محمد عودة يكتب: ثورة يوليو بعيون أمريكية

فشل كبار الضباط وفسادهم دفعا ٣٠٠ ضابط مصرى للقيام بانقلاب ضد الملك

فاروق طلب تدخل أمريكا وبريطانيا فأجبره الضباط على مغادرة البلاد

طلبنا منهم التعاون من أجل «الدفاع المشترك» و«أمن إسرائيل» فلم يردوا علينا

الضباط وجدوا أنفسهم ضحية للفساد والرشوة والمحسوبية بواسطة عصابة الحاشية الملكية

خلال حرب فلسطين تفشى الفساد والرشوة بين هؤلاء الضباط الكبار إلى حد مثير للفزع

كان الكاتب الكبير محمد عودة «١٩٢٠-٢٠٠٦» واحدًا من كبار مؤيدى ثورة يوليو..

كان واحدًا من كبار الوطنيين المصريين الذين كفروا بأحزاب ما قبل يوليو ولم يهتدوا إلى بديل مقنع.. وعندما قامت ثورة يوليو أيدوها وراهنوا عليها لإحداث التغيير الاجتماعى الذى طالما حلم به المصريون.. وفى كتابه «فاروق بداية ونهاية» تحدث عودة عن عيوب الحياة السياسية قبل ١٩٥٢.. ولماذا كان سقوط النظام السياسى حتميًا وقد ختم الكتاب بتقرير أمريكى أعدته وزارة الخارجية الأمريكية عن ثورة يوليو بعد خمسة أيام من قيامها.

ويروى التقرير قصة الثورة بعيون أمريكية لم تكن قد تورطت فى العداء لثورة يوليو بعد.. فإلى نص التقرير.

واشنطن

٢٨/٧/٥٢

سرى جدًا

قررت مصر سنة ١٩٢٩ إرسال بعثة من بعض ضباط الجيش المصرى إلى بريطانيا للدراسة والتدريب فى كليات أركان الحرب، ولكن اُكتشف أن معظم المبعوثين لم يكونوا مؤهلين علميًا لمستوى كلية الدرشوت البريطانية وعدل عن إرسال الضباط، واُختير عدد من خريجى الكليات لهذه البعثات، ويشترط أن يلتحقوا بالجيش كضباط نظاميين، ولهذا نما خلال العشرين عامًا الماضية قطاع أوسط من الضباط المثقفين والذين يرفضون أن يتحكم فى أقدارهم الضباط الكبار الجهلة.. وأن يقفوا عقبة أمام ترقيتهم.

وخلال حرب فلسطين تفشى الفساد والرشوة بين هؤلاء الضباط الكبار إلى حد مثير للفزع، وخلال الخمسينيات استطاع عدد من الضباط الشبان أن يفرضوا إجراء تحقيق دقيق فى فضيحة حول توريد الأسلحة أدت إلى إحالة معظم الضباط الكبار إلى الاستيداع.. أُحيل كل الجنرالات بمن فيهم حيدر باشا القائد العام وعثمان المهدى باشا رئيس أركان الحرب وسرى عامر باشا قائد القوات الخاصة لسلاح الحدود. 

ولم يمض وقت طويل حتى أعيد هؤلاء القادة فى هدوء إلى مراكزهم بأمر الملك ووجد الضباط الصغار أنفسهم مرة أخرى ضحية للفساد والرشوة والمحسوبية بواسطة عصابة الحاشية الملكية، وقد تفجرت انتفاضة غضب عنيفة فى يناير من هذا العام لهؤلاء الضباط حينما انتخبوا الجنرال محمد نجيب رئيسًا لنادى الضباط، وأفسدوا بذلك تدابير وخطط القائد العام حيدر باشا.

ومنذ أسبوعين حاول الملك فاروق أن يقنع مجلس إدارة النادى بقبول الجنرال سری عامر بينهم، وهو ضابط مكروه، وحينما رفض هذا الطلب حاول الملك أن يستبدل مجلس الإدارة المنتخب بمجلس إدارة معين، وحاول رئيس الوزراء حسين سری باشا أن يهدئ السخط على هذا التدخل من القصر فى شئون الجيش بتعيين الجنرال محمد نجيب وزيرًا للحربية فى وزارته، ولكن رفض الملك هذا الحل المهادن ووافق على سحب ترشیح سری عامر نهائيًا مقابل انسحاب محمد نجيب فى الوقت نفسه، وقدم سرى باشا استقالته لهذا السبب، ووافق الهلالى باشا على تولى الوزارة يوم ٢٠ يوليو.

