أنور السادات يكتب: هكذا صنعنا الثورة

فى السنوات الأولى من عمر الثورة.. اتجه الرئيس أنور السادات للاهتمام بالعمل الصحفى، حيث أسند له جمال عبدالناصر الإشراف على جريدة «الجمهورية» لسان حال الثورة والمعبر عنها.. وقد اختار السادات أن يروى قصة ثورة يوليو للأجيال الجديدة فى لغة بسيطة فى سلسلة حلقات سماها «يا ولدى هذا عمك جمال» قرر فيها أن يحكى قصة الثورة لنجله المولود حديثًا «جمال السادات».. وما يعنينا هنا هو التوثيق الذى قام به الرئيس السادات فى ذلك الوقت المبكر من الخمسينيات لثورة يوليو ودوافعها.. وكيفية قيام الضباط الأحرار بها.. ننشرها كما وردت فى الطبعة الأخيرة من كتاب «يا ولدى هذا عمك جمال» طبعة دار الهلال الأخيرة.

بعد أن اتخذ قرار بدء الثورة فى سنة ١٩٥٢ وصرف النظر عن عام ١٩٥٥، لم يضع عمك جمال لحظة، بل بدأ يعمل ليل نهار.. فهو يحضر الاجتماعات المستمرة للجان الضباط الأحرار فى مختلف أنحاء القاهرة، ثم يعود إلى منزله فى ساعة متأخرة من الليل لا لينام، وإنما ليعد محاضراته التى سيلقيها فى كلية أركان الحرب فى الصباح، والتى ما يكاد يفرغ منها حتى يكون فى انتظاره اجتماع جديد فى مكتبه أو فى منزله، وهكذا دواليك وراحت أيام شهر يناير سنة ١٩٥٢ تمضى، والحالة تسوء يومًا بعد يوم.. إلى أن كان يوم ٢٥ يناير الذى ضربت فيه قوات بريطانيا المسلحة بأحدث الأسلحة والمدافع دار المحافظة فى الإسماعيلية.. حيث توجد قوات البوليس المصرى المجردة من كل سلاح اللهم إلا من بنادق الحراسة القديمة، وهدمتها فوق ضباط وجنود البوليس البواسل، الذين أبوا أن يسلموا كما طلب منهم قائد الإمبراطورية المظفر!

وكان رد الفعل مفاجئًا ومذهلًا فى اليوم التالى، وخاصة بعد أن فقد الشعب ثقته فى الحكم- كما قلت لك- إذ احترقت مدينة القاهرة، وعاشت العاصمة الجميلة فى فوضى مروعة لعدة ساعات إلى أن نزل الجيش، ولكن هذه الساعات كلفت العاصمة كثيرًا من العناء.

على أية حال، مضى يوم ٢٦ يناير سنة ١٩٥٢ بحوادثه الحزينة، وكانت هذه الحوادث من العنف بحيث فكر الملك وقتذاك فى الهروب من مصر.. وأعد قائمة بمن يريدهم أن يستصحبوه فى هربه وفاتح بعضهم فعلًا.. وأعد حقائبه.

ووصلتنا هذه المعلومات.. وللمرة الثانية بدأنا نفكر فى تقديم موعد قيام الثورة لكى يكون شهر مارس ١٩٥٢ بدلًا من شهر نوفمبر سنة ١٩٥٢، إلا أن الأمور لم تلبث أن بدأت تعود إلى شبه استقرار.. مما دعا الملك لأن يعدل عن فكرته، ليبدأ الفصل الأخير من حياته كملك؛ ولكى يكتب إلى الأبد مصيره ومصير أسرته التى لم تستند فى حكمها لمصر يومًا إلا على قوة أجنبية.. سواء كانت تركيا أو فرنسا، أو بريطانيا التى عبثت بكل مقدسات هذا الشعب الوادع الأمين.

