ومسيحي)
جمعية لدوام اتحاد العنصرين (مسلم ومسيحي)
فيالقرن التاسع عشركانتهناكالجمعيات الثقافية والعلمية الأهلية العامة, اي التي لا تخضع لرعاية حكومية, ولكنها تقوم علي الجهود الأهلية, وهي ذات اتجاه ثقافي عام. مثل جمعية المعارف المصرية, الجمعية الخيرية بدمنهور, جمعية المساعي المشكورة بالمنوفية. أيضا وجدتالجمعيات الثقافية الأهلية ذات الطابع الديني, فأنشأت الجمعيات الثقافية المسيحية بطوائفها (أرثوذكس ـ كاثوليك ـ بروتستانت ), والجمعيات الثقافية الإسلامية, كما كانت هناك جمعيات ثقافية لليهود.
وهذ التنوع الجميل بسبب تنوع الديانات في مصر في القرن التاسع عشر, جعل كلا من المسلمين والمسيحيين واليهود يشاركون العمل الاجتماعي جنبا إلي جنب, وكل هذا كان يصب في مصلحة المجتمع المصري.
والجمعيات من المؤسسات التي تعمل علي رقي وتقدم المجتمعوكما يقول وائل إبراهيم الدسوقي: كان المثقفون المتنورون في مصر بالقرن التاسع عشر ينادون دائما بحتمية محاربة الجهل, وكانت لديهم رغبة ملحة بانتشار التعليم وتعميمه, ومشاركة الناس وتفاعلهم مع مجتمعهم بشتي الطرق الممكنة عن طريق إنشاءالجمعيات الأهليةوالمؤسسات العلمية, التي في سبيلها نهضة المجتمع ورقيه, دون الاعتماد علي الحكومة.
وعن دور الجمعيات الخيرية في المجتمع القبطي يقول رياض سوريال: إن العامل الهام في تقدم المجتمع القبطي هو إنشاء الجمعيات الخيرية فهي التي أنشأت المدارس المجانية في وقت كان التعليم الحكومي بمصروفات باهظة لا يحتملها أبناء الفقراء كما أنشأت الملاجئ والمستوصفات والمستشفيات, وهيالتي تكسو العريان وتشبع الجائع, وتحمل الرحمة إلي البائسين وتفتح أبواب الخير للوافدين فيحمدون الله الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
يريالمصلح الكبريالأستاذحبيب جرجس(1876- 1951م)أن هناك دور محوريا للهيئات والجمعيات في خير المجتمع ونفعه, وكيف أن تلك المؤسسات تعمل بجد وإخلاص, وتقوم بدور تربوي وخدمي كبير فيقول: بعض هذه الهيئات يعمل لخير الإنسانية المتألمة ويخدم الفقراء وبعضها أخذ علي عاتقه نشر العلوم والمعارف, وغيرها اهتم بتربية وتعليم أولاد الفقراء, وأخري لتعليم البنات, وأخري لنشر الوعظ وحقائق الدين.
ليس هذا فقط بل يري أن الجمعيات هي قوة دافعة لتقدم الأمة,فيقول: الجمعيات القبطية الكثيرة العدد, وهي القوي الحية في خدمة الأمة, وان الجمعيات سواء أكانت دينية أو أدبية أو خيرية,هي الصلة بين الأسرة والمجتمع. والجمعية هي أسرة كبيرة, إذ كل المشاعر التي نشعر بها في الأسرة, من قرابة وألفة ومودة وعطف, نشعر بصحبة إخوان تجمعنا وإياهم وحدة العاطفة والمقصد والسعي.
ويقول أيضا:والجمعيات أفضل مرب للنفس والعقل, فيها نتعود علي الفضيلة,وفيها نجد ميدانا متسعا للخدمة العامة.وعمل واحد صالح لخير الإنسانية أفضل من قراءة كتب كثيرة,وهل الحياة إلا عمل, وهل توجد سعادة في غير العمل. ولا توجد وسيلة لتحبيب الشباب في العمل ودفعهم إليه, أكثر من انضمامهم إلي جمعية تعمل للخير العام. لأن الاشتراك في غرض واحد ومعتقد واحد, يزيد الإيمان ويدفع النفس إلي التضحية, والجمعية تعلمنا إنكار الذات وازدراء الهناء والزهد في العيش الباطل.
كل هذا أدي بحبيب جرجس أن يقوم بإنشاء الجمعيات, وأن يسعي جاهدا لتشجيع الآخرين علي إنشاء الجمعيات الأهلية, التي تحقق خدمات للأمة في مجالات عمل الجمعيات المختلفة.ولقدكانمشجعا وداعماوشغوفا بالجمعيات ومؤمنا برسالتها إلي أبعد حد.
وقد اقترح فكرةتأسيسجمعية تحت مسميجمعية لدوام اتحاد العنصرين,كتبعنهاقائلا:لا يستطيع أن ينسي أحد الأحياء ما رآه من مظاهر الاتحاد العجيب المتين الذي ظهر بين عنصري الأمة المصرية, القبط والمسلمين, أثرالنهضة الأخيرة في طلب الاستقلال, وكيف كان الصليب والهلال مرفوعين علي الأعلام رمزا لهذا الاتحاد, وما قدمه من الفريقين من التضحيات علي السواء لخير مصر, وكيف وقف شيوخ المسلمين في الكنائس, والقسوس في الجوامع., منادين بتمكين هذه الوحدة, حتي أصبح هذا الاتحاد مضرب الأمثال في الشرق كله. وهذا الاتحاد أمر طبيعي لا غرابة فيه لأن القبط هكذا نشأوا , وتربوا علي محبةوطنهم وإخوانهم في الوطنية, وذلكللروابط التي تربطهم ببعض ومنها:
(1)الرابطة الجسدية رابطة الدم.
(2)الرابطة اللغوية إذ كلهم يتكلمون لغة واحدة.
(3)رابطة المصلحة فإن مصلحة المسلمين والأقباط واحدة وغايتهم لمجد وطنهم واحدة.
ولهذا يجب المحفظاة علي هذه الوحدة والعمل علي تمكينها وعدم السماح لأي كان أن يعمل علي فصمها وتعكير صفائها. ويحسن مراعاة الأمور الآتية.
(1)تذكر هذه الحقائق من وقت لآخر في المنشورات البطريركية كما ذكرت في المنشورات السابقة الماضية.
(2)يجب علي الكهنة والوعاظ أن ينادوا بها فوق منابر الكنائس كما حدث مرارا.
(3)بث هذه الروح في المدارس, ليكون الطلبة مسلمين وأقباطا إخوة متحابين.
(4)بثها أيضا في المعاملات في الخارج, في مصالح الحكومة والمتاجر والمصانع.
(5)تمكينها بواسطة الزيارات الدائمة المتواصلة المتكررة كما كان منذ القدم بين الأسر والأفراد, وخصوصا بين رؤساء الدين كما يفعلون في الأعياد , والاشتراك في الأفراح والأحزان.
(6)حبذا لو قابلت مشيخة الأزهر هذه الملاحظات بمثلها.
(7)وجوب تأليف لجنة دائمة, من شأنها الدفاع الدائم عن هذه الوحدة, وعمل كل الوسائل لتقويتها, وتؤلف هذه اللجنة من أعضاء من القبط والمسلمين علي السواء.
وما نادي به حبيب جرجس سنة 1938ممن أفكار نجدصداهافي فكرةبيت العيلة في أيامنا الحالية, وهذا يظهر مدي بعد نظر هذا المصلح المستنير المحب لوطنه. ويا ليتنا ننظر لتلك الأفكار الخلاقة وندرسها ونستفيد منها