وفى ليلة ٢٣ يوليو قاد الميجور جنرال نجيب بك انقلابًا هادئًا ومحكم التدبير استولى على قيادة القوات المسلحة فى القاهرة، ثم فى كل أرجاء البلاد وكان الهدف الذى أعلن لهذا الانقلاب، والذى قام به حوالى ثلاثمائة ضابط من القوات المسلحة من القوات البرية والطيران، هو تطهير القوات المسلحة من العناصر الفاسدة «اللصوص والخونة» كما جاء فى البيان، وأن يعمل لصالح البلاد فى إطار الدستور. 

وخلال اليوم الأول، ٢٣ يوليو، اعتقلت الرءوس فى الجيش وسلاح الطيران ثم استمر خلال الأسبوع اعتقال الكثير من الضباط ومن كبار الموظفين ومن المقربين إلى السراى أو مُنعوا من مغادرة البلاد. 

ولدى الوهلة الأولى بدأ العسكريون وكأنهم عازمون على الابتعاد عن السياسة، ولكن بعد اثنتى عشرة ساعة فقط تقدم نجيب بك إلى الملك بثلاثة طلبات:

١- أن يتولى على ماهر الوزارة.

٢- أن تجرى انتخابات على الفور.

٣- أن تلغى الأحكام العرفية.

ورضخ الملك لكل هذه الطلبات، وكوّن على ماهر حكومة جديدة معظمها من وزرائه «المعينين» فى حكومته السابقة، ما عدا أقوى الوزراء مرتضى المراغى باشا.

وتدهور الموقف خلال اليومين التاليين، وواصل الجيش حملة التطهير والاعتقالات «السلمية»، ولكن حاول الملك عن طريق بعض المحيطين به، ومن بينهم المراغى أن يقنعوا السفير البريطانى والسفير الأمريكى بأن ينصحا حكومتيهما بضرورة تدخل القوات البريطانية. 

ويبدو أن قادة الانقلاب تسربت إليهم أنباء هذه الاتصالات ولهذا حمل على ماهر باشا، صباح يوم ٢٦ يوليو، إنذارًا إلى الملك فاروق يرغمه على التنازل عن العرش لابنه الطفل، وأن يغادر البلاد فى الساعة السادسة مساء بتوقيت القاهرة.

ورضخ فاروق ووقع على مرسوم ملكى بتولية ابنه أحمد فؤاد الثانى ملكًا على مصر والسودان، وتعيين مجلس وصاية، وأبحر من الإسكندرية على اليخت «المحروسة» إلى إيطاليا، ومنذ البداية كان واضحًا أن نجيب بك هو صاحب اليد العليا وأن العسكريين قرروا أن يمسكوا بزمام الأمر وأن يحكموا سيطرتهم على الموقف.

وخشية من أى تحرك للقوات البريطانية التى تأهبت فى منطقة القنال لحماية حياة الرعايا البريطانيين اختتم نجيب بيانه قائلًا: 

«وإننى أنتهز هذه الفرصة لكى أطمئن الأجانب أن مصالحهم وحياتهم وممتلكاتهم وأموالهم آمنة، ويعتبر الجيش نفسه مسئولًا عن ذلك».

وأكد على ماهر بدوره عزم حكومته على حماية أرواح الأجانب وممتلكاتهم حينما زاره السفير كافرى ليعبر له عن اهتمام الولايات المتحدة وقلقها لهذا الشأن، وطوال الأسبوع الماضى كرر قائد الجيش التصريح بأن ليس لديه أى نية للتدخل فى السياسة، وأن هذا من اختصاص رئيس الوزراء، وأن كل اهتمامه سوف ينصب على القضاء على الفساد والتسيب فى صفوف القوات المسلحة والحكومة وفى تكوين جيش مستكمل التسليح والتدريب، وعلينا أن ننتظر ونراقب لنرى هل يمكن أن يقاوم نجيب وضباطه إغراء الدخول إلى ميدان السياسة خارج عملية التطهير، أو إغراء جنى الثمار والإثراء كما فعل الكثيرون قبلهم.

واختتم المستر فاولر تقريره المسهب قائلًا: 

«قام بالانقلاب ثلاثمائة ضابط من مختلف الأسلحة خاصة الطيران». 

ويبدو أن هناك قليلًا من النفوذ الشيوعى إن لم يكن منعدمًا على الإطلاق، وليس لدىّ دليل على وجود عناصر شيوعية داخل هذا الحدث الأخير.. وإن كان لا بد حين يحدث أى تغيير من أن يسارع الشيوعيون لكى ينحرفوا به إلى اتجاههم.

ويملك الإخوان المسلمون قدرًا من النفوذ فى صفوف القوات المسلحة وأقرب الاحتمالات أن لهم نصيبًا قويًا من انقلاب الأسبوع الماضى، لأن أهداف الانقلاب مماثلة تمامًا لما أعلنه الضباط حول تطهير الفساد سواء المادى أو المعنوى والالتزام بمبادئ الدين وهناك العديد من قادة الانقلاب معروفون بأنهم أعضاء فى الإخوان المسلمين.

وقد ظل الوفد متواريًا فى الظل خلال الستة أشهر الماضية منتظرًا فرصة يعود بها إلى الحكم الذى نُزع منه بعد حريق القاهرة يوم ٢٦ يناير، وقد عاد على التو النحاس باشا وسراج الدين أقوى أعضاء الهيئة التنفيذية للوفد من أوروبا، وقد مجدا نجيب ولقباه ب«منقذ الأمة»، ولكن لم يعرف بعد إلى أى حد سوف يقوم بإنقاذ الوفد أيضًا وهو كل ما يعنيهما.

فاولر

 

وفى ٧ أغسطس ١٩٥٢.. أرسل الميجور جنرال جورج أو لمستد برقية إلى مساعد وزير الأمن المتبادل دين مارتن: 

«بناء على تعليمات وزارة الخارجية يوم ٢٨ يوليو تم وقف إرسال المعدات المتعلقة بتسليح فرق بوليس خاص إلى مصر. وتحددت السياسة نحو النظام فى رسالة ٣٠/ ٩/ ١٩٥٢ من أتشيسون وزير الخارجية إلى كافرى فى القاهرة: 

١- بحثت وزارة الدفاع وإدارة الأمن المتبادلة بعناية رسالة الجنرال نجيب.. ودرسنا أيضًا الموقف الذى أعددته مع ستيفنسون «السفير البريطانى». 

٢- اتفقنا على أن تقديم المساعدة المادية والتأييد للنظام القائم فى مصر يتوقف على السياسات التى يختارها، وأن يحقق ما تطلبه الولايات المتحدة والدول الغربية من مصر وأولها: 

أ - مشاركة مصر فى مشاريع الدفاع المشترك. 

ب - تسويتها للنزاع مع بريطانيا.

ج - تحقيق السلام مع إسرائيل.

٤ - يبدو لنا تركيز النظام قد تحول فجأة إلى القضايا الداخلية، وأن مواقفه الخارجية تتسم بالعمومية والغموض وعلامات الاستفهام وربما يكون ذلك نابعًا من طبيعته، ولهذا فإننا يجب أن نتأكد قبل المضى فى العلاقات بأن يحل التدقيق والوضوح والتفصيل محل الغموض والعموميات، ونحن ندرك أنه من المهم أن يدركوا أن إلحاحنا على الوضوح لا يعنى افتقاد الثقة. 

٥- نحن على استعداد لقبول تعهدات والتزامات أو مجرد وعود مؤكدة وواضحة تظل سرية وتكون أساسًا مقبولًا للتعاون وتقديم المساعدات، وعلى أن تسير باطراد نحو العلنية وأن نساعد ونسهل ذلك من جهتنا، وإذا كنا نصر على أن تكون التعهدات والالتزامات والوعود مكتوبة، إلا أننا ندرك أيضًا أن هذا قد يعتبر افتقادًا للثقة وقد يسبب مصاعب لنجيب مع وزرائه، ولهذا فإننا على استعداد لأن نبحث البدائل ونتعهد بأن تكون شفهية. ونحن نعتقد أنه بالإضافة إلى التعهدات والالتزامات السرية يتعين على مصر أن تقدم بعض الدلائل التى تطمئن الرأى العام عندنا وفى العالم عامة مثل تأييد تدخل الأمم المتحدة فى الحرب الكورية أو تعويض الدول التى أُضيرت مصالحها فى حريق القاهرة، يوم ٢٦ يناير، وهذه المؤشرات لن تكون صعبة على النظام ولكنها سوف تكون برهانًا آخر على أن النظام يكنس الماضى ويزيل كل آثاره، وسوف يكون لذلك أعمق الأثر على الرأى العام عندنا وفى المملكة المتحدة، وعلى الجهود لتقديم المساعدات لمصر. وعلى أساس هذه الملاحظات فإن عليك أن تعد ردك على رسالة نجيب وفق هذه التعليمات: 

١- قامت الحكومة الأمريكية بدراسة رسالة الجنرال نجيب بعناية وتعاطف.. وتود أن تؤكد بذلك موقفها من النظام الجديد فى مصر.

٢- إن الولايات المتحدة تبادل مصر رغبتها فى التعاون وسوف ترحب بإجراء مباحثات فورية لتحديد طبيعة ومدى المساعدات المطلوبة.

٣- يمكن دفع هذه المحادثات إذا ما قامت الحكومة المصرية بتحديد مواقفها بوضوح نحو المساعدات الاقتصادية والعسكرية، وسوف تدرسها الحكومة الأمريكية بأكبر قدر من العناية، آخذة فى الاعتبار العوامل العديدة التى تتداخل فى بناء الدفاع عن العالم الحر، ثم حدود الإمكانات المالية والدفاعية التى يمكن أن تقدمها الولايات المتحدة إضافة لأعبائها الأخرى الكثيرة.

٤ - تتضمن اقتراحاتنا أن تقدم مصر التزامات معينة تظل سرية حول الأهداف بعيدة المدى للنظام الجديد، وحبذا لو أوضحت مصر إذا ما كانت مستعدة فى هذا الإطار أن تتضمن هذه الأهداف انضمامها إلى الولايات المتحدة وبريطانيا ودول العالم الحر الأخرى فى تخطيط الدفاع المشترك عن المنطقة، وبما أن تسوية النزاع المصرى الإنجليزى وثيقة الصلة بالدفاع عن الشرق الأوسط، فلا بد أن تتضمن الأهداف هذه التسوية على أساس أن تقدم التسهيلات الاستراتيجية الضرورية فى قاعدة القنال ليمكن استخدامها بسرعة وفاعلية إذا ما تهدد أمن المنطقة.

٥- إنه وإن كانت الولايات المتحدة على استعداد لمساعدة مصر فى حدود إمكاناتها إلا أنها ليست فى مركز يسمح لها بتحقيق برنامج ثنائی خاص للمساعدات، ولهذا فإنها تأمل أن تواصل مصر علاقاتها مع مصادر المساعدات التى اعتادت التعامل معها.

٦- نحن نرى أن الحكومة المصرية لن تمانع فى أن تتخذ بعض الإجراءات، وأن تقدم بعض المؤشرات التى ترمى إلى خلق مناخ ملائم فى الرأى العام الخارجى يدفع إلى تسهيل تقديم المساعدات. 

انتهت التعليمات.

٧- لمعلوماتك الخاصة لا بد أن تشرح أن تزويد القوات المسلحة المصرية بالأسلحة قبل إسرائيل سوف يثير لنا مصاعب داخلية ثقيلة، ونحن ندرك حساسية بحث المشكلة مع النظام الجديد ولكن نثق أيضًا من أنه لا بد ألا نترك أى شك حول تمسكنا باتفاقات الهدنة والبيان الثلاثى، وأننا نأمل أن النظام الجديد سوف يجد فى وقت قريب أنه من الممكن أن يعلن عن أنه ليس هناك أى نوايا عدوانية عامة وخاصة نحو إسرائيل.

أتشيسون

من كتاب «كيف سقطت الملكية فى مصر؟

فاروق بداية ونهاية»

تاريخ الخبر: 2022-07-22 21:21:16
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

قيبوع مهدد بعقوبة: مدرب السنافر يطلب تجهيز خالدي

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 03:24:46
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 51%

دورة مدريد لكرة المضرب.. البولندية شفيونتيك تتوج باللقب

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-05 03:25:19
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

بينهم 4 من قسم الهواة: استفادة 20 ناديا من ورشة تكوينية للكاف

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 03:24:44
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 51%

عن جولات بيتكوفيتش الأخيرة: التزامات دورة «كاف برو» سبب غياب نغيز

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 03:24:42
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 65%

بطولة الرابطة الثانية

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 03:24:49
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية