في الوقت الذي تتأرجح به حكومة رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي مع تصاعد المخاطر السياسية، بدأت أزمة سوق الديون الإيطالية في الكشف عن مخاطر حقيقية قد تدخل العالم بأسرة بأزمة مالية هائلة في وقت تعاني كبرى الاقتصادات من معدلات تضخم غير مسبوقة.

والحقيقية، أن أزمة الديون الإيطالية، التي بدأت تلوح في الأفق منذ بدء مرحلة التعافي من جائحة كورونا، تهدد بكارثة اقتصادية للاتحاد الأوروبي برمته، فيما يحذر الخبراء من أن عواقبها وانعكاساتها السلبية قد تمتد لبقية العالم. حسب ما ذكر تقرير نشرته صحيفة "نيويورك بوست" الأمريكية.

فيما يرى الخبراء أن الأزمة المتوقع إشتعالها في إيطاليا ستكون أكبر بعشر مرات من أزمة الديون اليونانية، التي خيمت بظلالها على الاتحاد الأوروبي عام 2009، نظراً إلى أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في إيطاليا تزيد عن 150%، ما يعني أن الدين العام وصل إلى مستويات قياسية قدرها 2.88 تريليون يورو، ما يقرب من 25% من جميع ديون منطقة اليورو مجتمعة، وفقاً لموقع "تريدينك إيكونميكس".

أزمة سياسية يصاحبها عبء ديون

بعد 10 سنوات من تعهده بفعل "كل ما يتطلبه الأمر" لتحقيق الاستقرار في أسواق السندات السيادية عندما كان رئيساً للبنك المركزي الأوروبي (ECB)، ها هي إيطاليا تعاني مرة أخرى من أزمة ديون هائلة، لكن هذه المرة يبدو أن ماريو دراجي، المشهور باسم "سوبر ماريو"، سيعجز عن تجاوز هذه الأزمة وهو جالس على كرسي رئيس الوزراء الإيطالي؛ لأن حكومته الائتلافية، التي تولت السلطة قبل 18 شهراً، تعاني من خطر الانهيار بسبب رفض أحد أحزاب ائتلافه المنقسم دعمه في اقتراع على الثقة، الأمر الذي دفعه إلى تقديم استقالته الأسبوع الماضي، لكنها اصطدمت برفض الرئيس الإيطالي.

وتعتبر أزمة الديون الحالية، التي تخيم على القارة الأوروبية وتهدد بالتحول إلى أزمة عالمية، في حالة أسوأ مما كانت عليه في ذروة أزمة الديون السيادية السابقة. على سبيل المثال، ارتفعت نسبة الدين الحكومي اليوناني إلى الناتج المحلي الإجمالي، والتي بلغت 127% في عام 2009، لتصل إلى 211% في عام 2020. وبعد تفشي الوباء، ارتفعت النسب في إسبانيا وإيطاليا إلى 120 و 155% على التوالي.

وفي يونيو/حزيران الماضي، وصل جبل الديون الإيطالية إلى 2.89 تريليون يورو، وفقاً لموقع (Commodity). وإذا ما قارنا ذلك في أزمة عام 2009، سنجد أن ديون اليونان البالغة 300 مليار يورو فقط، كانت كافية لإثارة الذعر بين مستثمري السندات السيادية، ووصلت ارتداداتها إلى الشواطئ الأمريكية حينها. وبينما يعد الاقتصاد الإيطالي ثالث أكبر اقتصاد في الكتلة الأوروبية، فإن أزمة تعثر سداد من شأنها أن تدخل العالم برمته بأزمة اقتصادية هائلة.

أسباب أزمة الديون الإيطالية

أحيت أزمة الديون الإيطالية التي تلوح في الأفق المخاوف التي زرعتها أزمة الديون الأوروبية السابقة في قلوب المستثمرين في السندات السيادية الأوروبية، ما دفعهم إلى التساؤل عن مدى قدرة بعض البلدان الأوروبية الوفاء بسداد ديونها التي تضخمت بسبب الجائحة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، والتي يبدو أن استعدادات المركزي الأوروبي لرفع أسعار الفائدة ستحلق بها عالياً وسط انهيار حر لليورو، الأمر الذي من شأنه ان ينعكس بشكل دراماتيكي على الاقتصاد الإيطالي، ثالث أكبر اقتصاد في القارة الأوروبية.

وحسب تقرير نشرته "رويترز"، فإنه على عكس الأزمة السابقة في منطقة اليورو، والتي اندلعت بسبب التجاوزات المالية التي أوقعت اليونان والبرتغال وأيرلندا وإسبانيا قبل 10 سنوات، فإن المشكلة الاقتصادية الحالية في إيطاليا سببها ضعف النمو الاقتصادي بسبب عوامل عدة، أبرزها: أزمات الجفاف والطاقة وآثار الجائحة والتضخم الذي يعصف فبمنطقة اليورو، بالإضافة إلى الفساد وعدم الاستقرار السياسي والمزايدات بين الأحزاب.

ووفقاً لخبراء، فإن أحد أهم الأسباب التي ضخمت من حجم الديون الإيطالية إلى مستويات قياسية، هو أن قوة اليورو لم تكن في صالح إيطاليا كما هي بالنسبة لألمانيا وهولندا التي تُنتج وتصدر منتجاتها عالية الجودة والقيمة، على عكس إيطاليا التي تحتاج إلى عملة منخفضة لمواجهة المنافسة كبيرة مع المنتجات الصينية والتركية.

هل تمتد الأزمة إلى منطقة اليورو؟

حتى الآن، أبقى البنك المركزي الأوروبي إيطاليا واقفة على قدميها من خلال سياسته الخاصة بأسعار الفائدة المنخفضة وشراء كميات هائلة من سندات الحكومة الإيطالية. ومع وصول التضخم الأوروبي إلى مستوى قياسي بلغ 8.5% وسقوط اليورو أمام الدولار مثل الحجر، يتعين على البنك المركزي الأوروبي التوقف عن أنشطة شراء السندات والبدء في رفع أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم مرة أخرى، حسبما ذكر التقرير الذي نشرته "نيويورك بوست" الأمريكية يوم 7 يوليو/تموز الجاري.

ووفقاً للتقرير ذاته، فإن هذا الأمر الذي من شأنه أن يدفع المركزي الأوروبي إلى التفكير في تقديم تسهيل إقراض جديد للسماح للحكومة الإيطالية بتمويل احتياجات الاقتراض الإجمالية الضخمة بأسعار فائدة منخفضة بشكل معقول.

على الجانب الآخر، يرى محللون آخرون أن أزمة الديون لن تتحول إلى أزمة حقيقية في دول الاتحاد حالياً، خصوصاً وأن البنوك في وضع أفضل مما كانت عليه في عام 2012، فضلاً عن أن سندات إيطاليا لديها متوسط استحقاق يصل إلى 7 سنوات، أي أن ارتفاع أسعار الفائدة لن ينعكس بشكل مباشر على جبل الديون الرابض على قلب روما.

لكنهم بالمقابل، حذروا من قطع روسيا إمدادات الغاز عن البلدان الأوروبية قبل ملء الخزانات تحسباً لشتاء قاسٍ، وهو احتمال لم يعُد مستبعداً على الإطلاق بعد توقف إمدادات الغاز الروسي بشكل مفاجئ قبل 9 أيام، من شأنه أن يفاقم الأزمة ويخرجها من الحدود الإيطالية لتصبح أزمة عالمية.

TRT عربي