وفى بحر خمسة أشهر سقطت وقامت خمس وزارات.. كل وزارة منها تشتم أختها وتسب عرضها.. والملك لاهٍ فى القمار والسهرات.. والشعب يعانى من هذا العبث الذى شمل مصيره وأرزاقه ومقدراته.

وبريطانيا تقف من هذا المشهد موقف المنتصر الذى خرج من المعركة بكل الأسلاب. 

وجاء شهر يوليو سنة ١٩٥٢ وصمم «عمك جمال» أن يجرب قوة التنظيم، أو القاعدة الثابتة فى معركة حقيقية.. لكى يعرف مدى صلابته، ولكن معرفة انتخابات مجلس إدارة نادى الضباط التى خاضها تنظيم الضباط الأحرار بقائمة قد نجحت بكاملها.. وكان أول عمل لهذا المجلس هو أن تحدى الملك علانية، برفض ضم عضو إليه سقط رغم تزكية الملك له.

ثم جاء النصف الأول من شهر يوليو عام ١٩٥٢.. وميعاد قيام الثورة لا يزال كما هو فى نوفمبر..

ولكن الأقدار عادت فغيرت هذا الحساب أيضًا..

إذ ما لبثت الوزارة الخامسة أن استقالت يوم ١٩ يوليو سنة ١٩٥٢..

وباستقالتها بدأت الأحداث تخلق موقفًا جديدًا. إذ جاءت الأنباء من الإسكندرية، بأن الملك سيعهد بوزارة الحربية إلى رجل من رجاله، هو نفس الرجل الذى سقط فى انتخابات النادى رغم تزكية الملك له.. وكان معنى هذا أن صراعًا لا بد أن ينشأ بين تنظيم الضباط الأحرار، وبين الوزير الجديد من أجل البقاء.

وكان قرار بدء الثورة

وفكر جمال عبدالناصر بسرعة.. تمامًا كما فكر ساعة أن سمع أزيز قاذفات القنابل البريطانية، التى جاءت لتضرب مصر فى مساء ٣١ أكتوبر سنة ١٩٥٦.. وكشف من هذا الأزيز حقيقة المؤامرة الثلاثية على مصر.

أقول فكر عمك جمال بسرعة، وانتهى إلى قرار هو أنه إذا كان لا بد من صراع، فليكن هذا الصراع من أجل مصر، لا من أجل بقاء تشكيل الضباط الأحرار.

وكان قرار بدء الثورة

عرفه أعضاء الهيئة التأسيسية الذين كانوا فى مصر يوم ٢٠ يوليو سنة ١٩٥٢.

وحمله إلينا فى سيناء، حسن إبراهيم، الذى قام بالطائرة لإبلاغه الأعضاء الذين كانوا هناك. وكان نص القرار:

تحددت الفترة من ٢٢ يوليو إلى ٥ أغسطس سنة ١٩٥٢ لبدء المشروع.

وكان المشروع.. هو الثورة

كن صادقًا مع نفسك يا ولدى

أردت يا بنى أن أذكر لك هذه التفاصيل، لكى تعلم كيف بدأت الثورة.

وكيف كان عملك جمال يسيطر على الأحداث فيوجهها ولا توجهه.. وهو فى كل ما يصدر عنه، أو ينفعل به، إنما يفكر أولًا فى مصر، وإنقاذ مصر، وبعث مصر.

وقامت الثورة فى ليل ٢٢-٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢.

ولا أريد أن أحكى لك عن التفاصيل ساعة بساعة، فأنا لم أدون مذكرات.. لأن ذلك لم يكن مستطاعًا فيما كنت أعيش فيه من ظروف، وما كان يحيط بى من أحداث.. لذلك فإننى سأروى الحوادث بعد ذلك، من وحى ما طبعته فى عقلى من إحساسات، وما عكسته على وجدانى من انفعالات، كما سبق أن قلت لك.. وهى قبل كل شىء رواية نفسى، فإن أصبت فليس لى فضل، وإن أخطأت فليس علىَّ ذنب.

احرص يا بنى فى كل لحظة من حياتك، على أن تكون صادقًا مع نفسك حتى تنعم دائمًا بالسلام الروحى.

من أجل ذلك أحبه..

وتعلم يا بنى أن تغفر للناس، فإن أتعس لحظات يعيشها إنسان على ظهر هذه الأرض هى تلك التى يتملك النفس فيها غضب أو حقد أو كراهية.

ولكن

تعلّم أيضًا يا بنى ألا تغفر أو تتهاون أبدًا مع من يعتدى على وطنك.. فإنك لن تعرف السلام أبدًا ووطنك معتدى عليه.. ولا كرامة ولا شرف لأى إنسان إذا كانت كرامة وطنه فى التراب، أو كان شرف وطنه يداس بالأقدام.

من أجل ذلك، نحن نحب عمك جمال.

ومن أجل ذلك، يكرهه المستعمرون المسعورون فى بريطانيا وفرنسا، وأدعياء السياسة فى أمريكا.

إننى مهما وصفت.. فلن أستطيع أن أصور لك يا بنى حياة الشقاء الذى عشنا فيه منذ مولدنا.. وكان يعيش فيه آباؤنا وأجدادنا عبر القرون، نتيجة للسيطرة الأجنبية.

فقد انتزعت ملكية هذا الشعب.. وأصبحت الأرض ومن عليها ملكًا للوالى التركى أيام محمد على تحت حكم الأتراك.. ومن قبل ذلك.. وأثناء الحملة الفرنسية، استعبد الشعب، وهدمت بيوته، وصودرت أرزاقه، وحول الجنود الفرنسيون جوامعه إلى إسطبلات للخيول، ولم ينج من هذا المصير الجامع الأزهر نفسه، لا لشىء إلا لأن نابليون كان ينافس بريطانيا فى الاستعمار واستعباد الشعوب.

ومن بعد ذلك.. اتفقت بريطانيا وفرنسا طوال القرن التاسع عشر على اغتصاب مصر، وأرزاق مصر، وموارد مصر، بالخديعة والغدر تارة، وبقوة السلاح تارة أخرى.. كما حدثتك فى الفصل السابق.

مظالم ستمائة سنة.. هى التى حطمها عمك جمال عبدالناصر يا بنى..

ستمائة سنة توالى فيها الحكم التركى من عهد السلطان سليم، ثم الفرنسى على يد نابليون، ثم التركى مرة أخرى على يد الخديويين، ثم الفرنسى والبريطانى من خلال الخديويين.

إلى أن جاءت سنة ١٨٨٢ فأغارت بريطانيا على مصر، وانفردت بحكمها منذ ذلك التاريخ، حتى كان يوم ٢٢ يوليو سنة ١٩٥٢، الذى حدثتك عنه، والقرار الذى اتخذه عمك جمال، لكى ينهى إلى الأبد مذلة دامت ستمائة عام، وعارًا لحقنا كل هذه الأجيال.

وأصبح يوم ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢

وعرفت مصر، وعرف العالم كله، أن جيش مصر قد تحرك

أما الشعب.. فقد انفجر ليهلل، ويؤيد.. لأن آماله المكبوتة التى ورثها عبر عصور المظالم والاضطهاد، قد تحققت أخيرًا على أيدى أبناء من صميم ترابه.

ولم يسأل الناس أو يترددوا لحظة، كما هو مفروض أن يحدث عند وقوع مثل هذه الأحداث.

فالذين قاموا بالثورة ضباط من الجيش.. وضباط الجيش كلهم مصريون.. لا يوجد بينهم شركسى ولا بريطانى.

أما المعسكر الغربى.. وهو ما كان يهمنا عند بدء هذه الثورة لاحتمال تدخله، فقد أذهلته الضربة السريعة التى تمت فى سرية مطلقة، وأقلام مخابراته تملأ شوارع مصر وأجواءها فى تلك الأوقات.

المخابرات البريطانية فشلت

فلقد كان لبريطانيا جهاز مخابرات فى مصر وكان متغلغلًا فى كل الأوساط.

وكانت سمعته أسطورية.. بمعنى أن مجرد ذكر اسم قلم المخابرات البريطانية، كان يعنى القوة التى لا قبل لأحد بها، والمقدرة الخارقة على معرفة ما يجول حتى فى النفوس من قبل أن ينطق به اللسان.

وكان الإنجليز مغرورين جدًا بمخابراتهم، إلى جانب شىء آخر أهم من مخابراتهم وجيوشهم، وهو ما كان يسمى بالهيئة البريطانية.

لذلك كانت الضربة مذهلة حينما قامت الثورة، وليس لدى مخابراتهم علم سابق كما تعودوا فى كل الأحداث.

وأكثر من ذلك طعنت هيبتهم فى الصميم من أول لحظة حينما تجاهل القائمون بالثورة بريطانيا والسفارة البريطانية تجاهلًا تامًا.. وهى السفارة التى كانت منذ ساعات سابقة مصدر السلطات فى مصر، وسيدة القصر الذى يحكم البلاد، وقبلة الأحزاب، ومنتهى أمل القادة والزعماء.

وكان هذا التصرف طبيعيًا يا بنى.. بعد كل تلك السنين الطوال من الاحتلال، والإذلال.

أما بالنسبة لأمريكا، فإن الاسم كان يختلف بعض الشىء عنه بالنسبة لبريطانيا.

فبالرغم من أننا كنا نعلم أن هناك صداقة وطيدة بين سفير أمريكا والملك، إلا أننا كنا نحس بالآمال العريضة كلما ذكرنا المواقف التى كانت بين روزفلت وتشرشل.. وكيف أن روزفلت كان يدافع عن حق تقرير المصير بالنسبة للشعوب الضعيفة ضد جشع بريطانيا وطمع فرنسا.

كنا نذكر بالذات، تلك الجلسات التى عقدت فى الدار البيضاء.

والحديث الذى دار بين روزفلت والسلطان محمد الخامس ملك المغرب.

وكيف أن تشرشل كان يتدخل للمقاطعة وتحويل الحديث حتى لا يحصل المغرب على استقلاله، مع أن ميثاق الأطلنطى الذى أعلنه تشرشل وروزفلت فى عرض المحيط، لم يكن مداده قد جف بعد.

حق تقرير المصير

كنا نذكر أيضًا تاريخ تحرر أمريكا من الاستعمار البريطانى.. وكيف أنها خاضت معركة سنخوض مثلها تمامًا مع بريطانيا.

وكنا نظن أن ما تركه جورج واشنطن من تراث، ما زال يحفظه الأبناء اليوم، بعد أن كتبه الآباء والأجداد بدمائهم، وكفاحهم، يوم أن أرادت بريطانيا أن تتحكم حتى فى فنجان الشاى الذى يشربه الأمريكى.

كنا نعتقد أن حق تقرير المصير، الذى كانت تنادى به أمريكا طوال الحرب الثانية لكل الشعوب الصغيرة وتنديدها بالاستعمار، حقيقة لا دعاية.

من أجل ذلك كله.. كان تصرف الثورة حيال أمريكا، من أول يوم، مناقضًا تمامًا لتصرفها حيال بريطانيا.

وانعقدت صداقة حقيقية بيننا وبين السفير الأمريكى الذى كان صديقًا للملك.

وكان الرجل مخلصًا حقًا.. إلا أن واشنطن- كما اتضح فيما بعد- كان لها رأى آخر، يعتمد فى بعضه على آراء الاستعماريين من أمثال إيدن، رئيس وزراء بريطانيا، الذى تحطم وانهار أمام وقفة عمك جمال.

ويعتمد بعضه على النفوذ الصهيونى البشع الذى يسيطر على الصحافة، وعلى الكونجرس، وعلى المال فى أمريكا.. ويعتمد بعضه أيضًا على آراء بعض المتهوسين المغرورين من الأمريكان الذين يعتقدون أنهم يستطيعون شراء كل شىء بالدولار حتى المبادئ والخلق.. فإذا رفضت أن تبيع خلقك بادروا فملأوا العالم كله بالصياح: إنك شيوعى وهدام.. وخطر على البشرية.. وعلى السلام!

صداقة الأحرار

ومن أول يوم كنا نؤمن يا بنى بالصداقة.. ولكن فهمنا للصداقة كان ولا يزال هو صداقة الأحرار لا صداقة العبيد.

ومن هذه النقطة بالذات، بدأ الخلاف الذى وصل إلى حد إعلان الحرب على مصر والعدوان عليها بتدبير دنىء فى يوم ٢٩ أكتوبر سنة ١٩٥٦، ولكننى أقرر لك يا بنى، أننا برغم كل ما حدث فى الشهور السابقة، وبرغم ذلك العدوان، لم يتزلزل- أبدًا- إيماننا شعرة واحدة فى فهمنا للصداقة.. بل على العكس من ذلك.. فنحن نصر إصرارًا كاملًا على أن أمل البشرية الباقى للعيش والأمن، لن يكون إلا فى الصداقة الحرة.. صداقة الشعوب قبل صداقة الحكومات.. صداقة الأحرار التى تنبثق من الاحترام المتبادل، بعد أن أسفرت معركة العدوان عن صدق ما قلناه من أن المدفع والدبابة لا يفرضان الصداقة، وإنما يولدان الحقد والمرارة.

كانت الصداقة هى العامل الأساسى الذى اتخذه عمك جمال شعارًا له، وهو يبنى تشكيل الضباط الأحرار يا بنى.. لأنها معنى ينسجم مع طباعه، ويحفز فيه كل طاقات الإنتاج والحماس.

فقد كان يسعده فعلًا أن يوقف اجتماع شعبة من شعب التشكيل، أو يلغيه.. لأن ضابطًا زميلا رجاه أن يساعده بشرح درس من دروس كلية أركان الحرب، وقد لا يكون هذا الضابط عضوًا فى التشكيل، ولا ينتظر منه أصلًا أن يكون عضوًا، وإنما يكفى جدًا أن يقصد عمك جمال باسم الصداقة، فيكون له ما يريده.. حتى ولو عطل ذلك، بعض الوقت، العمل الذى يعيش ويكافح من أجله عمك جمال.. وهو الثورة.

وقد نجحت هذه الصداقة فى أن تجعل بناء الضباط الأحرار مهما كان عدده، بناء قويًا عميق الإيمان والأهداف، ونجحت أيضًا فى أن توفر الحرية التامة لنشاط ما قبل الثورة.. ولكن أروع ما حققته هذه الصداقة كان يوم ٢٧ يوليو سنة ١٩٥٢ أى بعد أن تنازل الملك وغادر البلاد بيوم واحد.

فى هذا اليوم اجتمعت الهيئة التأسيسية لتشكيل الضباط الأحرار، لأول مرة يا بنى بعد قيام الثورة.. وكان عددنا تسعة.

وكان عمك جمال هو الرئيس المنتخب للهيئة من قبل قيام الثورة.

وفوجئنا عند بدء هذا الاجتماع، بعمك جمال يقدم استقالته من رئاسة الهيئة التأسيسية، طالبًا انتخابًا جديدًا للرئاسة، بعد أن انتقلت الثورة من مرحلة إلى مرحلة.. حققت أول نجاح بتنازل الملك.. وانتقالها من مرحلة السرية، إلى مرحلة العلنية.

ولقد كان الرد المفاجئ منا جميعًا هو رفض إجراء هذا الانتخاب.

لأن آخر انتخاب للرئاسة كان فى عام ١٩٥٢ ولم يكن قد مضى عليه إلا بضعة أشهر، فبراير سنة ١٩٥٢، فضلًا عن المسئولية التى ألقيت على كاهل الهيئة التأسيسية بهذا النجاح الأول، والمشاكل الخطيرة التى علينا أن نواجهها تجعلنا نتمسك بأوضاعنا لكى نمضى فى طريقنا.

ولكن عمك جمال أصر يا بنى على أن يستقيل.

فأجرى الانتخاب على الفور

وفى لحظات معدودة، جمع عمك كمال الدين حسين أوراق الانتخاب.

وأخذ يفضها.. وكانت كلها جمال عبدالناصر.

لقد كنا جميعًا فى هذه اللحظات يا بنى.. لا نحس إلا بما تعودنا أن نحس به تجاه عمك جمال من صداقة عميقة واحترام متبادل.. ولو أن أحدًا قرأ أفكارنا فى تلك اللحظات لوجدها كلها بخاطر واحد. هو الثقة فى هذا الصديق الذى حرص فى ساعة النصر، على أن ينتصر للمبادئ والقيم فيستقيل.. حتى لا يظن أحد أنه اغتر، مع أنه كان القوة الدافعة للنصر الذى تم.

ومن هذه اللحظة أيضًا، تحدد يا بنى الطريق الذى سارت فيه الثورة إلى يومنا هذا الذى أجلس فيه لكى أسطر لك هذه الكلمات.

ومن هذه اللحظة أيضًا، كتب لهذه الثورة، ثورة ٢٣ يوليو، أن تكون مدرسة قائمة بذاتها تختلف عمَّا سبقها من ثورات.. وكتب لها أيضًا أن تكون حدثًا عالميًا لا فى تاريخ مصر وحدها، وإنما فى تاريخ العالم أجمع. إذ أصبحت هذه الثورة نقطة تحول- فى تاريخ البشرية- بين تاريخين: تاريخ أصيب فيه العالم بكوارث الاستعمار الذى عصف بالقيم.. وأذل الشعوب.. واغتصب الأرض والرزق والمصير.. وتاريخ تحررت فيه البشرية لتحفظ للإنسانية قيمها، ولتدك الاستغلال والاغتصاب.. ولتسحق الاستعمار والمستعمرين، لصوص القيم، وقراصنة الشرف.

لقد خاض عمك جمال يا بنى معركة مريرة.. ولا يزال يخوضها، لا باسم مصر فقط، وإنما باسم كل ما أراده الله للبشرية من قيم وخلق وعدالة.. وبرغم ما كان يبدو من عدم تكافؤ القوى فى هذه المعركة. فإن عمك جمال استطاع أن ينتصر فى معركة السياسة على دهاقين السياسة، الذين أفنوا عمرهم فى الخبرة والدهاء.. وسقط أمامه رئيس وزراء أكبر إمبراطورية يعرفها العصر الحديث صريعًا موصومًا بالتآمر والعار.

واستطاع عمك جمال أن ينتصر فى المعركة الأدبية حين وقفت من خلفه شعوب تعدادها ألف وخمسمائة مليون نسمة.. تصرخ فى وجه أعدائه الذين أرادوا أن يعودوا بالعالم إلى شريعة الغاب.

وانتصر عمك جمال فى المعركة العسكرية على جيوش الإمبراطورية البريطانية- وما يسمى بفرنسا- المزودة بأحدث الأسلحة وأفظع أدوات الفتك والدمار.

أتعرف كيف انتصر يا بنى؟

 

من كتاب «يا ولدى هذا عمك جمال»

تاريخ الخبر: 2022-07-22 21:21:15
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 53%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

قيبوع مهدد بعقوبة: مدرب السنافر يطلب تجهيز خالدي

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 03:24:46
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 51%

بطولة الرابطة الثانية

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 03:24:49
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 56%

بينهم 4 من قسم الهواة: استفادة 20 ناديا من ورشة تكوينية للكاف

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 03:24:44
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 51%

عن جولات بيتكوفيتش الأخيرة: التزامات دورة «كاف برو» سبب غياب نغيز

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 03:24:42
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 65%

دورة مدريد لكرة المضرب.. البولندية شفيونتيك تتوج باللقب

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-05 03:25:19
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية