30 يونيو وواقع الأقباط “2”
30 يونيو وواقع الأقباط “2”
تنفست هواء السنوات السابقة بأمانه, ومخاوفه, بأفراحه ومواجعه, بمكاسب طالما بحثنا عنها وخسائر مازالت تدمي القلوب, تلك المكاسب والخسائر التي توصل حصرها في ختام الحلقة الأولي من سلسلة 30 يونيو وواقع الأقباط إلي أن الاستقرار الأمني وحده لايكفي لتغيير واقع الأقباط بعد ثورتين, وأن التنوير الغائب, صار ضرورة ينبغي العمل علي تحقيقها, وتخطي العقبات, التي حتي ينجح تخطيها يجب أولا أن نضع أيادينا عليها, وفي صدارتها التعليم, فعلينا الاعتراف بوجود مشكلة تخص الأقباط, فيما يتعلق بمنظومة التعليم, باعتباره الأب الشرعي للخطاب الديني, فهو القادر علي إنتاج خطاب معتدل يقبل الآخر, أو إنتاج خطاب تحريضي ينفي المختلف دينيا, وهنا تجدر الإشارة إلي نقاط محددة علينا إعادة النظر فيها إذا أردنا بجدية تحقيق التنوير:
أولا: تجاهل مناهج التعليم لحقبة طويلة من التاريخ القبطي, تصل إلي ما يزيد علي ستة قرون, تبدأ منذ دخول المسيحية مصر وحتي دخول الإسلام, وهذا الإقصاء لم يبدأ قريبا ولكنه وفقا لسناء حسن في كتابها المسيحيون في مقابل المسلمين في مصر الحديثة والصادر عام2003, جري خلال الحقبة الناصرية في الخمسينيات, تلك الفترة التي شهدت إقحاما لنصوص دينية إسلامية وآيات قرآنية في الكثير من المواد الدراسية, مثل مادة اللغة العربية. وربما بدا هذا النزوع في المناهج الدراسية الأقدم المتوافرة في أرشيف وزارة التربية والتعليم من أواخر القرن التاسع عشر وفقا لدراسة للدكتور إيهاب عبده, الباحث في شئون تأثير التعليم علي الهوية.
وإذا دققنا النظر بعد ثورتين نجد أننا منذ عام 2009 حينما أعلن يسري عفيفي مدير مركز تطوير المناهج بوزارة التربية والتعليم أن التاريخ القبطي سيجد طريقه إلي المناهج التعليمية لجميع طلاب المراحل الدراسية المختلفة, في خطة تطوير المناهج والجدل الذي دار حينها ما بين ترحيب قبطي ومخاوف خبراء التعليم من خلق بؤر جديدة لحساسيات ذات طابع طائفي. نجد أننا لم نسمع شيئا جديدا حول الأمر, رغم اندلاع ثورتي يناير 2011 ويونيو2013, كانتا كفيلتين بتغيير الأوضاع لكن لم يتغير واقع إقصاء الحقبة القبطية عن تعليم الطلاب, واستمر التجاهل, الذي يعكس تقزيم هويات أخري أو فرض الصمت بشأنها مع الاستمرار في استخدام مرجعيات صريحة ومفرطة لهوية دينية واحدة, مما أنتج رسالة إقصاء خفية, بالرغم من أن المطلوب إدراج الحقبة القبطية عبر مقاربة تاريخية وليست مقاربة دينية. حتي يتعلم الأطفال والمراهقون أن الأقباط ليسوا أجانب وإنما جزء أصيل من نسيج هذا الوطن, فينفك الربط غير المنطقي الذي يسكن قاع أدمغة البعض بين مسيحيي الشرق وثقافة الغرب, ذلك الربط الذي يدفع البعض للتفكير بمنطق الاستباحة والاستحلال ويسبب مزيدا من التعقيدات والمشكلات لاحقا.
ثانيا: خروج التلاميذ الأقباط في المدارس الحكومية من الفصل أثناء حصص الدين باعتبارهم أقلية وفي ظل البحث عن فصل شاغر أو مكان في فناء المدرسة لتلقي درس الدين المسيحي, يتم تصدير الظلام الذي يكمن في أن الآخر أقلية, مع شرعنة الإقصاء.
ثالثا:وجود مسجد أو زاوية أو مصلي في معظم المدارسابتدائية أو إعدادية أو ثانوية وهو أمر ينبغي الفصل فيه سريعا, لأن المؤسسة التعليمية وأماكن العمل والمواصلات العامة يجب أن تظل للجميع, فمن يريد الصلاة فليذهب لدور العبادة, وهنا أتحدث عن المدارس الحكومية التي يجب أن تظل للجميع حتي لا يخرج علينا أحد للمقارنة بين المدارس الحكومية التي تبني زوايا للصلاة وبين مدارس الإرساليات الرهبانية التي جاءت مع بعثات التبشير في القرن الثامن, وهي مدارس خاصة وليست حكومية.
رابعا: في المدارس الحكومية أيضا تبدأ الإذاعة المدرسية بتلاوة القرآن الكريم قبل تحية العلم, وكأن المقصود أن الانتماء للعقيدة يسبق الانتماء للوطن, والمدارس موجودة ويستطيع أي شخص متابعة ما قيل والتحري عنه, والأولي هو استخدام مبادئ مشتركة عن المحبة والسلام تقدس الوحدة الوطنية وروح الانتماء إلي الوطن بعيدا عن إقحام الأديان في العملية التعليمية.
خامسا: نظم التعليم الديني المبكرة التي لا يعرف فيها الطفل الآخر المختلف عنه دينيا, فلماذا لا يتم توحيد نظم التعليم خلال المرحلتين الأساسية والثانوية, بحيث يكون تعليما قوميا, مع إرجاء التعليم الديني وكافة أنظمة التعليم التي تشكل وجدان الإنسان قبل مرحلة النضج, 18سنة, والتي يعتبر الشخص خلالها طفلا إلي التعليم الجامعي الذي يصل فيه الطالب إلي درجة من الوعي لا يسهل معها اختراق عقله من أصحاب الأفكار الإظلامية, فتعدد الأنظمة التعليمية ما بين ديني وعلماني يخلق فجوة شاسعة في قبول الآخر, فيجب توحيد التعليم ما قبل الجامعي.
وأخيرا فإن التنوير الحقيقي لن يسير فوق أرض مفروشة بالزهور, بل طرق طويلة شاقة, والصدامات كثيرة لكنها تستحق المحاولة.
[email protected]